رمضانيات : أم هانيء - (9) حول صدقة الفطر نُطَوّفِ
عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"..
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
حول صدقة الفطر نُطَوّفِ
عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (حسَّنه الألباني في: صحيح أبي داود، رقم: [1609]).
* هذا الحديث فيه من الفوائد ما لا يعلمه إلا الله نقتطف منها ما يلي:
- "فرض": زكاة الفطر فرض من الله.
- "طُهرة للصائم من اللغو والرفث": أما هذه فمِنَّة في صورة تكليف؛ امتن الله بفرضها علينا، رحمة منه وتفضلًا؛ ليتم بها ما نقص من أجر صيامنا، فيُطهِّره لنا بها من أدران وشوائب ووسخ اللغو والرفث، فالحمد لله على فضله ورحمته في تشريعه.
-"طعمة للمساكين": "طعمة" لا قيمة، وهي صاع من طعام مما يقتاته الآدميون، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كُنَّا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر" (رواه البخاري).
وقد قال العثيمين: "فلا تجزئ من الدراهم والفرش واللباس وأقوات البهائم والأمتعة وغيرها؛ لأن ذلك خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (رواه البخاري ومسلم)" انتهى، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب من الآية:36].
وكما قال السلف: "ننتهي إلى ما عُلِّمنا".
هذا الحق ما به خفاء *** فدعك من بُنيِّات الطريق
- "من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة": هي عبادة مؤقتة تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وينتهي وقتها بصلاة العيد، فيجب إخراج الفطرة قبل صلاة العيد، والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وتجزئ قبله بيوم أو يومين للذين يقومون على إخراجها كما قال ابن حجر في (الفتح)، وأكَّد عليه العثيمين في شرحه لكتاب (رياض الصالحين: كتاب فضائل القرآن باب: آية الكرسي): حديث أبي هريرة رضي الله عنه «..صدقك وهو كذوب..»".
- "ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات": فلا تجزئ بعد صلاة العيد.
فهي عبادة مؤقتة شرعًا، وقد قال بعض أهل العلم: "من أدَّاها قبل غروب شمس آخر أيام رمضان فعليه الإعادة لبطلانها، وعلَّل ذلك بأنها أُديّتْ قبل دخول وقت أدائها"، والقاعدة التي دلَّت عليها النصوص: "أن كل عبادة مؤقتة، إذا تعمَّد الإنسان إخراجها عن وقتها، لم تُقبل"..
* وفي المسألة خلاف بين أهل العلم لا نستطيع جحده، ولكنهم أجمعوا -يرحمهم الله- على إجزائها وصحتها ما بين غروب شمس آخر أيام رمضان إلى صلاة العيد، بينما اختلفوا فيما عدا ذلك ما بين مُجيز وحاظر وقائل بعدم الإجزاء أصلًا، فالأجدر بنا اجتناب الخلاف، والعمل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران من الآية:102] و{حَقَّ تُقَاتِهِ} هنا: اتباع الأثر والعمل بما أجمع على إجزائه أهل العلم الأثبات.
بقيت مسائل لطيفة:
1- يجب أن تصل ليَد الفقير أو وكيله قبل الصلاة:
وهاهنا لطيفة كُنَّا في ممارساتنا العملية لا ننتبه إليها: فكم أرسلنا فطرتنا إلى مسكين فلم نجده، فتركناها لجاره؛ ليعطيها له متى حضر، والواقعة الكبرى أن صاحبها -غالبًا- ما كان يحضر ويتسلمها بعد صلاة العيد بزمنٍ لا يعنينا طال أم قصر، وكان ذلك لجهلنا بوجوب أن تصل ليَد مستحقها قبل الصلاة. إلا إذا وَكّل المسكين من ينوب عنه في تسلُّمِها، هنا جاز لأن الوكيل المسكين ينوب عنه فكأنه هو.
2- يجب أن تخرج من يد مؤديها في التوقيت الشرعي سابق الذكر:
بمعنى إنه قد يوكّل أحدنا غيره ليخرجها عنه، وهذا جائز شرعًا، إلا أن الوكيل قد يذهب ليعطيها لمستحقها فلا يجده فيبقيها في حوزته إلى أن يلقاه، وهذه الواقعة فكأنها بقيت في يد صاحبها حيث الوكيل نائب عن مخرجها فكأنه هو.
3- زكاة المال تتعلق بالمال، فيخرجها في بلد المال، وزكاة الفطر تتعلَّق بالبدن فيخرجها المسلم حيثما وجد وأينما أدَّى صلاة عيده.
ولهذه اللطائف قصة معنا..
في السفر فوائد عدة، عاينتُ ذلك وعشته وغيري كذلك، وأضرب لكم مثلًا على ذلك يعلم الله أنه حدث لنا كما ولا بُدَّ حدث لغيرنا، وأكاد أجزم بأنه يحدث وسيحدث لأناسٍ بعدنا.
هاكم قصتنا:
"كُنَّا في عمرةٍ في العشر الأواخر من الشهر الفضيل -وكانت أول عمراتنا وأول أسفارنا- وكُنَّا في مكة ليلة الثلاثين من رمضان حين نمى إلى علمنا أن غدًا يوم فطرنا، وذلك بعد استطلاع علماء المملكة للهلال، فأخذنا نتحرَّى الأنباء عن فطرة بلدنا، وكانت الواقعة التي ليس لها دافعة: غدًا المُتمِّم لشهر رمضان في بلدنا، فكان لسان حالنا بل قالنا: اللهم لا رادَّ لقضائك ولا مُعقِّب لحكمك -القدري أعني طبعًا- وكُنَّا في سكننا والذي كان يبعد كثيرًا عن الحرم، فعزمنا أمرنا أجمعين على الذهاب للحرم مبكرين، لنحضر صلاة العيد في ساحة الحرم ويا لها من منَّة منَّ الله وكرَّم..
خرجنا قبل الفجر بساعتين، نسير إلى الصلاة على الأقدام حيث لا وسائل انتقال متاحة ساعتئذٍ لانغلاق الطرقات
فتصاحبنا في الطريق كل مِنَّا له رفيق، وإذا بأرزٍ في أكياس على شكل هرم قد تراصّ، وهنا خطر ببالنا حال زكاة فطرنا، حيث وكَّلنا بها الأمناء ليؤدوها عَنَّا ليلة فطرنا في بلدنا؟!
وبناءًا على الوقائع بقيت ساعات قلائل على صلاة عيدنا، فماذا عن زكاتنا؟!
قالت إحدانا: نهاتف الأهل ليخرجوها لنا في الحال؟ ولكن كيف ولم يبقَ على الفجر إلا سويعات؟!
وهب أنا فعلنا فمن أين لأهلنا بمساكين في مثل تلك الأوقات؟
واستدعينا بعضنا وتناجينا في الطريق، ووقع في حيص بيص كل الفريق!
فقالت إحدانا: لماذا لا نخرج فطرتنا هنا والآن؟
سكت الجمع مشدوهين، وفي قولها مُتأمِّلين، والناس من المارَّة حولنا مُتعجبين!
* وإذا بالجميع من قولها مسرورين، وإلى العمل به مسرعين، وقد كان الأمر يسير:
فاشترينا من الأرز على الطريق -صاع من الحبوب موزون- بخمسة ريالات، وبفضل الله حُلَّتِ المعضلة وتكالب علينا المساكين وأخرجناها قبل صلاة الفجر فرحين"..
ولمَّا رجعنا بلدنا بحثنا المسألة، وأذعنا بين قومنا ما استطعنا المعضلة، فامتنَّ الله علينا بالعلم بعدُ وكانت نعمته علينا ما لها حدُّ، بعد ما وُفِّقنا -بفضله ومنِّه- للعمل بالصواب قبلُ.
فكانت نتائج بحثنا:
1- مراعاة فروق التوقيت.
2- زكاة المال تتعلَّق بالمال، فيخرجها في بلد المال، وزكاة الفطر تتعلَّق بالبدن فيخرجها المسلم حيثما وجد وأينما أدَّى صلاة عيده.
3- يجب أن تخرج من يدِّ صاحبها أو وكيله فيقبضها المسكين أو وكيله في التوقيت الشرعي المفروض.
وكل ما أوردناه من معلومات لم تخرج عمَّا في كتب شيخنا العثيمين رحمه الله تعالى.
فالله أسأل أن يتقبَّل أعمالنا، وأن يُلهِمنا -بجوده وفضله وكرمه- رُشدنا وأن يُسدِّد على طريق الحق خُطانا، إنه بكل جميل كفيل هو مولانا ونعم الوكيل.
2014-07-03 00:00
- التصنيف: