من نواقض الإسلام - (6) من استهزأ بشيء من دين الرسول (3)
الحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا، فمن سب نبيًا مسمى باسمه من الأنبياء المعروفين، كالمذكورين في القرآن أو موصوفاً بالنبوة.. فحكمه أن الاستهزاء سبب من أسباب الكفر والخروج من ملة الإسلام.
المسألة الخامسة: قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:65]، فيها عدة مباحث: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [التوبة:65-66].
أولاً: سبب نزول هذه الآية ما تقدم ذكره وهو ما رواه ابن جرير الطبري في (تفسيره:10/172) عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: "قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: أنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}" [التوبة:65-66].
ثانياً: اختلف أهل العلم فيمن نزلت هذه الآية؟
القول الأول: أنها نزلت في المنافقين، وهذا المنقول عن السلف عند تفسير الآية كابن عباس وابن مسعود وقتادة ومجاهد وغيرهم، ورجحه ابن تيمية في الصارم المسلول في عدة مواضع: (3/586،613،873)، وابن عثيمين في آخر فتاوى العقيدة.
القول الثاني: أنها نزلت في أناس مسلمين وهو قول آخر لابن تيمية في كتاب (الإيمان) وبه قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (كشف الشبهات) وعبد الرحمن بن حسن في (فتح المجيد) وهو قول آخر أيضًا للشيخ ابن عثيمين في (شرح كتاب التوحيد).
ثالثًا: على القول بأنها نزلت في المنافقين، لا يصح أن نقول أنها لا دلالة فيها على أن الاستهزاء كفر، لأنها نزلت في المنافقين وهم كفار قبل وبعد الاستهزاء، فهذا قول مردود لأن الله علّق التكفير بنطق الكلمة وقال: {..قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ..}، وأيضاً لو كان التكفير من أجل النفاق وليس لأجل الاستهزاء لما أخرّ الله تكفيرهم إلى حصول الاستهزاء ولأنزل الله تكفيرهم من قبل فإن رسول الله يعلم أسماء المنافقين وأخبر بها حذيفة، مما يدل على أن الاستهزاء سبب من أسباب الكفر والخروج من ملة الإسلام.
رابعاً: قوله تعالى: {..إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً..}، تمسك بها من يقول بعدم كفر المستهزئ لأنه عُفي عن طائفة منهم، ولا دلالة في ذلك لأن كل المستهزئين أظهروا التوبة، فمن صدق في توبته عفي عنه، ومن لم يصدق لم يعف عنه ولم تقبل توبته، كما ذكر ذلك السعدي في تفسيره، ذكر بعض المفسرين: "أن المعفو عنهم هم الذين استمعوا للأذى دون الذين تكلموا فيه فلم يعف عنهم".
وذكر ابن تيمية جواباً ثالثاً في (الصارم المسلول:3/875) فقال: "أنه سبحانه أخبر أنه لا بد أن يعذب طائفة من هؤلاء إن عفا عن طائفة، وهذا يدل على أن العذاب واقع بهم لا محالة، وليس فيه ما يدل على وقوع العفو؛ لأن العفو معلق بحرف الشرط فهو محتمل، وأما العذاب فهو واقع بتقدير وقوع العفو وهو بتقدير عدمه أوقع، فعلم أنه لا بد من التعذيب، إمّا عاماً أو خاصاً لهم".
المسألة السادسة: الاستهزاء وسب الأنبياء كفر، كسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن تيمية في (الصارم المسلول:3/1048): "والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا، فمن سب نبيًا مسمى باسمه من الأنبياء المعروفين، كالمذكورين في القرآن أو موصوفاً بالنبوة، مثل أن يذكر حديثاً أن نبياً فعل كذا أو قال كذا، فيسب ذلك القائل أو الفاعل، مع العلم بأنه نبي، وإن لم يعلم من هو، أو يسب نوع الأنبياء على الإطلاق، فالحكم في هذا كما تقدم، لأن الإيمان بهم أوجب عموماً..
وواجب الإيمان خصوصاً بمن قصه الله علينا في كتابه، وسبهم كفر وردة إن كان مسلماً، ومحاربة إن كان من ذمي.. وإن كان أكثر كلام الفقهاء إنما فيه ذكر من سب نبينا، فإنما ذلك لمسيس الحاجة إليه، وأنه أوجب التصديق له والطاعة جملة وتفصيلاً، ولا ريب أن جرم سابه أعظم من جرم ساب غيره، كما أن حرمته أعظم من حرمة غيره".
المسألة السابعة: الاستهزاء وسب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن تيمية في (الصارم المسلول:3/1050-1054): "فأما من سب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم، فروي عن مالك: من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن، ولأن الله تعالى قال: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور:17].
وأما من سب غير عائشة من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان: أحدهما أنه كسابّ غيرهن من الصحابة على ما سيأتي.. والثاني: وهو الأصح أن من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها، وقد تقدم معنى ذلك عن ابن عباس، وذلك لأن هذا فيه عار وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن بعده، وقد تقدم التنبيه على ذلك فيما مضى عند الكلام على قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} [الأحزاب:58]، والأمر فيه ظاهر".
عبد الله بن حمود الفريح
حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.
- التصنيف:
- المصدر: