المعجمية ودورها في الدراسات الأسلوبية

منذ 2014-04-23

المعنى المعجمي يُشكّلُ المدخلَ الأوّلَ لتحليل النّصوص وفهمِها، والمعنى الأساسي للجملة هو حاصل المعنَيَيْن (المعجمي والنحوي).

إنّ المعنى المعجمي يُشكّلُ المدخلَ الأوّلَ لتحليل النّصوص وفهمِها، والمعنى الأساسي للجملة هو حاصل المعنَيَيْن (المعجمي والنحوي)، كما أنّ بذرة المعنى الدّلالي تكمُنُ في المعجم [1].

ولهذا فالمعجم الشّعريُّ يختلفُ عن المعجم اللّغويّ في أنّ كليهما مصدرُه اللغة، إلا أنّ المعجم الشّعري لا يتوقّف عند المعنى المعجمي للكلمة، ولكنّه يخرجُ بها عن دلالتها الأصليّة إلى أخرى مُشتقة من الجذر اللغويّ ومنحرفةٍ عنه في بعض الأحيان.

كيف تؤثرُ المعجمية على الأسلوبية:

أولًا: انتقاءُ المعجم اللغويّ وتوظيفِه ضمن سياق معيّن يدلُّ على دراية أسلوبيةٍ لأنّ إحدى مميزات اللغة الأدبية تعويلُها المطلق على طاقتها الإيحائية دون الطاقة التصريحية [2].

وبهذه الطاقة نكشفُ عن لغة المؤلف وأسلوبه، فالكلمات تكتسبُ مدلولاتها الخاصةَ والمميزة عبر العمل المشترك للسياق[3].

ثانيًا: يُعدّ المعجم الشعري من أهمّ· الخواصّ الأسلوبية التي على أساسها يمكن الحكم على الشاعر، فهو القاموس اللغوي للشاعر يتكوّنُ من خلال ثقافته وبيئتِه ومناخه الذي عايشه.

ثالثًا: تظهرُ قيمةُ الكلمةِ المعجمية في النص من أنها لا تقوم وحدها بعملية الاتصال اللغوي بين أطراف الحديث، إلا أنّه من الواضح أنّ شطرًا من ذلك الاتصال تقومُ به الإمكانيةُ الدلاليةُ للكلمات المعجمية المقتضية عقلًا ولغة من المتلقّي [4].

رابعًا: للكلمات المعجمية بخلاف الكلمات التركيبية دلالةٌ أخرى تسمّى الدلالة الإيحائية، وتنبعُ هذه الدلالة الإيحائية من التركيب الصّوتي للكلمة.

وهذه الدلالة الإيحائية دلالةٌ سياقية، ذلك أنّ الكلماتِ وهي قابعةٌ في المعجم لا تُثير أو لا توحي بمثل هذه الدلالة [5].

آلية استفادة الأسلوبية من المعجمية:

ونُلخص هذا المحورَ ضمن النقاط الآتية:

أولًا: إنّ النظر إلى المعجم الشعري الفني للشاعر لا يتأتّى إلا بمنهجيةٍ إحصائيةٍ، وتسهمُ هذه الأخيرة بدورِ فعّالٍ في إظهار الترددات التي تُشكّلُ محاورَ معجميةً، أو حقولًا دلاليةً تضمنُ انسجام النّص مع نفسه، ومع غيره من النصوص [6].

ثانيًا: لابُدّ من متابعة الشقّ الكمّي والشّقِّ الكيفي، ويُقصد بالشق الكمي: كمّ الألفاظ التي تكوّنت في ذاكرة الشاعر من خلال قراءته وتجاربه وبيئته، والشقّ الكيفي يعني كيفية توظيف الشاعر لهذه الألفاظ وانتظامها في نسقٍ لغويٍّ له دلالته التي من أهمّها أسلوبيّة الشاعر ولمستُه الجمالية [7].

ثالثًا: مساوقة الصيغة للمعنى، وهي هنا ليست دلالةً صوتية فونيمية، وإنما إشارةً في اختصاص الأبنية ببعض الدلالات لتوافقَ ما بين الصيغة الصرفية (بجملتها) والمعنى الذي سُكبَ فيها، ونضربُ أمثلةً على ذلك:

تكرر العين لتكرير الفعل، في مثل:

- (كسّر، وفتّح، وغلّق)، والعلّة في ذلك كما ذكر ابن جنّي: "أقوى اللفظ ينبغي أن يُقابل به قوةَ الفعل، والعين أقوى من الفاء واللام، وذلك لأنها واسطةٌ لهما، ولمّا كانت الأفعال دليلة المعاني كرّروا أقواها، وجعلوه دليلًا على قوّة المعنى المُحدّث به" [8].

- ومثالٌ آخر على بنية الفعل (فعلان)، فقاس ابن جني على كلام سيبويه بأنّ صيغة (فعلان) للاضطراب والحركة: إنّ توالي حركات الصيغة تقابلُ حركات الأفعال [9].

التطبيق على دور المعجمية في الأسلوبية:

فنأخذُ مثالًا من القرآن الكريم في سورة يوسُف [آية 85] في قوله تعالى: {تَاللَّـهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ‌ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَ‌ضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}، فاستخدم القرآنُ ألفاظًا معجمية لتدلّ على قوة التعجّب والاستغراب، وتلك الألفاظ قد تكون غير شائعة.

فاستخدم الفعل (تفتأ) وهو أغرب أخوات (كان)، وكذلك لفظة: (حَرَضًا) الذي هو أغرب ألفاظ الهلاك [10].

وكذلك نأخذ مثالًا آخر في الشعر العربي، ونخصّ به أبياتٍ من شعر ابن الرومي، الذي كانت ألفاظه تدلّ في أغلب الأحيان على الإغتراب وسط ألفاظٍ سياقية تدلّ عليها، مثل: الأسفار، والدّهر، فنأخذ مثلًا منها الأسفارَ، فالأسفارُ دائمًا عند الشاعر بعثٌ للخوف والمشقة والفراق والجبن، فهو في مقدمة قصيدته التي بعث بها إلى أحمد بن أبي ثوابة يبدؤها بتسويغ تقاعسه عن السفر، إذ يقول:

دعِ اللّومَ إنّ اللومَ عونُ النّوائب   ***   ولا تـتجاوزْ فيه حدّ المعاتب
فما كلُّ مَنْ حطَّ الرّحالَ بمخفِقٍ
***ولا كُلُّ من شدَّ الرّحالَ بكاسِبِ

جعل الشاعر من اللفظة المحورية (الرحال) قطبًا يجذب بعض الألفاظ السياقية؛ مثل: (الجبن–الحرص–الخوف–التردد)، وكل كلمة من هذه الكلمات تعدُّ كلمة محورية أيضًا لما يجاورها من الألفاظ السياقية.

--------------------------------------------------------------------
[1] دور الرتبة، (22).
[2] قضية البِنْيوية، (48).
[3] أمبرتو أيكو، المرسلة الشعرية، مجلة الفكر المعاصر، عدد 18، 19 بيروت، لبنان 1982، (103).
[4] دلالة السياق، ردة الله بنة ردة الطلحي (1/ 286).
[5] دلالة السياق (1/ 289).
[6] تحليل الخطاب الشعري، عبد القادر معمري (60).
[7] بواكير الدرس الأسلوبي في دواعي التأليف المعجمي لإيهاب النجمي.
[8] الخصائص، ابن جني: (2/ 157).
[9] الخصائص، ابن جني: (2/ 155).
[10] انظر إعراب القرآن الكريم وبيانه للأستاذ، محيي الدين درويش، (4/ 28)، وانظر بحث منشور في جامعة قناة السويس (لغة الحوار في سورة يوسف دراسة أسلوبية) د. أحمد جمال الدين.

 

الكاتب/ فوزي فهيم حسن
الثلاثاء، 14 يونيو 2011

المصدر: شبكة صوت العربية.
  • 6
  • 0
  • 7,127

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً