أسر تتنقل من حضن إلى حضن!!
هم أفرادها يتنقلون من حُضن إلى حُضن؛ ليسدُّوا فراغًا بات واسعًا بين أفرادها، ويزيد كما يُقال: "الطين بلَّة"، فتتفكَّك الأُسَر، وتَحدث ظاهرة التقوقُع لدى أفرادها. إنها مَحاضن الأجهزة الإلكترونية الإعلاميَّة، التي ما تزال الأسرة تتنقل فيما بينها وسط التطوُّر التِّقني في هذا العصر.
ظاهرة تتفاقم في كثيرٍ من الأُسر التي لا أقول عنها: إنَّها أُسر فريدة، لكن للأسف مأْساويَّة!
مشهد يؤجِّج مشاعر الحزن، يتكرَّر في عديد من الأُسر، بل وللأسف تُصاب بالعدوى أُسر أخرى على إثره!
فها هم أفرادها يتنقلون من حُضن إلى حُضن؛ ليسدُّوا فراغًا بات واسعًا بين أفرادها، ويزيد كما يُقال: "الطين بلَّة"، فتتفكَّك الأُسَر، وتَحدث ظاهرة التقوقُع لدى أفرادها.
إنها مَحاضن الأجهزة الإلكترونية الإعلاميَّة، التي ما تزال الأسرة تتنقل فيما بينها وسط التطوُّر التِّقني في هذا العصر.
فما أنْ خرَج التلفاز للعالم إلاَّ وتلقَّته الكثير من الأُسر محضنًا لها، تأْوي إليه معظمَ وقْتها، ثُمَّ ما أن خرَجت الشبكات العنكبوتيَّة بمحتوياتها، إلاَّ وانْبَهَرت بها، واتَّخذتْها محضنًا لها أقوى من سابقتها، ثم الشبكات الاجتماعيَّة، وخصوصًا ما يُسمى: (بالفيس بوك، والتويتر)، ثم (البلاك بيري، والآيفون) إلى آخره من المحاضن التقنيَّة العديدة والمتجدِّدة.
أنا لا أُنكر الفوائد الجَمَّة التي انهالَت علينا من هذه التقنيات في جَلْب المعلومات، وسهولة جمْعها وتنقُّلها، وكذلك التواصُل الفعَّال بين الأقارب والأصدقاء، بل وأهل العلم في مُختلف دول العالم، ونحو ذلك من الفوائد التي ليستْ نقطة البحث في هذا المقال.
إنَّ ما أنتقِده هو الانبهار الذي أدَّى بالأُسَر إلى التهافُت حولها؛ حتى اتَّخذتْها محاضن كما ذكرت، تأوي إليها، بل وتفرُّ بها من (سراب) الجوِّ الأُسري؛ مما أدَّى إلى التفكُّك الأسري الملحوظ في كثيرٍ من الأُسر!
فأحمد يقبع بالساعات خلف شاشة الإنترنت، وسعاد تتقلَّب بين موجات القنوات الفضائية، و"يزيد" مشغول بما يسمى (بالبلاك بيري)، والأُم تتحدَّث عبر الهاتف الثابت أو النَّقَّال، لتُحدِث هذه الأجهزة في حياتنا التمزُّق الأُسري والانطوائيَّة الممقوتة!
هم يسكنون تحت سقفٍ واحد، لكنَّهم في الحقيقة يعيشون في بحار عِدَّة؛ ليخوض كلُّ فرد منهم بقاربه غِمار حياته، فيقوم بالتجديف بعيدًا عن الآخر، فتُصبح الأسرة مسمًّى فقط عند (الأزمات)، وكذلك أيضًا في (بطاقة الأسرة).
يجب أن تتوقَّف هذه الأُسر عن مثل هذه الممارسات الخاطئة، يجب أن يعيشوا ولو لبضْع ساعات الأجواء العائليَّة، التي تتبادل الأسرة فيها الأحاديثَ والأخبار والمواقف في جوٍّ صحيٍّ خالٍ من الاضطرابات الاشتباكيَّة! يجب أن تسنَّ الأُسر قانون "لا للصوارف" خلال الجلسة العائلية.
لا تلفاز، لا إنترنت، لا هاتف، لا.. لا.. لا... فقط أثناء الجلسة العائليَّة؛ لتتآلف القلوب وتتقارب، بعيدًا عن الاجتماعات الشكلية التي لا يخرج أفرادُها إلاَّ بتفحُّص الوجوه البائسة!
نعم لتقنين وضبْط الأوقات؛ للاستفادة من هذه الأجهزة بحدٍّ معقول، فكما يقال: « » (صحيح ابن حبان).
دعونا نقف سويًّا حول هذا التساؤل:
لماذا إذا خرَجت لبعض الشعوب أجهزة جديدة، انبهروا بها، وأخذَت بلُبِّ الرجل الحازم؟
ألاَ يستطيع الإنسان العاقل أن يَمتلك نفسه تُجاهها، فيأخذ منها حاجته دون أن تُسيطر عليه سيطرة المغلوب على أمره؟
نحن الذين نتحكَّم في هذه الأجهزة ونُسيطر عليها، وليستْ هي مَن يُسيطر علينا؛ لأن لَدَينا أجهزة تَحَكُّمٍ إرادية داخليَّة، نستطيع من خلالها كبْحَ جِماح أنفسنا عند أيِّ انبهارٍ يقودنا للهاوية.
تذكَّروا: كونوا أنتم المُسَيِّرين لها، ولستم المسَيَّرِين!
ابتهال القحطاني.
- التصنيف:
- المصدر: