محددات المباح في المنهج الإسلامي

منذ 2014-04-24

من رحمة الله تبارك وتعالى أن وضع للحلال المباح قيودًا وشروطًا، تقف أمام هوى النفس والشيطان، وتضمن الخير وتحول دون الشر.. منها: عدم الافساد، التوسط بين الاسراف والتقطير، عدم المخيلة، عدم التفاخر والتكاثر.

من رحمة الله تبارك وتعالى أن جعل الأصل في الأمور الحلة، إلا ما ورد نص بتحريمه، ومن رحمته ايضًا أن قد وضع للحلال المباح قيودًا وشروطًا، تقف أمام هوى النفس والشيطان، وتضمن الخير وتحول دون الشر.

1- عدم الافساد:

  الإفساد ينافى الغاية التي من أجلها استخلف الله الإنسان على الأرض وهى الإعمار، قال تعالى: { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ} [هود:61]، وذلك هو ما دفع الملائكة إلى التعجب والتساؤل، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]. 

وهذا المباح نعمة والنعمة تستوجب شكر المنعم عليها والافساد ينافي الشكر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]، وقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77]، وقال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205].

2- التوسط بين الاسراف والتقطير:

التوسط والاتزان هو الأصل في كل شيء، وأي عمل يخالف ذلك الأصل فضرره أكثر من نفعه، وشره أكثر من خيره، لأنه يعارض الفطرة، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الاعراف:31]، وقال تعالى أيضا: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}   [الفرقان:67]، كما قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الاسراء:26].وفى التقتير هلاك، قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}  [البقرة:195].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة (رواه البخاري في كتاب اللباس، ج [3]، ص [96]).

وقال ابن عباس: "كُل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتين سرف ومخيلة" (نفس المرجع السابق)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالط إسراف ولا مخيله (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وحسنه الألباني في المشكاة [4381]).

3- عدم المخيلة:

قال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18]، وقال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الاسراء:37]، وقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]، والآيات الدالة على تحريم الكبر كثيره.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذره من كبر» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنه، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس» (رواه مسلم [131]، والترمذي [1922]، والألباني في المشكاة [5108] وصححه).

وعن سلمه بن الاكوع رضي الله عنه أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: «كُلْ بيمينك» قال لا أستطيع، قال: «لا استطعت، ما منعه إلا الكبر»، قال: فما رفعها إلى فيه (رواه مسلم [3766]، وأحمد [15896]، والألباني في المشكاة [5904] وصححه).

4- عدم التفاخر والتكاثر:

لقوله تعالى: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]، وقوله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1]، وقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [المدثر:6].

وهنا تتجلى حكمة الله تعالى، حيث أن النفس البشرية ترغب دائمًا في الاستزادة وتشتهى الثناء وتميل إلى المدح كميلها واشتهائها للطعام والشراب، وهى في سبيل ذلك مستعدة متأهبة لفعل أي شيء يسكن تلك الشهوة حتى ولو كان على حساب الأخرين، فضلًا عن أنه ينافى العبودية الخالصة لله تعالى، فضلًا عن أنه مرض اجتماعي يحدث الضغينة والحسد.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 1
  • 0
  • 3,805

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً