غزة تحت النار - (5) الصمت العربي
الإسرائيليون أعداؤنا، يكذبون ولا يصدقون، ويكرهوننا ولا يُحبُّون، ولكنهم يقولون أحيانًا ما لا يقوى غيرهم على قوله، أو يسقط من بين كلماتهم ما يفضح، ويُبيِّن من ثنايا حديثهم ما يكشف، فلا يوجد من الأنظمة العربية اليوم من يقف إلى جوارنا، وينتصِر لنا، ويستعد للدفاع عَنَّا، أو يعمل لوقف العدوان الإسرائيلي علينا، فهم إما صامتون أو يتآمرون، وساكتون أو يتعاونون، وعاجزون أو يدعمون، وفرحون أو يشمتون..!
قطاع غزة يَشتعِل ويَلتهِب لليوم الثالث على التوالي في عدوانٍ إسرائيلي غاشمٍ جديد، يستهدف كل شيء، ولا يستثني من عدوانه أحدًا، بينما الأنظمة العربية صامةٌ تتفرَّج، أو عاجزةٌ تترقب، فلا تُحرِّك ساكنًا، ولا تصدر صوتًا، ولا تُبدي حِراكًا، ولا تقوى على الاعتراض أو التنديد، أو مطالبة المجتمع الدولي بسرعة التحرُّك، لوقف اعتداء الكيان، وكف آلته الحربية عن قصف القطاع وقتل مواطنيه، وتخريب المُخرَّب فيه، وتدمير المُدمَّر منه، وكأن الذي أصابها خرسٌ أو شلل، أو أنه عجزٌ وفشل..!
لا شيء قد تغيَّر في البرامج التلفزيونية العربية التي بقيت على حالها، وكأن شيئًا لم يحدث، أو أن عدوانًا لم يقع، أو كأنهم لا يعرفون أن العدوان الإسرائيلي ضد غزة، وأنه لا يقع في الجوار قريبًا منهم، بل إنه يستهدف بقعةً نائية، وشعبًا بعيدًا، لا تربطهم بهم جيرة ولا علاقة، ولا شأن لهم به، رغم أنهم يسمعون أصوات القصف، ويرون ألسنة اللهب المتصاعدة، وسحائب الدخان الكثيفة، علمًا أن الوصول إليه أقل بكثير من مسافة السكة، ولكنهم يتعامون ويتجاهلون، ويسكتون ويصمتون، أو ربما أنهم يتعاونون ويتآمرون..!
لم نسمع مسؤولًا عربيًا يستنكِر، ولا حاكمًا يدعو إلى سرعة التحرُّك ووجوب التضامن، رغم أنهم يقفون على المنابر كل يوم، ويتحدَّثون في كل المناسبات، ويتناولون مختلف القضايا، وتنقل وسائل الإعلام تصريحاتهم وأقوالهم، وتغطي أنشطتهم وفعالياتهم، وزياراتهم وإفطاراتهم، ولكن محنة الفلسطينيين لم تصلهم، وانتفاضة القدس والضفة لم تُحرِّكهم، وثورة الأهل في الجليل والمثلث لم تشجعهم، وأنهم لم يروا من الأحداث سوى اختطاف المستوطنين الثلاثة، وهم جنودٌ غزاة، وقتلة عتاة، بينما تجاهلت عيونهم صورة الفتى محمد أبو خضير، الخارج من صلاة الفجر، وهو يصطلي نارًا، ويحترِق حيًا..!
لا أريد أن أُصدِّق أحدًا من الإسرائيليين فكلهم كاذبين ولو صدقوا، وإن هم تحدَّثوا فلن يقولوا إلا ما ينفعهم ويضرّنا، وما يسرهم ويسيئ إلينا، فموقع ديبكا الاستخباراتي الإسرائيلي يقول: أن الحكومة الإسرائيلية أعلمت أنظمةً عربية بنيتها الهجوم على قطاع غزة، وأن قادةً عربًا يتفهمون مُبرِّرات الحملة الإسرائيلية، وأنهم أعطوا الموافقة المبدئية على العدوان، إذ أنهم يعتقدون بصدق الرواية الإسرائيلية، ويسمعون لشكواهم، بأن المقاومة الفلسطينية هي التي جرَّت الكيان الصهيوني إلى هذا الإجراء، وأنها بعملياتها قد حشرته في الزاوية، فما كان أمامه إلا أن يخرج للدفاع عن نفسه، وحماية شعبه.
مسؤولٌ إسرائيليٌ آخرٌ، مشهودٌ له بالكذب، ومعروفٌ بينهم بالتطرُّف، يقول: بأن بعض الأنظمة العربية فرحة لما يجري في قطاع غزة، بل إنها تحبس أنفاسها، وتنتظر بفارغ الصبر إنهيار حركة حماس، وتفكّك قوتها، وانتهاء عصرها، وأفول نجمها، وقد أعياهم تفكيكها، فلا سبيل لإسقاطها بغير القوة، فقد أرهقهم وجودها، وأتعبهم صمودها، وأحرجهم ثباتها، وأزعجهم انتماؤها، فكان رحيلها هو الخيار الأفضل، والحل الأمثل.
الإسرائيليون أعداؤنا، يكذبون ولا يصدقون، ويكرهوننا ولا يُحبُّون، ولكنهم يقولون أحيانًا ما لا يقوى غيرهم على قوله، أو يسقط من بين كلماتهم ما يفضح، ويُبيِّن من ثنايا حديثهم ما يكشف، فلا يوجد من الأنظمة العربية اليوم من يقف إلى جوارنا، وينتصِر لنا، ويستعد للدفاع عَنَّا، أو يعمل لوقف العدوان الإسرائيلي علينا، فهم إما صامتون أو يتآمرون، وساكتون أو يتعاونون، وعاجزون أو يدعمون، وفرحون أو يشمتون..!
- التصنيف: