صناعة الزعماء بآليات الانقلابات
اتجهت السياسة الميكافيلية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى ترويض الشعوب وتدجينها لا إلى مجرد تغيير القيادات - لأن تلك الشعوب كانت ترفض بالبديهه والفطرة، الإمبريالية والصهيونية.. فكان لا بد من فرض زعامات ذات خصائص ومميزات معينة، تستطيع عند اللزوم اتخاذ قرارات تعاكس أماني الشعوب.. وتملك القدرة بما أضفى عليها من هالاتٍ أسطورية إلى فرض تلك القرارت فرضًا قاهِرًا على أن تبدو الاستجابة الجماهيرية لها في صورةٍ عفوية تزكيها شخصية الزعيم (صناعة بطل)..!
إن صناعة القيادات الملائمة للسياسة الأمريكية للوصول إلى الحكم فى ظل النظام العالمي الجديد.. بالمفهوم الأمريكي الذي فضحه الكاتب الأمريكي، مايلز كوبلاند؛ في كتابه (لعبة الأمم) الشهير.. مع العلم أن كوبلاند كان مسؤول ملف الشرق الأوسط إبَّان عهد عبد الناصر.. حيث يقول: "أخذت المخابرات الأمريكية تفتش عن الفريسة الأولى للتدخل في هذه المنطقة فوقع اختيارها على سوريا لأنها كانت تتميز يالتطرُّف في مواجهة الصهيونية والاستعمار وتقرَّر التدخل المباشر في هذا الوقت.. الذي يلي إنشاء إسرائيل لشل القدرات العربية عن معركتها الرئيسية وجرِّها إلى معارك جانبية داخلية وهكذا بدأت الانقلابات في المنطقة، بحركة حسني الزعيم بعد تسعة أشهر من قيام إسرائيل".
وبعد فشل الانقلابات المتتالية في سوريا قرَّرت دوائر الاستخبارات الأمريكية القيام بعمليةٍ أعمق جذورًا، تُصبِح مركز إشعاع لمثاليات الشعوب العربية - مادة مماثلة بديلة لمثاليات الأديان ولا سيما الإسلامي فوقع الاختيار على مصر.
واتجهت السياسة الميكافيلية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى ترويض الشعوب وتدجينها لا إلى مجرد تغيير القيادات - لأن تلك الشعوب كانت ترفض بالبديهه والفطرة، الإمبريالية والصهيونية.. فكان لا بد من فرض زعامات ذات خصائص ومميزات معينة، تستطيع عند اللزوم اتخاذ قرارات تعاكس أماني الشعوب.. وتملك القدرة بما أضفى عليها من هالاتٍ أسطورية إلى فرض تلك القرارت فرضًا قاهِرًا على أن تبدو الاستجابة الجماهيرية لها في صورةٍ عفوية تزكيها شخصية الزعيم (صناعة بطل)..!
يقول كوبلاند: "إن عبد الناصر لو لم يُولَد، فإن لعبتنا كانت تُحتِّم علينا أن نخلقه خلقًا" فنوجد النوع الضروري من الحكام الذي تحتاجه طبيعة اللعبة اليوم أو غدًا، وأهمية عبد الناصر في اللعبة الأمريكية -كما كانوا يُقدِّرون- أنه وحده يستطيع أن يُحقِّق أهداف اللعبة، وفرض واقع جديد.
وتمرير الفكرة الجديدة التي تم رسمتها أمريكيا لهذه المرحلة والتي هي الوعاء الجديدة لامتصاص عواطف الشعوب ومثالياتها (القومية العربية) وكبديل كما ذكرنا من الوعاء الطبيعي لتلك الشعوب وهو وعاء الشريعة الإسلامية. بل كما قال كوبلاند نصًا وخشية من قيام ثورة إسلامية شاملة والتي تعلم أمريكا جيدًا أن تلك الشعوب ستعود لها تلقائيًا إذا تركت بدون وعاء تقليد مصنوع صناعة جيدة..
وقد قام عبد الناصر بتحقيق هذه الأهداف أكثر مما استطاع أن يُحقِّقها غيره من زعماء الانقلابات.. ومن الملاحظ في لعبة صناعة الزعيم، تعامل زعماء العالم الثالث كطلاب في مدرسة فيهم.. المجتهد وفيهم الخائب، والخائن والعميل.. وأكثرهم الفسدة! وقضية الاختيار تخضع للظروف والمؤثرات، كما تخضع للمقومات النفسية والذهنية للشخص الزعيم.. فليس كل فاسد يصلح زعيم وليس كل خائن يصلح للمهمة..
فنجاحهم في خلق النماذج رهن بنجاح النموذج الإنساني الذي اختاروه، وهم من ثم يقيمون هؤلاء الزعماء تقييمًا مدرسيًا، فبعضهم يستحق درجة عشرة من مائة، وبعضهم عشرين أو ثلاثين... إلخ، ولن أقول يا تُرى ستستطيع أمريكا تمرير زعماءها الجدد لهذه المرحلة لأنها بالتأكيد لا زالت تملك كل أدوات التمرير، لكن السؤال هو:
تُرى هل نجحت أمريكا هذه المرة في اختيار زعماء المرحلة القادمة والتي من المؤكد أنها ستختلف عن جميع المراحل السابقة؟!
قد تدفع أمريكا وحلفائها ثمنًا غاليًا إذا أساءوا الاختيار هذه المرة..!
- التصنيف: