من بدع شهر رجب

منذ 2014-05-02

إنّ شهرَ رجبٍ الذي نعيشه هذه الأيام هو أحد الأشهر الحرُمُ الأربعة وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ، ورجب، ولهذه الأربعة خصائصُ معلومةٌ تشترك فيها وقد سميت حُرُماً لزيادة حرمتها.. وثبت في السنة دون تجاوز أو تعدٍّ لذلك، إذْ ليس لأحد من الناس أن يُخَصِّصَ شيئاً من هذه الأشهر بشيء من العبادات والقربات، دون أن يكون له مستندٌ على ذلك من أدلة الكتاب والسنة..

إنّ شهرَ رجبٍ الذي نعيشه هذه الأيام هو أحد الأشهر الحرُمُ الأربعة وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ثلاثة متوالية، ورجب الفرد، ولهذه الأربعة خصائصُ معلومةٌ تشترك فيها وقد سميت حُرُماً لزيادة حرمتها، قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36].

والواجب على كلِّ مسلم اتجاه هذه الأشهر وغيرها أن يقوم فيها بما دلَّت عليه الشريعة وثبت في السنة دون تجاوز أو تعدٍّ لذلك، إذْ ليس لأحد من الناس أن يُخَصِّصَ شيئاً من هذه الأشهر بشيء من العبادات والقربات، دون أن يكون له مستندٌ على ذلك من أدلة الكتاب والسنة، وقد كان المشركون في الجاهلية يُعظِّمون شهر رجب ويخصّونه بالصّوم فيه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما صومُ رجب بخصوصه فأحاديثه كلُّها ضعيفة، بل موضوعة لا يَعتَمِد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يُروى في الفضائل، بل عامَّتُها من الموضوعات المكذوبات.."، إلى أن قال رحمه الله: "صحَّ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يضرب أيديَ الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب ويقول: (لا تُشَبِّهُوه برمضان)" (مجموع الفتاوى:25/290ـ291)، ويقول رحمه الله: "إنَّ رجب كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام تُرِك".

وفي شهر رجب يصلي بعضُ الناس صلاةً معينة بصفة غريبة يسمّونها صلاةَ (الرَّغائب) يفعلونها في أوّل ليلة جمعة منه بين المغرب والعشاء، وهي بِدعَةٌ منكرة باتفاق أهل العلم لم تُعرف إلا بعد القرن الرابع الهجري، وليس لها وجودٌ أو ذكر قبل ذلك، قال الإمام النووي رحمه الله، وقد سُئِل عن صلاة الرَّغائب هل هي سنة وفضيلة أو بدعة، فقال رحمه الله: "هي بدعةٌ قبيحة منكرة أشدّ الإنكار مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها وإنكارها على فاعلها، ولا يُغتَرْ بِكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورةً في (قوت القلوب، وإحياء علوم الدّين) ونحوهما من الكتب فإنها بدعة باطلة..

وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو ردّ» وفي الصّحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»، وفي صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ بدعة ضلالة»، وقد أمر الله جلّ وعلا عند التنازع بالرجوع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59]، ولم يأمر باتباع الجاهلين ولا بالاغترار بغلطات المخطئين" (انتهى كلام النووي رحمه الله)، (فتاوى النووي، ص:40).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "لم يصح في شهر رجب صلاةٌ مخصوصة تختص به، والأحاديث المرويّة في فضل صلاة الرّغائب في أوّل ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ: أبو إسماعيل الأنصاريّ، وأبو بكر بن السمعانيّ، وأبو الفضل ابن ناصر، وأبو الفرج بن الجوزيّ وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدِّمون لأنها أحدثت بعدهم، وأوّل ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها" (انتهى)، (لطائف المعارف، ص123).  

والنقول عن أهل العلم في هذا المعنى كثيرة، وفي شهر رجب يَفِدُ بعض الناس إلى المدينة النبويّة المنورة بزيارة يسمّونها الرَّجَبِية يرون أنّها من السنن! وليس لها أصلٌ في كلام أهل العلم، ولا ريب أن المسجد النّبويّ تُشَدُّ إليه الرِّحال في كلِّ وقت وحين، لكن تخصيصُ شهر معين أو يوم معين لهذا العمل يحتاج إلى دليل خاص، ولا دليلَ هنا على تخصيصِ رجب بذلك، وعلى هذا فاتخاذ هذا سنةً يُتقَرَّبُ بها إلى الله في هذا الشهر بخصوصه أمر مُحدث ليس عليه دليلٌ في الشّريعة.

وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب يقيمُ بعضُ الناس احتفالاً لذلك، ويعتقدون أنَّ تلك الليلةَ هي ليلةُ الإسراء والمعراج، وفي ذلك الاحتفال تُلقَى الكلماتُ وتنشد القصائدُ وتُتلى المدائح، وهو أمرٌ لم يكن معهوداً ولا معروفاً في القرون المفضلة خيرِ القرون وأفضلِها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا يُعرفُ عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلةً على غيرها، لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصّحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها"، وقال أيضاً: "هذا إذا كانت ليلةُ الإسراء تعرفُ عينها، بل النقول في ذلك منقطعةٌ مختلفةٌ ليس فيها ما يُقطع به، ولا شُرِعَ للمسلمين تخصيصُ الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء لا بقيام ولا بغيره" انتهى كلامه رحمه الله (انظر زاد المعاد:1/57 ـ 58) .

ولْيُعلَم أن حقيقة اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم هي التّمسك بسنته فعلاً فيما فعل، وتركاً فيما تَرك، فمن زاد عليها أو نقص منها فقد نقصَ حظُّه من المتابعة بحسب ذلك، لكن الزيادة أعظم لأنها تقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1].

وليعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في أحاديث كثيرةٍ: الحثُ على لزوم السنة والتحذيرُ من البدعة، بجميع أنواعها وكافّة صورها، منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وغيرهما عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغة ذرفت لها الأعين، ووجِلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودِّع، فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبداً حبشيّاً، فإنّه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسّكوا بها وعضُّوا عليها بالنّواجذ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور فانَّ كلَّ محدثة بدعة وإنَّ كل بدعة ضلالة» (المسند:4/126، وصحيح ابن حبان رقم:5).

وتأمّل قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «فإنّه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيراً» ، فهذا فيه إشارة إلى أنّ الاختلاف سيقع والتفرّقَ سيوجد في الأمة، وأنَّ المخرجَ من التفرقِ والسلامةَ من الاختلاف إنما يكون بأمرين عظيمين، وأساسين متينين لا بد منهما:
 

الأولُ: التمسكُ بسنته صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين».
والثاني: مجانبةُ البدع والحذرُ منها ولهذا قال: «وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور فانَّ كلَّ محدثة بدعة وإنَّ كل بدعة ضلالة».

ولعِظم هذا الأمر وجلالةِ قدره وشدة أهميته، وضرورة الناس إلى فهمه وشدة العناية به، كان صلوات الله وسلامه عليه في كلِّ جمعة إذا خطب الناس أكَّد على هذا الأمر العظيم ونوَّهَ به، وذلك في قوله: «أما بعد فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة»(صحيح مسلم:867، من حديث جابر رضي الله عنه).


فالواجب علينا ملازمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتمسك بهديه ولزوم غرزه، واقتفاء أثره، والحذرَ الحذرَ من كلِّ البدع والضّلالات بجميع أنواعها وكافَّةِ صورها، وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحيينا جميعاً على السنة، وأن يميتنا عليها وأن يجنبنا الأهواءَ والبدَع، إنه سميع مجيب قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 

المصدر: موقع عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
  • 2
  • 0
  • 4,725

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً