الدعاة، و الرائحة الخبيثة

منذ 2014-06-18

ينتظر الناس من العلماء والدعاة دومًا أن يكونوا قدوة في سلوكهم وأفعالهم، وأن تطابق أفعالهم أقوالهم، وإلا فهم يرونهم بوقاً متحدثاً وفماً واسعاً يطلق الصيحات بلا حقيقة ولا أثر.

ينتظر الناس من العلماء والدعاة دومًا أن يكونوا قدوة في سلوكهم وأفعالهم، وأن تطابق أفعالهم أقوالهم، وإلا فهم يرونهم بوقاً متحدثاً وفماً واسعاً يطلق الصيحات بلا حقيقة ولا أثر.

الناس اليوم نضجت رؤيتهم أكثر من أي وقت مضى، ولم يعودوا يتأثرون بالكلمات المنمقة والصرخات الهادرة، قد صاروا يبحثون في الكلمات عن قائلها وفي الصيحات عن منفذها.

الله سبحانه في كتابه أمر بتنفيذ القول تطبيقياً على الأرض، ونهانا أن نكون ممن يقول ولايفعل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3]، فلماذا تتحدثون بحديث الإيمان ثم أنتم لا تقيمون معانيه، ولم تتشدقون بمطالبات الصدق وأنتم أبعد الناس عن ذلك؟! ولم تكلمون الناس عن شجاعة التقوى ثم أنتم أول الجبناء؟! ولم تقصّون عليهم قصص التضحيات وأنتم أبعد الناس عن التضحية؟ ولم تعلمونهم معاني الزهد وأنتم أكثر الناس ترفًا وترفهًا؟! لم تقولون مالا تفعلون؟! إن ذلك يمقته الله سبحانه مقتاً كبيرًا، إذ إن الإيمان الحق هو الذي يغير الحقائق قبل الظواهر ويغير القلوب قبل الألسن.

كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كثيرًا، وضرب أمثلة شديدة للذين لا يطابق قولهم عملهم، فضرب مثلاً برجل في النار تندلق أقتاب بطنه يدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع إليه أهل النار فيسألونه: "يافلان ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟!" فيقول: "بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" والحديث أخرجه مسلم، فيالها من صورة شنعاء، صورة الرجل الواعظ، والداعية الذي ملأ الدنيا بكلماته، لكن حقيقته أنه لم يكن يفعل من ذلك من شيء، فإنما كان يأمر بالمعروف ثم يدع نفسه بعيدًا عنه فلا ينفذه ولايطبقه، وينهى الناس عن المنكر ثم هو يلغ فيه ويلطخ نفسه به، غير آمر نفسه بالبعد عنه ولا منج نفسه من السقوط فيه.

إنه داء عضال عند كثير من المتصدرين للناس بغير إيمان يدفعهم للطاعة والاستقامة، قد يكون سببه عدم صدق القلب، وقد يكون سببه الجهل لحقائق التشريع، وقد يكون سببه غلبة الهوى على المرء، وكلها أسباب قبيحة لاينبغي أن يتصف بها من جعل من نفسه موجهًا للناس أو معلمًا لهم أو وضع نفسه موضع قدوة.

إن أول بدايات الطريق للدعاة ينبغي أن يكون تطبيق العلم الذي تعلمه، وتنفيذ السنن التي حفظها، والتنفيذ الفعلي لمقالات الصلاح والأمر بالمعروف، فيصير عندها الداعية منهاجاً متحركاً، يتنسم الناس منه الفضائل، ويدع بصمته في كل مكان حل فيه، إنما الداعية رائحة زكية، تعبق المكان الذي يتواجد فيه، فيشمه الناس ويستمتعون بحلو ريحه ويجتمعون حوله، فاحذر أن تكون رائحتك خبيثة! 

 

خالد روشه

  • 1
  • 0
  • 1,033

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً