أضرار الفراغ

منذ 2014-05-06

أتدري أنك ستُسأل يوم القيامة عن عمرك فيمَ أفنيته؟! وعن شبابك بالأخص فيما صرفته؟! فماذا أعددت أيها الشاب الإسلام للإعداد لهذا السؤال الصعب؟!

دار هذا الحوار بين باسم وخالد:
باسم: إني أنتظر إجازة نهاية الأسبوع بفارغ الصبر.
خالد: نعم، فهي فرصة عظيمة لكي ننام ونشاهد التلفاز.
باسم: ولكني لا أقصد ذلك.
خالد: ماذا تقصد؟
باسم: إني أستغل وقتي في الذهاب إلى المسجد المجاور لبيتنا لحضور الدرس الإيماني الأسبوعي، وبعدها أخرج مع أصدقائي نلعب كرة القدم، فالوقت أغلى من الذهب، وهناك أضرار على المسلم إذا لم يستغل وقته.
خالد: ما هي الأضرار؟
باسم: أقلها، الوقوع في معصية الله تعالى.
خالد: سآتي معك الخميس القادم إلى هذا الدرس.
باسم: حسنًا..

إن للوقت أضرار على الشاب المسلم إذا لم يحسن استغلاله على النحو الصحيح، وفي هذا المقال نحاول أن نوضح بعض هذه الأضرار:
1- سؤال صعب:
أتدري أنك ستُسأل يوم القيامة عن عمرك فيمَ أفنيته؟! وعن شبابك بالأخص فيما صرفته؟!
فماذا أعددت أيها الشاب الإسلام للإعداد لهذا السؤال الصعب، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟» [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (3593)].
"فلن تزول قدما العبد في هذا الموقف العظيم حتى يُحاسَب عن مدة أجله فيمَ صرفه، وعما فعل بزمانه ووقت شبابه بخاصة، فإنه أكثر العطاء وأمضاه، وهو تخصيص بعد تعميم؛ لأن تمكن الإنسان من الزمن في وقت الشباب أعظم وآكد وأثمر من طرفي العمر؛ حيث ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة" [سوانح وتأملات في قيمة الزمن، خلدون الأحدب، ص (7)].
فماذا ستقول لربك يومئذ، حين يرخي عليك ستره، ويزيل الحجب بينك وبينه ثم يسألك:
كم ساعة ضيعتها في أمر غير ذي جدوى؟
كم يوم مرَّ عليك لم تُفِد أو تستفد منه؟
كم عامًا قطعته بلا زيادة في دينك أو دنياك؟
فيالفرحة من وفقهم الله وكانوا من المستغلين لأوقاتهم المحافظين على دقائقهم وأعمارهم! فتنطق ألسنتهم وتشهد جوارحهم بحرصهم على رأس مالهم النفيس من الدقائق والساعات.
وانظر إلى غبن من خذلهم الله فكانوا من المستهترين المضيعين للأوقات والأعمار! فخرست ألسنتهم وعجزت جوارحهم عن الإجابة؛ فخسروا الخسران المبين.
"ولما كان الوقت سريع الانقضاء، وكان ما مضى منه لا يرجع، ولا يعوض بشيء؛ كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، وترجع نفاسة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل وكل نتاجٍ، فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فردًا أو مجتمعًا.
إن الوقت ليس من ذهب فقط كما يقول المثل الشائع، بل هو أغلى في حقيقة الأمر من الذهب واللؤلؤ والماس، ومن كل جوهر نفيس، وحجر كريم" [الوقت في حياة المسلم، القرضاوي، ص (10-11)، بتصرف].

2- غبن كبير:
ومن ضيَّع أوقاته فيما لا يفيده فهو من المغبونين الخاسرين؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» [رواه البخاري].
"فمن صح بدنه، وتفرغ من الأشغال العائقة، ولم يسعَ لصلاح آخرته؛ فهو كالمغبون في البيع، والمراد بيان أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونهما في غير محالهما، فيصير كل واحد منهما في حقهم وبالًا، ولو أنهم صرفوا كل واحد منهما في محله لكان خيرًا لهم أي خير" [سوانح وتأملات في قيمة الزمن، خلدون الأحدب، ص (18)].
واعلم يا طالب المعالي أن "الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط [الغِبْطةُ أَن تَتَمنَّى مثل حال المَغْبوطِ من غير أَن تُريد زوالها ولا أَن تتحوَّل عنه، والمغبوط: هو الذي يغبطه الناس] ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم" [فتح الباري، ابن حجر، (18/219)].

3- السلسلة المدمرة:
 

إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة

ومن الفراغ تأتي المفاسد، وتتوالى المعاصي على العبد في سلسلة مدمرة، تُضعِف الإيمان في القلب وتبعده عن مولاه، فمن فرغ من عمل جاد مثمر فلا بد وأن يشتغل بما يضره ولا ينفعه، وقد قال الشافعي رحمه الله: نفسك إن لم تشغلها بالحق؛ وإلا شغلتك بالباطل" [الجواب الكافي، ابن القيم، ص (109)].
ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إني لأبغض الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة" [حلية الأولياء، أبو نعيم، (1/130)].
إذًا "فهي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وهو القلب إن لم تسكنه محبة الله عز وجل سكنه محبة المخلوقين ولا بد، وهو اللسان إن لم تشغله بالذكر شغلك باللغو وما هو عليك ولا بد، فاختر لنفسك إحدى الخطتين، وأنزلها في إحدى المنزلتين" [الوابل الصيب، ابن القيم، (1/111)].

ولتعلم أنه "من الفراغ تكون الصبوة، ومن أمضى يومه في حقٍّ قضاه أو فرض أدَّاه، أو مجد أثَّله [أثَّله: (تأْثيل المجد بناؤه)] أو حمد حصَّله، أو خير أسَّسه أو علم اقتبسه؛ فقد عتق يومه، لقد هاج الفراغ عليك شغلًا وأسباب البلاء من الفراغ" [فيض القدير، المناوي، (6/375)].

ولا عجب أن حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من تضييع الأوقات وعدم استغلالها، فقال: «اغتنم خمسًا قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك» [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (3355)].
"أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة، التي أول منازلها القبر، فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان.
«وشبابك قبل هرمك»؛ أي اغتنم الطاعة حال قدرتك، قبل هجوم عجز الكِبَر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله" [فيض القدير، المناوي، (2/21)].

4- كيف تحطم أحلامك؟
وإذا أردت أن تحطم أحلامك في النجاح والتفوق؛ فما عليك إلا أن تهمل استغلال أوقات فراغك، فما عرف النجاح طريقه إلى الفارغين المهملين الذين يضيعون أعمارهم فيما لا يفيد.
وأنت ربما تحلم بوظيفة مرموقة، وبيت واسع وسيارة جميلة ورصيد وافر من الأموال، وغيرها من الأحلام المشروعة التي تحتاج منك إلى جهد وتعب في سبيل تحقيقها، فإن ضيعت أوقاتك في أشياء تافهة لا تقربك من هدفك؛ فقل لي بربك متى ستصل إليه؟

أما الناجحون، فهم أدرى الناس بقيمة أوقاتهم، فلا ترى ناجحًا في هذه الدنيا إلا ومن صفاته الرئيسية الحرص الشديد على الوقت، مثل المدير العالمي أندرو جروف، الذي حصل على لقب أفضل مدير في العالم عام 1974م، والذي كان يحرص على وقته أشد الحرص، فنال هذه الجائزة الشرفية.

وإليك نموذجًا ليوم من أيام أندرو جروف يقضيه في مؤسسته:
يقول روبرت هللر: "قام جروف بتحليل خاص به لمعرفة ما الذي يقوم به المدراء، وخلال يوم طويل أكثر من 12 ساعة، أمضى ساعة على الغذاء مع زملاء له في (إنتل)، وثلاثة أرباع الساعة إما وحيدًا أو مع شخص آخر، وست ساعات في اجتماعات، وساعتين في إعطاء محاضرة توجيهية لموظفين محترفين، أما باقي الأوقات في المكتب فقد كانت من أجل جمع المعلومات وصنع القرارات، وحث الناس لسلوك اتجاه معين" [سلسلة عمالقة الإدارة.. الروا? الذين غيَّروا عالم الإدارة، روبرت هللر، ص (20)].
وهذا شارلز هاندي عبقري النظام المؤسسي الجديد، والذي يُعَد من عباقرة الإدارة في الولايات المتحدة، تجده ينظم وقته في كل شئون حياته بطريقة عجيبة، فيقول عنه ابنه سكوت: "يمضي والدي في كل سنة مائة يوم في العمل، ومائة يوم في الكتابة، ومائة يوم في الأعمال الخيرية، وخمسة وستين يومًا في قضاء الأجازات، وأعتقد أن والدتي تقرر كيف يقضيان الأشهر الستة الأولى من السنة، بينما يقرر والدي كيفية قضاء الأشهر الستة الأخرى، وأعتقد أنهما افترقا لمدة تسعة أيام فقط منذ زواجهما" [سلسلة عمالقة الإدارة.. الرواد الذين غيَّروا عالم الإدارة، روبرت هللر، ص (13)].

ماذا بعد الكلام؟
ـ اصنع مصفوفة الوقت وعلقها فوق المكان الذي تعتاد أن تجلس فيه كثيرًا في البيت وهي:
ـ الهام والعاجل.
ـ هام غير عاجل.
ـ غير هام عاجل.
ـ غير هام غير عاجل.

ثم تقوم بوضع أهدافك اليومية وتصنفها وفق هذه الأربعة أشياء:
ويمكنك أن تستخدم في ذلك مفكرة تضعها في جيبك، لكي تنظر فيها وما الذي تفعله في هذا اليوم:
ـ اقرأ في بعض كتب إدارة الوقت وقم باستخلاص أهم الأمور التي تساعدك على إدارة وقتك.

المصادر:
 سوانح وتأملات في قيمة الزمن، خلدون الأحدب.
 الوقت في حياة المسلم، القرضاوي.
 سلسلة عمالقة الإدارة، الرواد الذين غيَّروا عالم الإدارة، روبرت هللر.
  فيض القدير، المناوي.
 الوابل الصيب، ابن القيم.
? الجواب الكافي، ابن القيم.
? حلية الأولياء، أبو نعيم.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام
  • 8
  • 0
  • 32,636

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً