دِماءُ الوَرَقِ (1)

منذ 2014-05-22

ستهجر الشمسُ حبائلَ الظلامِ؛ كي تتصالحَ مع الفجرِ الصادق. أسرعُ من الأفلاكِ المتلاحقة، وأحنى من البَرَد حين يهفو على سالفةِ يتيم؛ سيُبنى المسجدِ الذي سنقِيمُ فيه صلواتنا على الوقتِ.

(1)

 أمل

 

في ليلةِ حالكةِ القسوة

كثقبِ أسود.

 يبتلعُ كل من يقتربُ منه

يغادرُ به إلى كونٍ بعيد.

ستنسحبُ الآثام

كموجٍ في دوامةِ الشجى.

 ستهجر الشمسُ حبائلَ الظلامِ

 كي تتصالحَ مع الفجرِ الصادق.

 أسرعُ من الأفلاكِ المتلاحقة

وأحنى من البَرَد حين يهفو على سالفةِ يتيم.

سيُبنى المسجدِ الذي سنقِيمُ فيه صلواتنا على الوقتِ

 نتلو آيات قدسيَّة في كتابِ لا يأتيه الباطلُ من بين

 يديه ولا من خلفه.

طنينُ حلقاتنا ووُفود الناشئين الرائعين

سَتَعود

ومعها عالمنا الطفوليّ المُحلَّى بِصفى الترَاتِيل.

يوم كنَّا وشعاع الشمس نتسابق على سجدةِ الضُّحى.

حتى سعادتنا التي تناثرت هادِرَة ًمن قلوبنا

ونحنُ في طريقنا للخلاصِ

 سَنُعيدها.

سنُلَمْلِمُ صَبَاحها مع البحرِ المُجَفَّفِ من عنائِهم

سنفتح صفحته الواسعة من جديد.

 نستخرج منه كل أشياءنا القديمة.

 

(2)

براءة

 

أمنياتي وقصاصاتي، قناعاتي وأشيائي؛ محقتها مَفْرَمةُ الأوراقِ القاسية.

قصصي البريئة الدافئة في ليالي الشتاء؛ تلك التي كانت تُذَكِرني بجَدّتي حين كانت تعبث بخصلاتي قبيل النوم؛ لتحكي لي عن مدينتي الخاصة، عن عالمي اللامرئيّ الذي كان يعيش في مخيلتي كدُمْيَةِ لا تُفارقني.

 يا لصدمتي حين اكتشفتُ أن الكثير من أبطال عالمي كانوا عملاء، دخلاء على وعييّ الصغير!

لقد اخترقوا لاشعوري، فقد كانت ثمة حروف تُحكى من وراء حروف جدتي، بصوت وئيد يريد أن يفرض عليَّ قناعات أرفض أن ترتب تكويني.

أما قناعات الصِّبا والشباب التي التحمتْ بأركاني طيلة الفترة السابقة، لتُشكل معارفي الذاكية التي تلقيتها علي يد مُمكَّنين مُتقنين.

فقد عادت هي الآخرى تهددني.. تفصل بين واقعي الأليم وحبر ثخين على ورق مكين.

جمود الأحرف المكتوبة باتت تخنق أنفاسي المواترة تلك التي لم تطق أن يحتويها حدود الكتاب ولا جفاف ورقه وقسوة تراسيمه.

 طموحي اللامحدود في الاستجابة لما تعلمته منهم بات يهدد ركني المحجوز دومًا... والذي عُرف باسمي في حلقة المسجد.

لقد بات حديث معلمي الهادئ في محاولاته الفاشلة لاحتواء ثورتي وثاراتي كعجوز يلهج وراء فتي كالفهد في حماسته، ليعجز عن إدراكه أو حتى نصحه.

وعلى مكتبي الهائج الهادئ كبحر يبدي سكونه تارة وثورته تارة، تذكرت كل أمسياتي الشجية، انتبهت لصوتها الخفيض الحائر وكأنني وللمرة الأولى أقرر أن أرى الحقيقة كما هي بلا تلاوين –رغم أن هذه التلاوين كانت تبهجني حين استدعيها-، لكن الواقع كان أحب إلى أن أعرفه، أن أتبرأ من كل الدخلاء، وحتى العقلاء إذا أودى بنا العقل إلى ركود بارد أو جسد مسجَّى، وقديما علموني أن النفس إن لم تتحرك تأسن وإن لم تنطلق تتعفن. 

مع الهجير في يوم بلا شمس لكنه كان يحمل الحقيقة كاملة أعدتُ تسطير كل قناعاتي كما أريدها لا كما هي تريد.

 

(3)

سندريلا

 

حياتي الفقيدة سأعيدك من جديد يوم أن تتصالح القلوب والثمار والآلام.

لابد من سلامٍ عميمٍ حتى ولو كان مع الظلام.

آه يا سندريلا ..لو تعلمين أن أمك لا تزال على قيد الحياة .

كيف سيكون طموحك حينئذ؟

إن "دورا" امرأة أبيك تؤمن بالمتجاوزات، نعم تؤمن بالجنة والنار؛ ورغم ذلك لا تمتثل لهما!

 لكنها أرادت أن تحرم أمك من وعد الخلود لانها توقن أنها على الحق.

ظنت أن لها القدرة على السيطرة على أنفاسها فأبقتها حية في غيابات مقيتة لتستمر في لذة تعذيبها.

إنّ أمرًا واحدًا لا يزال يعذب نياط قلبها.

إنه ابتسامتك يا سندريلا وكأنك تبشين لأمنياتك التي ستقضي عليها حتمًا

يومًا ما.

لكن حيادكِ الأمرد سيقضي على قضيتكِ وحريتكِ، وعفوكِ اللامتوازن سيحطم مستقبلكِ.

 

(4)

براءة

 

حتى أنفاسكم الرحيبة في فضائها القدسي المُتَبَر بشمس التقى.

داست على آمالي رغم أنني لم أزاحمكم يومًا.

ما جئت إلا لأشواقي وإرثي المدفون تحت وسادتكم.

صدى تكوينكم الذي يرمق غدي سأهجره إلى صباحٍ سافر.

فصباحٌ سافرٌ خير من سترٍ كافر.

الحبُّ الذي بيننا غدى ماضٍ.

أوراقكم باتت عاجزة عن تجفيفِ هالات سواد مقلتي الهادرة بما لا يُبقى على معالمها!

مكوثي المنكوس معكم لم يعد سوى مُكث على ضميري.

صباحات ضحكي، ولعبي الذي كان يرتع في أرواحكم؛ أضحى كمراسيم دفن توئد تنانير اللاّهيات على أعتاب ضعفكم و صمتكم.

 وحتى أُرجوحتي على شاطِئ الوداع؛ لم أعدْ استطعْ سماع صوتها، فكأنها صفير غارة على عالمي الضائع.

  • 0
  • 0
  • 1,404

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً