طفلي كيف أشكِّل عقله، وأصنع تفكيره؟
حين يتحدث الأب مع أبنائه، أو المعلم مع تلاميذه عن حدث من أحداث السيرة النبوية فلا يسوغ أن يقتصر الحديث على سرد القصة والرواية دون القيام بربطها بالواقع، واستنباط العبر والفوائد، وتحريك المشاعر، واستثارة التفكير، والحث على العمل.
إن أسلوب تعاملنا مع المشكلات وطريقة عرض الموضوعات، يسهم في تشكيل عقلية أطفالنا وطريقة تفكيرهم. فإجابة الوالد عن سؤال ابنه، وإجابة المعلم عن سؤال تلميذه إجابة قاطعة، وحديثه عن مشكلة بأنه ليس لها إلا حل أوحد، كل ذلك يؤثر في طريقة تفكير هذا الطفل ويصبغها بصبغة التطرف والقطع.
وما نراه من الشطط والتطرف في الآراء، والغلو والحماسة للأفكار، والقطع بما هو مظنون، والجزم بما هو محتمل، والافتقار إلى الاعتدال في النظر إلى الأمور، ربما يعود سببه إلى التنشئة في الصغر في الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة.
أيها الآباء، أيتها الأمهات، إن عقول أبنائكم في الصغر أشبه ما تكون بقوالب مرنة سهلة التشكل؛ فاصنعوا منها إن شئتم أحلامًا مفتوحة ومتزنة يمكنها أن تستوعب تحديثات المستقبل وتغييراته وهي راسخة في ثوابتها وقيمها الإسلامية، وإلا فاصنعوا منها قوالب جامدة ومنغلقة لا تعمل إلا في بيئة معزولة، ولا تنشط إلا مع الأفكار التقليدية؛ ولا تنتج إلا الآراء المتشنجة ثم لا يلبث البعض منها أن يتحول إلى ردات فعل غير منضبطة على شكل آراء شاطحة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه..» (صحيح البخاري، رقم:1385)، نأخُذُ من هذا الحديث ملمحًا تربويًا لطيفًا: هو أن الأبناء بعد ولادتهم أشبه ما يكونون بقوالب مرنة، يستطيع الوالدان اختيار معتقداتهم وتشكيل عقولهم، وبناء شخصياتهم، وهذا يضاعف المسؤولية الملقاة على الوالدين تجاه أبنائهم في مقتبل العمر.
إن التربية على مبدأ قول الله سبحانه وتعالى على لسان فرعون: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]، هي البيئة المناسبة للتبعية والجمود الفكري، والمربي الفعَّال، لا يتناول النوازل والأحداث التي تحل بالمجتمع المسلم بحديث مشحون بالعاطفة وارتفاع الصوت، ثم لا يخرج المتربي إلا بالحسرة والألم فقط، ولكنه يتناول الأحداث باعتدال واتزان.
المربي الفعَّال يتحدث عن الحدث وحجمه في المجتمع، ومدى خطورته، وأسبابه المباشرة وغير المباشرة، ثم يتناول الحلول الممكنة -الآنية والمستقبلية- ثم يتشارك مع المتلقين في تحديد أدوارهم وواجباتهم حيال ذلك الحدث، وبهذه الطريقة يخرج المتربون بفكرة ناضجة وواعية ومتزنة، ونسْلَم ويسْلَم المجتمع من ردود الأفعال المتشنجة.
هكذا حين يتحدث الأب مع أبنائه، أو المعلم مع تلاميذه عن حدث من أحداث السيرة النبوية فلا يسوغ أن يقتصر الحديث على سرد القصة والرواية دون القيام بربطها بالواقع، واستنباط العبر والفوائد، وتحريك المشاعر، واستثارة التفكير، والحث على العمل.
إن حوار الطفل واستثارة عقله ببعض الأسئلة المنطقية تجعله يفكر بشكل مستمر للوصول إلى تفسيرات منطقية لكل ما يدور حوله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحاور أصحابه رضوان الله عليهم، ويلفت انتباههم ببعض الأسئلة التي تطلق لعقولهم التفكير، ومن ذلك قوله: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة»، فقال أعرابي: "يا رسول الله، فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟"، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «فمن أعدى الأول؟» (صحيح البخاري، رقم:5717).
أيها الآباء، أيتها الأمهات: كلما حدثتما ابنكما باهتمام، مهما كان عمق الحديث وصغر سن الطفل فإنه سيشعر بقيمته ويكون أكثر ثقة وتوافقًا وذكاءً.
نايف القرشي
- التصنيف:
- المصدر:
ام مريم ويحيى
منذام مريم ويحيى
منذ