دِماءُ الوَرَقِ (2)

منذ 2014-06-02

حينما تبكي ذكرياتك التي ظلَّت محفوظة في حصونٍ ظننتها دهرًا أصول بنيانك فأتى من يهدمها من القواعد.

(1)

الجميلةُ النائمة

لازلتُ أثق في قدراتها وتسلطها تلك المَلِكَةُ المزيفة.

إنها تُحسن استخدام الميزان تمامًا كما أحسنه أنا.

لكنها تتعمد في قلبه معقوفًا بالآثام!

إمعانًا في إغاظتي...في استفزاز عالمي.

إنها نشوةُ العزّة بالإثم.

إلا أنني في الوقت نفسه لا أتحمل الصبر على ما يطمح إليه صاحبي.

إنه يريد تغيير المملكة على أشلائي!

لابد أن أصنع حلًا يخلصني من مأساتي.

لابد أن أختفي عن كلا الشخصين.

ولكن كيف لي؟

إن ضميري يوخذني وكأنه حدٍّ بسوط!

يقول لي: "أواه أيتها الجميلةُ النائمة، كيف تسمحين لنفسك بتلك المهانة الكبيرة؟ّ"

كيف تهربين من جحيم زوج أبيك الملكة الآثمة إلى جوار لا تعرفينه؟!

أنا لا اقول لكِ ان تستسلمي كنخوع سندريلا.

إن يقينها الباسم للحياة بلا دفاع  يستفزني.

لانه يقين بلا عتاد ولا احتساب.

وولاؤها الغير مميز يغرقها في أباطيلٍ، كضلالات السامري.

فهل يمكننا أن نضع الملح على الحلو ونتذوقه عذبًا؟!

لكن احتماءك بشرذمة من سنافرِ السواحل الزرقاء؛

إثمًا مبينًا.

إنه خطرٌ على مملكتك كلها التي تنتظر عودتك.

فكيف تحتمين بحمى من لا تعرفينهم؟!

وتذري الملكة الشريرة تنعم بما أستأمنكِ عليه شعبك؟!

كيف لا تنتظري أميرك، وتهربين عنه وقد كنت تعرفينه جيدًا؟!

لا، لا تنكري خوفك من واقعه المعذب لأنه عزيزٌ ذلّ.

لا تنكري خوفك من الفاقة باقترانك به.

واجتماع الأعداء عليه.

وسؤالات أقرانك التي قد باتت تؤرقك في الفترة الأخيرة.

عن طموحه الخيالي، وثوريته، وتهوره.

عن شغفه للبحث عن ميراث الكرامة المدفونة تحت سفح جبال طوروس.

عن حلمه في فتح ساسان ورومان.

انه حرٌ أراد ان يحيا كما يحلم؛ فلم يفرق بين حلمه، وواقعه.

لذا تريه قد كسر كل قيود الخوف، وحطم العادة، وامتطى صهو الصعاب  ليصل إلى أمنياته.

أمّا أنتِ الآن بجسدك المسجَّى في صندوقك الشفاف.

بعد أن ارتضيت القعود في بيت أقزامٍ لا يحملون لك سوى نصف أمنياتك.

فجلستِ على سرير لا يسع اطرافك، وبيت تحنين فيه ظهرك حتى تعيشين بداخله.

هل كنت تدركين أن مكوثك بحمى بيتهم لن يجدي نفعًا من تربصهم بك؟!

وطمعهم في وجودك؟!

ألم تفكري في حلّيّة تواجدك وسط مجموعة من الذكور ولو كانوا أقزامًا؟!

 

***

(2)

أمل

أيها الغيم المقيت تقشع.

انطبح أرضًا وتلبد برمال القرية، لربما ننتفع منك بعد أن أمسك المطر عن غيثه.

فلقد اشتبه عليَّ أطياف أشباح التاريخ... تُقاتلُ الفرسان.

حتى الفرسان اشتبوه عليَّ أهم فرسان المسجد، أم فرسان المعبد!

أتراني لازلت احلم؟!.. أتراني بهذا السوء حقا؟!

دُخان الهَيْكَلِ الوثني يهزي يهرولُ وراء المارَّة كمبعوثٍ من عالم الموتى.

يريد أنْ يقبض على الجميع بلا سَنَدٍ ولا استئذان.

وعبير المزرعة استحالت رائحته لقمامة رذيلة لزجة.

أهذه طرقاتي التي كانت دومًا تصافحني، تقودني إلى منزلي الوسنان؟!

لم أعد أتعرَّف على أيِّ منها إلا من دكاكين باكية خوت من أصحابها.

فقامت بنفسها بمهمة الرثاء.

أرأيت قبلُ أطلال ترثي أصحابها؟!

وحتى طيوري الرقيقة لم تعد تطئ بأقدامها ها هنا لتلتقط الحب؛ رغم أن كل شيء مُلقى على الأرض بغزارة.

أُتصدق في يومٍ أنها كانت تمشي التبتختر...هُنا؟!

أتصدق هذا؟!

أنها كانت تتكاسل حتى عن الطير حبًا في وطني؟!

وحتى نجوم السماءِ الحافلة، لم تعد تبتهج كالماضي، فأنفاسهم باتتْ ترصد بريقها بـ "رادار"المكيدة.

وصوتُ السكونِ الذي طالما كنت أهفوا إليه، استحال جمودًا كئيبًا يفترش الموت في كل لحظة.

تساقطتْ الأقنعة المزدانة على حافتيّ حارتي الركينة.

حتى لم أعد ابتهج في يومي لحظاتٍ معدودة.

رغم أنني سعيدة بتلك البداية السماوية التي ستثمر مشهدًا انتفاضيا جديدا

لكنني دومًا حزينة.

 

***

(3)

ذات الرداء الأحمر

صوت فراستي يغالب غبائي الهجين.

يؤرقني دومًا لكنه أرق الرحمة يدافعني قائلًا: "يا ذات الرَّداء الأحمر، ليست هذه جدتك؛

إنما هو الثعلب الماكر ولو كان قابعًا على فراشها الطاهر.

لا تخلطي بين فراش الطهر، ومن ينام فوقه بالقهر.

هل تظنين أن الثعلب الماكر كان يريد حقًا أن يتناول غذاءه على خنازير المزرعة؟!

إنه ماكر حَدَّ أنه يخدعكم من داخل قصته.

هل تدرين أنه يحبهم حَبَّ الحياة؟

إن تلك الخنازير قادرة على بعث نشوته أكثر من كعكة معطرة بكأس خمر –لديه-.

لشد ما يؤذيه التخلص منهم أو حتى التغيب عن ناظريه.

لكم كان يحلم وهو يراهم يكبرون في فنائكم طلقاء، مرفهين، سعداء.

إن سعيهم بشرعتهم المقززة تريح جوانج ضميره المتعفن.

لقد بنى لهم ترسانةً وطاحونةً وموقدًا.

وجمع لهم ما يكفيهم لمائة عام من أقوات حصدها من سُقْيا عرقكم.

وأنتم لا تزالون تصدقون أن رفعتهم ذاتيّة، وأملاكهم عصامية، ولا تدرون أن كل ما يتمرغون فيه من نِعم ليس سوى ميراث جدتكم!!

 

***

(4)

براءة

 

حينما تتفقد آخر أطلالك، أشياءك التي باتت غريبة عنك.

بفنائها، باختلالها، بتوازنها الذي وُزِن بآلةٍ أخرى غير الميزان.

حينما تبكي ذكرياتك التي ظلت محفوظة في حصونٍ ظننتها دهرًا أصول بنيانك فأتى من يهدمها من القواعد.

حينما ترى كل عزيز عليك بات غريبًا عن فؤادك!

يشيح وجهه المرحِّب بك لكنها إشاحة بطريقة جديدة!

بعد أن فاجأك بلونه الجديد ذلك اللون الذي ظل يحدثك عن قبحه ويُعلِّمك سوْءاته!!

مذ ان التجأت لعلمه واحتميت بصوان فكره عن وفود الغازين.

منذ نعومة مهدك وصفاء خلدك وانت يا صاح لم تتركهم يومًا.

تستعذب أحاديثهم!

تترقب لقاءهم!

يحدوك الشوق اذا ذُكر عندك محياهم.

آه يا أخي من عذابات حسرتك المتساقطة من كيكونة آلامك على ذوي الفضل حينما يقررون انتحار الفضل.

ثم هو يتشحون بالعثرات ويجهرون بها وانت لا زلت متعجبًا!

هل لا يرون ذاك اللون المختلف الذي اتشحوا به؟

هلا يشعرون بعظم المساءلة؟!

في تلك اللحظة تأبى أن تبعث إليهم بتراسيل العتبى.

بل تترجاهم أن يتخلصوا منك.

أن اكتموا أنفاسي وانثروا روحي في اليبابِ.

فما عاد ينفعني النسيم حين أضحى جزء من أنفاسكم.

وما عاد لهجركم أنين.

اثخنوا الروح التي تؤرقكم واجعلوا منها موقدًا ودخانًا أسودًا ورمادًا.

ابذروا شوكتي في الظلام.

واصنعوا بها حبر التمام.

أعيدوا تسطير عقلي ربما يؤوب للرشاد.

وجِّهوا حريتي الى حيث الحمائم.

تلك التي لا تبالى تقبيل أقدام الصقور في كل مساء.

اكتبوا حقيقة كونكم، ولائكم.

سلطانهم المهيمن،ربانهم المسيطر.

انقشوا كل ذاك على دثار بيتكم.

لاتبالوا بعدها أن تهدروا طيفي، في بحر الآثام.

اعلنوها لا تعباؤا..

فما عاد أبلغ من انصاتي لكم ربما استدرُ العبر!

انشدوا باسم الإله والرسول والوطن، ولا تنسوا الوثن.

سطِّروا تاريخكم بكل دقة وصدق.

استمدوا من قناديل النور التي في القلوب.

او ربما كانت فقط فوق الظهور.

قبسًا سائغًا، وآخر تائهًا.

حسنوا أو قبحوا... اجتهدوا أو شرعوا ...عطلوا أوشبهوا ...

ذللوا كل أغادير الفلاح، فالعذر مباح، والعفو ملاء بحر من رجاء.

ظللوا ذاك الصباح الثائر.. أطفئوه.

وثِّقوا فرسانه الكارهين مطالع الأوصياء.

شتتوا ذاك الطموح جففوه.

أخَّروا غيث المصيف البعيد وحيهلا موائد العبيد.

بعدها...

اغرقوني اهرقوني مزقوا ذراتي الضعيفة.

فإنها لم تعد تقوى التماسك والتلاؤم.

والتخوف من طواطم، والتهرطق بالتشاؤم، والتلحف بالتصوف.

والتأول بالتنصل والسلام .

استخلصوا مراراتي قبل أن تخرج عليكم.

وويلاتي التي طالما اعترضتكم؛ فليس بعد كفري بكم ذنب.

يالا كل العقلاء أينهم من وصم فمي، قبل جفوني!

ليت كل السفهاء لو ينكلوا بي!

رب لي راحة في اختفائي أو فنائي فلا يُقضى عليكم.

ليت ما سمعتكم حين قلتم...

أُخرجي والكبرياء فالتُقى في التعقل والتريث والدهاء.

أُغربي كالبلهاء لن نضيع الإرْثَ والحُبَّ هَباء.

لن تضيعوا الحُبّ؟

أيُّ حبٍ؟!

حُبّ قومٍ بفنائي، بدمائي ؟!

حُبّ قوم بالبراءة حتى من رثائي؟!

من سنى النور الذي أعطيتموني،

ثم جاء اليوم يرثيكم ويبكي وفائي؟!

  • 0
  • 0
  • 1,250

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً