هل يجوز ترك بعض السُّنن تأليفًا للقلوب؟

منذ 2014-04-29

ترك بعض المندوبات من أجل معارض راجح أفضل؛ لأن وحدة قلوب الأمة خير من عمل المندوبات؛ لأن وحدة القلوب فرض، وعمل المندوبات سُنَّة، والفرض مقدَّم على المندوب.

السؤال: كيف تكون صلاتنا مع إخواننا الأفغان؟! هل نترك بعض السنن التي يجهلها إخواننا الأفغان أو نطبقها؟!

الجواب[1]: الأفضل أن نتركها. وأنا رأيت فتوى لابن تيمية له رسالة، اسمها "اختلاف الأمة في العبادة"، مع مجموعة "الرسائل المنيرية".

هذه الرسالة يقول فيها ابن تيمية: "وترك بعض المندوبات من أجل معارض راجح أفضل؛ لأن وحدة قلوب الأمة خير من عمل المندوبات؛ لأن وحدة القلوب فرض، وعمل المندوبات سُنَّة، والفرض مقدَّم على المندوب".

ألم تَرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قد ترك إرجاع البيت -الكعبة- إلى قواعد إسماعيل؛ لأنه خاف الفتنة، قال: «يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهدٍ بكفر؛ لهدمت البيت، وأرجعته إلى أسس إبراهيم -أو إسماعيل-، وجعلت له بابًا يدخل الناس منه، وبابًا يخرج الناس منه» (رواه البخاري[7243]، ومسلم [1333]؛ بمعناه).

لذلك بوَّب البخاري: (باب: ترك الإمام للأفضل المختار خوفًا من تنفير قلوب الناس).

والشيخ الألباني قالوا له: ما رأيكم إذا صلينا مع الأفغان، نرفع أيدينا؟ نقول: (آمين)؟ نضع أيدينا على الصدر؟ قال: "تتركونها، وتفعلون كما يفعلون؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين» (رواه البخاري [733]، ومسلم [411])".

قال: "الرسول صلى الله عليه وسلم -من أجل متابعة الإمام- أسقط ركنًا من أركان الصلاة، وهو القيام".

أكثر شيء بالنسبة لرفع اليدين ووضع اليدين على الصدر؛ هي مندوبات، ليست أركانًا، فتَرْكُها من باب أَوْلَى، إذا كان ترك الركن من أجل المتابعة أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فإذا صلى قاعدًا؛ فصلوا قعودًا أجمعين»، والقيام ركن، من أجل المتابعة، فتَرْك رفع اليدين ووضع اليدين على الصدر هذا من باب أَوْلى، والله أعلم.

ثم يا أخي الكريم:

أنا أقول لك: الجهاد فرض، ورفع اليدين عند الركوع سنة مندوب، هيئات الصلاة هذه؛ مستحبات، فإذا تركتها أنت في بيتك هل تبطل صلاتك؟!...لا تبطل.

رجل؛ ما قال (آمين)، ولا رفع يديه عند الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا وضع يديه على الصدر، ولا جلس جلسة الاستراحة، ولا حرَّك إصبعه بشدة؛ هل تبطل صلاته؟!...لا تبطل.

هل تكون مكروهة كراهة تحريمية؟...لا...أنا أقول لكم: لا.

فهي مندوبات؛ أكثر شيء، والجهاد فرض، فإذا كان عمل المندوبات يُعطل الفرض، هل يجوز عمل المندوبات؟

أضرب لك مثالًا: قمتَ أنت قبل طلوع الشمس بدقيقتين، توضأت، بقي دقيقتان على طلوع الشمس، معك وقت؛ إما أن تصلي الفرض أو تصلي سنة الفجر، تصلي سنة الفجر أو الفرض؟... قطعًا الفرض.

فالآنَ إنْ عملت هذه الحركات، المجاهدون الأفغان لا يقبلونك، لا ترتاح نفوسهم لك، فأيهم أفضل: أن تؤلِّف قلوبهم، وأن تجاهد معهم، ثم بعد ذلك تصلحهم تدريجيًّا، وإذا أحبوك؛ يأخذون منك كل شيء، وأنت تعلمهم أخيرًا أن هذه سنن، وهذه مندوبات؟!

فأيهما أفضل: أن تترك الجهاد، وتترك إصلاحهم، وتترك إصلاح عقيدتهم، أو تفعل هذه المندوبات؟!

والذي يرفع يديه في الصلاة هذا اسمه عندهم: (وهابي).

وتعرفون أنه هنالك بعض المشايخ في داخل أفغانستان وظيفتهم؛ محاربة الجهاد، وقطع الصلة بين الجهاد وبين العالم الإسلامي، فيكرهون العرب الذين يأتون، هؤلاء المشايخ أقصر طريق حتى يقطع بين العرب وبين المجاهدين يقولون لهم: "هذا وهابي"...هذه أقصر طريق، هم ليسوا فاهمين من هو (الوهابي)، لا يدرون.

مرة كنت أدرس في الجامعة الإسلامية في إسلام آباد، فقلت لشاب من الشباب: "قم أنت يا سلفي" -شاب أحبه، من أهل الحديث، كان يعجبني، محافظ، عقيدته سليمة، يعرف الحديث-، قلتُ له: "أَجِبْ يا سلفي أنت"، قالوا: "يا أستاذ هذا ليس سلفيًّا!"، قلت له: "من هذا؟!"، قال: "هذا وهابي"، قلت: "مَن هو الوهابي؟!" -حتى أرى ما هي نظرتهم للوهابي-، فأجاب شيخهم -أعلم واحد في الصف، مِن الذين تربوا على المشايخ- قال: "الوهابي هو الذي عنده الولي والنبي والشجر؛ سواء!"، قلت: "هذا الوهابي؟!"، قالوا: "نعم"، قلت لهم: "تعرفون محمد بن عبد الوهاب؟ هذا الرجل الله عز وجل أنقذ به الجزيرة العربية من الشرك، جاء وهم يعبدون الشجر في نجد، وقبر زيد بن الخطاب يُعبد في نجد، والله عز وجل أعانه وهدم القبر وقطع الشجر، كانوا يقولون في الذكر: يا فحل الفحول، أعطني ولدًا، قبل أن يحول الحول! الشجرة نخلة عالية ما تثمر، فيخرجون يطوفون حولها، فيقولون: يا فحل الفحول، أعطني ولدًا قبل أن يحول الحول، فالله عز وجل أنقذ به كثيرًا من الضالين".

فَهُمْ ثلاثمائة سنة، والدعاية ضد (الوهابية) في كل العالم.

ونحن صغار؛ كنا ننظر هكذا إلى (الوهابية)، ما كان أحد يعرف ما هو (الوهابي).

مرة شيخٌ من المشايخ كنتُ أدرس معه في الأردن -ليس في أفغانستان...في الأردن-، فجاءت سيرة (الوهابية) -محمد بن عبد الوهاب-، فقال: "هؤلاء الوهابيون يكرهون الرسول صلى الله عليه وسلم"!

صَدِّقوا؛ واحد من أهل المدينة الأصليين، قال: "هؤلاء الوهابيون يكرهون الرسول صلى الله عليه وسلم"، قلت له: "كيف يكرهون الرسول صلى الله عليه وسلم؟!" قال: "ناقته جالسة" فقال: "يا محمد تخلي هذه الناقة تقوم"، فما قامت، سمعه واحدٌ من هؤلاء الوهابيين قال له: "معك عصاة؟!" قال: نعم، فضرب الناقة، فقامت، قال له: "هذه العصى خير من محمد صلى الله عليه وسلم!".

هذه الدعاية عنهم!!

نعم، ونحن ما عرفنا، وقد أنهيتُ (التوجيهي)، ولا أعرف ما هي (الوهابية) كنت أظنها طائفة من الطوائف الضالة المنحرفة مثل (الإسماعيلية) و(النصيرية) وغيرها، حتى فتح الله علينا ودرسنا كتب ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن تيمية...وما إلى ذلك، وأدركنا قيمة هذه الدعوة.

نحن عشنا في زمان غير زمانكم، نحن زماننا كانوا ما يسمعون عن الإسلام أبدًا، في زماننا؛ في فلسطين لا أذكر شابًا واحدًا ملتحيًا إلا واحدًا، وكان يضرب فيه المثل، ويقال: (حمدي الذي من "الخليل"، الذي مربي لحيته)، ولا بنت لابسة لباس شرعي في فلسطين أبدًا...ولا بنت!

اليومَ؛ غير اليوم أنتم "الدنيا قمر، والأرض ربيع".

أما على زماننا؛ إذا كان الواحد يريد أن يتزوج بنت حلال، يطوف في محافظة، محافظتين، ثلاث، حتى يلقى بنتًا مغطية نصف شعرها، فيمسك بها، يعض عليها بالنواجذ، فيقول: "هذه من خيار الصالحات"، وهذا حصل معي.

نعم، فعندما يجد بنتًا لابسة "جرابات" ولابسة "مريول" المدرسة إلى ركبتها ولابسة منديلًا؛ خلاص، هذه من الحوريات اللاتي نزلن من الجنة على الأرض.

لا يوجد إسلام أبدًا، لا يمكن أن تجد معلمة تصلي، قلما تجد معلمة تصلي، أما عمرة وحج؛ لا يمكن شاب عمره دون الخمسين، الأربعين؛ حج أو اعتمر.

هذا كله جديد في هذه العشر سنوات، بفضل الله ثم بفضل الدعوات الإسلامية التي في المنطقة.

فـ(الوهابية) ما زالت خافية.

الآنَ الفرنسيون والألمان والأمريكان الذين يدخلون في أفغانستان يقولون للأفغان: "جاءكم الوهابية"، كلما رأوا عربيًّا يقولون: "الوهابي وصل"، حتى يغرسوا العداوة بيننا وبينهم.

علماء السوء إذا ما أعطيتهم -الذين في داخل أفغانستان- يقولون لك: "هؤلاء العرب وهابيون".

فكنا نرسل الإخوة، نوصيهم: "إياكم أن تخالفوا الأفغان في عباداتهم، وضع اليدين على الصدر؛ اتركوه، تحت السرة، تحت الصدر، بين الصدر والصرة، ولا تَقُل: آمين، بالجهر، لا تحرِّك إصبعك، لا تعقد يديك بعد الركوع، لا تجلس جلسة الاستراحة، لا تحرِّك إصبعك بشدة".

أحد إخواننا متمسك بالسنة -رغم أنه من الدعاة وناضج- بقي يرفع يديه، أول ما ذهب إلى قندهار -وقندهار معروفة بالتزامها وتمسكها الشديدين جدًّا في دينهم، ونساؤهم محافظات، كثيرًا جدًّا، وعلى المذهب الحنفي، يعضون عليه بالنواجذ-، فهذا أخونا؛ "من أول غزواته كَسَرَ عصاته" [1]، راح فرفع يديه بعد الصلاة، يقول لي -هو الشاب-: "بعد الصلاة، الذي بجانبي واحد أفغاني صار يدعو -هم يدعون بعد الصلاة-: اللهم انصرنا على الشورويين -الشورويين يعني: الروس- والبرشميين والخلقيين -الشيوعيين الأفغان- والوهابيين!"، قال: "وظن أني لم أسمعه، ردد ثانية، وقال: اللهم انصرنا على الشورويين والبرشميين والوهابيين، وقال: قرَّب فمه من أذني، حتى أسمع"!

نكتة في أفعانستان، وكيف كراهية الشعب الأفغاني لكلمة (الوهابية):

واحد من السيخ -تعرفون السيخ هذا الذي يربي لحيته ورأسه وشواربه يجدلها كلها مع بعض، ترونهم في المطارات، في الهند أحيانًا، السيخي معروف لباسه-، فكان واحد من السيخ فاتحًا دكانًا في كابول، بجانبه شيخ -إمام مسجد- الشيخ فقير، كان يدينه، ازداد الدَّين عليه، بالتالي قال له السيخي: "تعالَ يا شيخ أعطني الدَّين الذي عليك"، قال له: "ليس معي الآن، أمهلني، {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَ‌ةٍ فَنَظِرَ‌ةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَ‌ةٍ} [البقرة:280]، تيسَّر معي، كن خفيفًا"، قال له: "يا شيخ إذا ما دفعت الدين أنا لا أدينك، لا أعطي أولادك إذا أرسلتهم"، قال له: "ترفق بنا"، قال: "لا فائدة أبدًا، لا ترسل أولادك يأخذوا أي حاجة من الدكان" قال: "طيب!".

يوم الجمعة، خطب الجمعة، قال: "أيها الناس إن هذا التاجر الذي يفتح دكانًا بجانب المسجد؛ قد تحول من السيخ إلى الوهابية!"، قالوا: "تحوَّل وهابيا؟!"، قال: "نعم"، قاطعه الناس...قاطعوه، صار الناس لا يشترون منه شيئًا.

قال السيخي لرجل: "ما السبب؟!" -أي: الناس قاطعوا دكاني-، قال له: "خطب الشيخ في المسجد أنك تحولت، صرت وهابيًّا"، قال للشيخ: "سامحتك بالدَّين كله، وتعالَ ارجع تكلم؛ أني بقيت سيخيًّا"، خطب وقال: "رجع من الوهابية، تاب ورجع إلى السيخ!"، ورجع الناس يشترون منه.

يأتي بها بعض الإخوة الفاهمين من أفغانستان كنكتة، وبعضهم يقول حقيقة صارت حقيقة.

أنا قرأت في كتب "البريلوية" هنا في باكستان -40%:50% من أهل باكستان بريلوية-: "أن الوهابيين شر من الكلاب، ومَن صلى وراء وهابي فصلاته باطلة وامرأته طالق"!

المهم؛ امرأته طالق!

وعندما جاء "ابن سبيل" -إمام الحرمين-، وزار الباكستان وصلى بالناس، صارت الدعاية: "جاء إمام الحرمين...إمام الحرمين"، فصلى بعض الناس وراءه، "شجاعت علي قادري"؛ أكبر قضاة إسلام آباد، أفتى: "كل مَن صلى وراء (ابن سبيل) فامرأته طالق، لأنه وهابي".

أين أنتم؟! هذه النظرة في الدنيا على (الوهابية).

ما هي (البريلوية)؟! فرقة صوفية منحرفة، ولذلك إذا كان 50% من الباكستان تقريبًا (بريلوية)؛ من صلى وراء (ابن سبيل) فامرأته طالق، هذا حتى قبل سنتين أو ثلاث أو أربعة بالضبط، وأنا هنا، فلا تلوموا الأفغان.

"إن الوهابيين شر من الكلاب"؛ نصوص في كتبهم التي يقرأونها، و"اليهود والنصارى أفضل بكثير من الوهابيين"؛ نصوص أنا قرأتها في كتبهم، والشيعة كذلك، فلا تلوموا الأفغان.

فاتركوا هذه المندوبات؛ إذا أردتم دوام الجهاد، حتى تعلموهم الإسلام، وتعلموهم العقيدة، وتعلموهم هذه السنن، إذا أحبوك؛ يأخذون منك كل شيء.

أنا هذا رأيي، وهذه فتوى ابن تيمية، وهذه فتوى الشيخ الألباني.

--------------------------------------------------------------------

[1] هذا الجواب مفرغ من محاضرة مسموعة للشيخ رحمه الله.

[2] مثل فلسطيني يقال لمن فشل في عمل من بدايته.

  • 3
  • -1
  • 8,645

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً