الحث على صيام ستٍّ من شوال

منذ 2014-07-29

هل انقضت الأعمال الصالحة بانقضاء رمضان؟ هل انقضى الصيام والقيام والطاعات؟ لئن انقضى شهر الصيام وهو موسم عمل فإن زمن العمل لم ينقطع، ولئن انقضى صيام رمضان فإن الصيام لا يزال مشروعاً ولله الحمد.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، بعَثَه الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلَّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح أمَّته وجاهَدَ في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان.

أما بعد:

أيها الناس، فقد كنّا نرتقب مجيء شهر رمضان، فجاء شهر ر?ضان ثم خلفناه وراء ظهورنا، وهكذا كل مستقبلٍ للمرء يرتقبه ثم يَمُرُّ به ويُخلّفه وراءه حتى يأتيه الموت.

لقد حلّ بكم شهر رمضان ضيفاً كريماً فأودعتموه ما شاء الله من الأعمال ثم فارقكم شاهدًا لكم أو عليكم بِما أودعتموه، لقد فرح قومٌ بفراقه؛ لأنهم تخلّصوا منه، تخلّصوا من الصيام والعبادات التي كانت ثقيلةً عليهم، وفرح قومٌ بتمامه؛ لأنهم تخلّصوا به من الذنوب والآثام بِما قاموا به فيه من عملٍ صالح استحقّوا به وعدَ الله بالمغفرة، والفرق بين الفَرَحَين فرقٌ عظيم. إنَّ علامة الفَرِحين بفراقه أن يعاودوا المعاصي بعده فيتهاونوا بالواجبات ويتجرؤوا على المحرّمات وتظهر آثار ذلك في المجتمع فيقِلّ المصلّون في المساجد وينقصوا نقصاً ملحوظاً: "ومَن ضيّع صلاته فهو لِمَا سواها أضيع" [مالك في (الموطأ): في كتاب "وقوت الصلاة" رقم (5)].

لقد شاهد الناس قلّة المصلّين بعد خروج رمضان وهذا أمر يؤسف له، فبئس القوم قوماً لا يعرفون الله إلا في رمضان .

أيها المسلمون:

إن المعاصي بعد الطاعات ربما تُحيط بها فلا يكون للعامل سوى التعب، قال بعضهم: "ثواب الحسنة الحسنةُ بعدها، فمَن عمِل حسنةً ثم أتبعها بحسنة كان ذلك علامةً على قبول الحسنة الأولى، كما أنَّ مَن عمِل حسنةً ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة على ردّ الحسنة وعدم قبولها" (المقولة في كتاب (لطائف المعارف) الجزء (1) الصفحة (244))، هكذا قال بعض أهل العلم، ولعلّهم يستنبطون ذلك من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17].

أيها الناس:

إن عمل المؤمن لا ينقضي بانقضاء مواسم العمل؛ إن عمل المؤمن عملٌ دائبٌ لا ينقضي إلا بالموت كما قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

أيها المسلمون:

هل انقضت الأعمال الصالحة بانقضاء رمضان؟ هل انقضى الصيام والقيام والطاعات؟ لئن انقضى شهر الصيام وهو موسم عمل فإن زمن العمل لم ينقطع، ولئن انقضى صيام رمضان فإن الصيام لا يزال مشروعاً ولله الحمد، «فمَن صام رمضان وأتبعه بستة أيامٍ من شوال كان كصيام الدهر» [مسلم: كتاب الصيام(1984)]، وقد سنّ النبي صلى الله عليه وسلم صيام الإثنين والخميس وقال: «إن الأعمال تُعرض فيهما على الله» [الترمذي: في "كتاب الصيام" رقم (678)]، "وَأوصى صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا ذَرّ وأبا الدرداء رضي الله عنهم، أوصاهم بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر" [البخاري (في كتاب الصوم): رقم (1845)، مسلم: باب صلاة المسافرين وقصرها: (1182)، ومن حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه(1183)، وأخرجه النسائي في كتاب الصيام: (2362)]، وقال صلى الله عليه وسلم: «صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صوم الدهر كلّه» [البخاري: كتاب الصوم: (1840)، ومسلم: كتاب الصيام (1962) وَ (1976)]، وحثَّ على العمل الصالح في عشر ذي الحجة ومنه الصيام، و رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم "أنه كان لا يدع صيامها" [النسائي في "كتاب الصيام" : (2332)]، وقال في صوم يوم عرفة: «يكفّر سنتين ماضية ومستقبلة» [مسلم  في كتاب: الصيام (1977)، أحمد (21496)]، يعني: لغير الحاج فأما الحاج فلا يصوم بعرفة، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضلُ الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم» [مسلم  في كتاب: الصيام: (1982)]، وقال في صوم يوم العاشر منه: «يُكفّر سنةً ماضية» [أحمد (21496)]، وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في شهرٍ -تعني: تطوّعاً- ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كلّه" [البخاري في كتاب: الصوم (1833)، مسلم في كتاب: الصيام: (1956)] .

هذه، أيها المسلمون، أوقاتٌ فيها الصيام مفضول على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولئن انقضى قيام رمضان فإن القيام لا يزال مشروعًا كل ليلةٍ من ليالي السنة، حثّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه ورغّب فيه وقال: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاةُ في جوف الليل» [مسلم في "كتاب الصيام": رقم (1983)]، وصَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم «أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلثُ الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يسألني فأعطيه، مَن يستغفرني فأغفر له» [البخاري في "كتاب الجمعة": رقم (1077)، مسلم في "كتاب صلاة المسافرين وقصرها": رقم (1261)].

فاتَّقوا الله -عباد الله- وبادروا أعماركم بأعمالكم، وحقِّقوا أقوالكم بأفعالكم؛ فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله، «وإن الكيِّس مَن دَانَ نفسه -أي: حاسَبَها- وعمِلَ لِمَا بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني» [الترمذي في (كتاب صفة القيامة والرقائق والورع):رقم (2383)، ابن ماجة في (كتاب الزهد): رقم (4250)].

أيها المسلمون:

لقد يسَّر الله لكم سُبل الخيرات وفتح أبوابها، ودعاكم لدخولها وبيّن لكم ثوابها، فهذه الصلوات الخمس آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، «هي خمسٌ في الفعل وخمسون في الميزان» [البخاري في كتاب (التوحيد): باب قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، رقم (6963)، مسلم  في (كتاب الإيمان): رقم (234)]، مَن أقامها كانت كفّارةً له ونجاةً يوم القيامة، شرَعَها الله لكم وأوجبها عليكم وأكملها بالرواتب التابعة لها؛ والرواتب التابعة للمكتوبات «اثنتا عشرة ركعة: أربعٌ قبل الظهر بسلامَيْن وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، مَن صلاهنّ بنى الله له بيتًا في الجنة» [مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها) رقم (1199)، الترمذي  في (كتاب الصلاة): رقم (380)]، ومَن فاتَتْه الراتبة التي قبل الصلاة فلْيقضها بعد الصلاة.

وهذا الوتر سنّة مؤكّدة سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن خاف ألا يقوم من آخر الليل فلْيوتر أوَّله، ومَن طمع أن يقوم آخره فلْيوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل» [مسلم  في كتاب (صلاة المسافرين وقصرها): رقم (1255)]، فهو سنَّةٌ مؤكَّدة لا ينبغي للإنسان تركه حتى قال بعض أهل العلم: "إن الوتر واجبٌ يأثم بتركه"، وقال الإمام أحمد بن حنبلٍ رحمه الله: "مَن ترك الوتر فهو رجل سوءٍ لا ينبغي أن تُقبَل له شهادة" [المقولة التي ذكرها ابن قدامة المقدسي  في كتابه (المغني) في الفقه الحنبلي، الجزء (1) الصفحة (827)]، وأقَلُّ الوتر ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة ووقته من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر [مسلم في كتاب (صلاة المسافرين وقصرها): رقم (1216)] ومَن فاته في الليل قضاه في النهار شفعاً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاثٍ فنسِيَهُ في الليل أو نامَ عنه صلاة في النهار أربع ركعات، ومَن كان من عادته أن يوتر بخمس صلاة في النهار ستاً وهكذا.

ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا غَلَبه نومٌ أو وجعٌ عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة" [مسلم في (كتاب صلاة المس?فرين وقصرها) رقم (1234)].

وهذه الأذكار خلف الصلوات المكتوبة، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم من الصلات استغفر ثلاثاً وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» [مسلم  في (كتاب المساجد ومواضع الصلاة): (931)]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن سبّح الله دبرَ كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحَمِد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» [مسلم في (كتاب المساجد ومواضع الصلاة) رقم (939)].

وهذا الوضوء «مَن توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال: أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» [الترمذي في (كتاب الطهارة): رقم (50)].

وهذه النفقات الماليّة من الزكوات والصدقات والمصروفات على الأهل والأولاد حتى على نفس الإنسان ما من مؤمنٍ يُنفق نفقةً يبتغي بها وجه الله إلا أُثيب عليها [البخاري في كتاب (المناقب) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم ومرثيته مَن مات بمكة منهم» (3643)، مسلم في (كتاب الوصية) رقم (3076)]، وإن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها [مسلم في كتاب (الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار): رقم (4915)]، والساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر [البخاري  في (كتاب الأدب): رقم (5548)، مسلم في (كتاب الزهد والرقائق): رقم (5295)]، والساعي على الأرملة والمساكين هو: الذي يسعى بطلب رزقهم ويقوم بحاجتهم، وعائلتك الصغار والضعفاء الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم من المساكين، فالسعي عليهم كالجهاد في سبيل الله أو كالصيام الدائم والقيام المستمر .

فيا عباد الله، إن طرق الخير كثيرة فأين السالكون؟ وإن أبوابها لمفتوحة فأين الداخلون؟ وإن الحق لواضحٌ لا يزيغ عنه إلا الهالكون، فخذوا -عباد الله- من كل طاعةٍ بنصيب، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77].

واعلموا أنكم مفتقرون لعبادة ال?ه في كل وقت وحين، ليست العبادة في رمضان فقط؛ لأنكم تعبدون الله وهو حي لا يموت، ليست العبادة في وقت محدّد من أعماركم؛ لأنكم في حاجة إليها على الدوام وسوف يأتي اليوم الذي يتمنّى الواحد زيادة ركعة أو تسبيحة في حسناته ونقص سيئة أو خطيئة في سيئاته، يقول الله عزَّ وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99-100].

اللهم وفِّقنا لاغتنام الأوقات وعمارتها بالأعمال الصالحات، اللهم ارزقنا اجتناب الخطايا والسيئات، اللهم طهِّرنا منها بِمَنِّك وكرمك؛ إنك واسع الهبات. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ. اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيّته وربوبيّته وسلطانه، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله الذي أيَّده الله ببرهانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس:

اتّقوا الله تعالى واعلموا أن الله قد حدَّ حدوداً فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تضيّعوها، وإن مِمّا حدّه الله تعالى وشرعه لعباده: أنه إذا ثبتت رؤية الهلال بشهادة عدْلَين موثوقَيْن ببصرهما ونظرهما فإنه يجب على المسلمين أن يفطروا ولا عبرةَ بمنازل القمر، ولقد كان عند بعض الناس شكٌّ في هذا العام؛ حيث إن الهلال لم يُرَ في الليلة الثانية ولم يَرَه إلا أقلّ القليل في الليلة الثالثة إن كانوا قد رأوه، صار عند الناس شكّ في دخول شهر شوال ولكن المؤمنُ ينقاد لأمر الله تعالى الشرعي حتى وإن كانت الظواهر الأفقيّة تدل على خلافه؛ وذلك لأننا نحن متعبّدون بشرع الله عزَّ وجل، فإذا شرع الله لعباده شيئًا فإن الواجب عليهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا} [الأحزاب:36]، وما موقف المسلمين يوم القيامة إذا شهد شاهدان أو أكثر على رؤية الهلال ثم قيل للناس: "لا تعتبروا هذه الرؤية؛ لأننا قد رأيناه في صباح اليوم"، ما موقف الناس من الله عزَّ وجل يوم القيامة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر حين نراه فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» [سبق تخريجه في الحديث الأول]؛ ولهذا فإن نفس المؤمن تطيب بِما يقتضيه شرع الله وإن خالف في ظاهره الظواهر الأفقيّة؛ لأننا نحن نقول سمعنا وأطعنا فلا يكن في قلوبكم شك أو ريب من هذا الأمر؛ فإن الأمر والحمد لله ظاهر تطمئن إليه النفس؛ لأننا إنّما فعلنا ذلك بمقتضى شريعة الله.

فنسأل الله تعالى أن يوفّق المسلمين لِمَا فيه الخير والصلاح والاطمئنان إلى شريعة الله عزَّ وجل.

واعلموا -أيها المسلمون- أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ في دين الله بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] .

فأكْثروا -أيها المؤمنون- من الصلاة والسلام على نبيّكم محمد صلى الله عليه وسلم، تمتثلون في ذلك أمر الله تعالى بالصلاة والسلام عليه وتنالون بذلك أجراً كثيراً؛ فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن مَن صلى عليه مرّة واحدة صلى الله عليه بها عشراً» [أبو داوود في سننه في كتاب (الصلاة): رقم ([959)، أحمد (12985)،  النسائي في كتاب (صلاة العيدين): (1538)].

اللهم صلِّ وسلّم وبارِك على عبدك ونبيّك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصدّيقين، والشهداء والصالحين .

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ أولاده الذكور والإناث وعن زوجاته أمهات المؤمنين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنَّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصْلحت أحوالهم يا رب العالمين.

اللهم أصْلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصْلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصْلح للمسلمين ولاة أمورهم صغيرهم وكبيرهم يا رب العالمين. اللهم هيئ لولاة المسلمين بطانة صالحة تدلّهم على الخير وتحثّهم عليه وأبْعد عنهم كل بطانة سوءٍ يا رب العالمين. اللهم أصْلح ولاة أمورنا ورعيّتنا شبابههم وكهولهم وشيوخهم ذكورهم وإناثهم يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تتقبّل منّا صيام شهر رمضان وقيامه وأن تُعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية ونحن نتمتّع بالصحة والعافية والإيمان والأمن والاستقرار وقوّة العقيدة والعمل الصالح يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك توبة نصوحًا تمحو بها ما سلف منّا، ونسألك الإنابة إليك والرجوع لدينك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك الثبات على دينك وأن لا تُزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] .

عباد الله:

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزِدْكُم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

المصدر: موقع الشيخ ابن العثيمين

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 14
  • 3
  • 29,181

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً