لا مكان للحقائق بيننا!

منذ 2014-05-28

تأكّد قبل كلّ شيء أنّك لا تحتاج رضا أحد من الخلق، واحرص على أن تحتقب معك ما يكفيك من الإخلاص وهو مادّة كيميائيّة شديدة التّركيز غير مستقرّة فاحذر أن تريقه.

ولذلك أنصحك بالإجراءات الوقائيّة التّالية قبل بدء رحلة صيد الحقيقة:

تأكّد قبل كلّ شيء أنّك لا تحتاج رضا أحد من الخلق، واحرص على أن تحتقب معك ما يكفيك من الإخلاص وهو مادّة كيميائيّة شديدة التّركيز غير مستقرّة فاحذر أن تريقه.
إذا واصلت الرّحلة ولم تتوقّف في الاستراحات على الطّريق سيدخلون اسمك في موسوعة "جينيس" كأكبر كذّاب في العالم، وستصير أنت مضرب المثل في الكذب بدل البارون (مانخاوزن)، فانظر من الآن هل تقدر على تحمّل تبعات تلك الشّهرة ؟!.
حين تدخل غابة البحث تأكّد من أنّك أحكمت لبس قناع التّجرّد المضادّ للشهوات على وجهك، ولا تنس قطّ ارتداء الخوذة المخصّصة للوقاية من الشّبهات على رأسك، فإنّ ذلك المكان مظنّة الغازات السّامّة للشّهوات والانهيارات الصّخريّة للشّبهات، وانظر جيّدا أين تضع قدميك فالمكان مليء بمنحدرات تعصّب خطيرة جدّا.
صيد الحقيقة يحتاج خبرة عالية لتميّزها عن غيرها، فكثير من حيوانات تلك الغابة يشبهها ويتماهى معها، وهي بارعة جدّا في الاختفاء والتّخفّي، فاصبر ولا تستنفذ ذخيرة عرض آرائك إلّا بعد التّأكّد التّامّ وحصول اليقين أنّ ما ترميه هو هي.
ستكتشف أنّ الأغلبيّة يتعاملون مع صيدك على أنّه جيفة منتنة الرّيح، وسيهولك أوّل الأمر كرههم لذلك الصّيد النّادر، فلا تهتمّ ولا تلق لهم بالا، وأخرج من وعائك بعض ما أحضرته من مادّة الإخلاص وخذه بيد الصّبر واشربه باليقين، وستزول عنك تلك الفجيعة، فإن كنت نسيت أن تحضر تلك المادّة كما ذكّرناك وأوصيناك فارم الطّريدة من يدك والتحم بالكارهين لها كأنّك واحد منهم فليس لك حلّ آخر وفسدت رحلتك.
لا تبع صيدك إلّا لعارف بقيمته، وإلّا أُخذ منك بأبخس ثمن، وعاملوك معاملة بائع الجيف وسارق الجثث ونبّاش القبور.
لا تعجب إذا وجدت من يسمّي صيدك باسم آخر غير الحقيقة، فللنّاس مذاهب في التّعبير والتّسمية قد تصل إلى تسمية الشّيء بضدّه.
بعض النّاس لا يشغله من صيدك غير الفراء، فاعرفهم، فإنّهم أصحاب تجارة السّوق السّوداء وبعضهم قطّاع طريق، وإن كانوا يشبهون في زيّهم الصّيّادين، إلّا أنهم ليسوا منهم .. وأخطرهم مندسّون يحاولون الكيد لهم عند حرس الغابات.
وأخيرا، الحقيقة عورة ترفض السّتر طويلا، وكارهوها جميعا مصرّون على كونهم شرفاء نبلاء يرفضون التّفسّخ والعري، ويحاربونها بنفس الحماسة الّتي يحارب بها المحافظون ظواهر الانحلال الأخلاقيّ، فاحذر أن تكشف تلك العورة في كلّ مكان ولكلّ أحد، وستجد كثيرا من جمعيّات الرّفق بالحقيقة الّذين يقيمون تظاهرات لأجل منع استهلالكها فاحذرهم، ولن يضرّوك إلّا أذى.
ما أعذب وأحقّ قول ربّنا بطمأنتك حين تغترب: {بل جاءهم بالحقّ وأكثرهم للحقّ كارهون}.