غزة تحت النار - (37) الورقة المصرية استنساخ لاتفاق الهدنة!
كأن التاريخ يُعيد نفسه من جديد، على الأرض نفسها، وللأسباب ذاتها، وبين الفرقاء والأطراف أنفسهم، وبنفس الوسطاء الدوليين، وتحت مِظلَّة الأمم المتحدة مرةً أخرى، وبرعاية ومباركة أمينها العام، لكنه يُعيد نفسه بصورةٍ أقسى وأشد، وأكثر إيلامًا وأبلغ وجعًا، إذ فيه استخفافٌ بالفلسطينيين واستفرادٌ بهم، وتخلي عنهم، ومحاولة لخديعتهم والتغرير بهم، وجرهم إلى اتفاقٍ مُذل، ومعاهدة مخزية، تُضيِّع الحقوق، وتُفرِّط في التضحيات، وتُثبِت وقائع جديدة، وكأن العرب لا يتعلَّمون من ماضيهم، ولا يقرأون تاريخهم، ولا يستفيدون من خيباتهم، ولا يعون الدروس التي مرُّوا بها وآباؤهم، فيقعون في ذات الأخطاء، ويسقطون في نفس المزالق..!
كأن التاريخ يُعيد نفسه من جديد، على الأرض نفسها، وللأسباب ذاتها، وبين الفرقاء والأطراف أنفسهم، وبنفس الوسطاء الدوليين، وتحت مِظلَّة الأمم المتحدة مرةً أخرى، وبرعاية ومباركة أمينها العام، لكنه يُعيد نفسه بصورةٍ أقسى وأشد، وأكثر إيلامًا وأبلغ وجعًا، إذ فيه استخفافٌ بالفلسطينيين واستفرادٌ بهم، وتخلي عنهم، ومحاولة لخديعتهم والتغرير بهم، وجرهم إلى اتفاقٍ مُذل، ومعاهدة مخزية، تُضيِّع الحقوق، وتُفرِّط في التضحيات، وتُثبِت وقائع جديدة، وكأن العرب لا يتعلَّمون من ماضيهم، ولا يقرأون تاريخهم، ولا يستفيدون من خيباتهم، ولا يعون الدروس التي مرُّوا بها وآباؤهم، فيقعون في ذات الأخطاء، ويسقطون في نفس المزالق..!
في العام 1948م؛ وبعد أن احتلت العصابات الصهيونية مساحاتٍ كبيرة من أرض فلسطين التاريخية، وسيطرت عليها بقوة السلاح، وطردت مئات آلاف الفلسطينيين من أرضهم وبلداتهم، واستولت على مساكنهم وبيوتهم، وحلَّت فيها مكانهم، كانت الجهود الدولية كلها مُنصبَّة باتجاه وقف إطلاق النار فقط، وتأمين القوات العسكرية الصهيونية، التي كانت تحتاج إلى الهدنة لتثبيت نفسها، دون المطالبة بخروجها من البلدات التي احتلتها، وتخليها عما استولت عليه من أراضٍ بقوة السلاح.
كانت المفاوضات تجري بين العصابات الصهيونية والدول العربية بواسطة الأمم المتحدة، لكنها كانت برغبةٍ إسرائيلية، لحاجتها إلى التهدئة، وأهميتها بالنسبة لها في ذلك الوقت، لتثبيت وقفٍ فوري لإطلاق النار، على أن يتبعه مفاوضات مفتوحة بين الطرفين، للتفاهم على الأوضاع المستجدة، والتوصل إلى حلولٍ مشتركة.
لم تكن هناك نقاط متفق عليها للحوار، ولم تفرض شروط مسبقة كعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل مايو/آيار من العام 1948م، ولم تكن هناك آلية لعودة مئات آلاف اللاجئين إلى بيوتهم وقُراهم، بل ركَّزت المفاوضات على الحِفاظ على الأوضاع الراهنة المستجدة، والتي تعني اقتطاع 70% من أرض فلسطين التاريخية، وإبقاءها تحت السيادة الإسرائيلية، إلى حين إجراء مفاوضات بين الفرقاء لتحديد الصورة المستقبلية والدائمة للأرض والسكان، وتركت هذه القضايا الأساسية للضمير الدولي والنوايا الإسرائيلية، التي كانت مبيتةً ومحسومةً لدى الطرفين معًا، بأنه لا عودة إلى الوراء، ولا تراجع عن المكتسبات.
وهكذا كانت الهدنة الأممية الأولى التي أنهت الحرب، وأوقفت إطلاق النار، وفرَّقت العرب إلى اتفاقياتٍ مستقلة، في رودس ورأس الناقورة، الخطوة الأولى نحو تأسيس الكيان الصهيوني، وتكريس واقع الاغتصاب، إذ أصبحت الهدنة الطويلة الأمد هي الأساس، واعتبرت أي محاولة لاستعادة الحقوق، والعودة إلى الأرض، وإعادة السكان، بمثابة خرق لاتفاق إطلاق النار، وتهديد للهدنة القائمة بين الفريقين، وبدلًا من أن تقوم الأمم المتحدة بضمان استعادة العرب لحقوقهم، قامت برعاية اتفاقيات ضمان منع الاعتداء العربي على دولة الكيان الصهيوني الجديدة، وما زال العرب إلى الآن يحتكمون إلى اتفاقيات الهدنة، التي أصبحت القاعدة القانونية والمرجعية الدولية لأي خلافٍ أو نزاعٍ بين الطرفين.
إنه الحال نفسه يتكرَّر، فالعدو الصهيوني يريد وقفًا لإطلاق النار، وإنهاءً لحالة الحرب القائمة، وِفق هدنةٍ طويلة، ترعاها الأمم المتحدة، على أساس نزع سلاح المقاومة، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، ليأمن العدو الصهيوني هذه الجبهة، ويتفرَّغ للعمل الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، ويبدو أن الأنظمة العربية التي وافقت على الهدنة القديمة، وفرضتها على جيوشها بالقوة، هي نفسها اليوم التي تريد أن تفرِض الهدنة الجديدة، بالشروط الإسرائيلية، والضمانات والكفالات الدولية التي كانت، والتي أشرفت على رعاية تأسيس الكيان وضمان استمراره آمنًا مطمئنًا.
لا أدعي أن الفلسطينيين في قطاع غزة، أنهم ليسوا في حاجةٍ إلى تهدئة تُعيدهم إلى الحياة، وتُمكِّنهم من التقاط أنفاسهم، وأخذ قسطٍ من الراحة لنفوسهم وأجسادهم، التي أنهكتها الحرب، ومزَّقتها القذائف، وهدنةٍ تُمكِّنهم من استعادة بناء ما دمَّره العدوان، بل هم في حاجةٍ ماسةٍ لها، ليستجمُّوا عن عناء الحرب المتواصلة، وليتفرَّغوا لدفن شهدائهم، وتضميد جراحهم، وإزاحة الركام وإبعاد الردم الذي ملأ شوارعهم، بعد أن دمَّر بيوتهم ومساكنهم ومساجدهم، ليباشروا حياتهم المجهَدة من جديد، ومواصلة عملهم المعدوم مرةً أخرى.
لكن الفلسطينيين الذين كوتهم الهدنة الأولى، ودمَّرت حلمهم القديم في دولتهم ووطنهم، لا يريدون أن تكون الهدنة الجديدة على حسابهم، ولا أن تكون التهدئة لصالح عدوهم، إذ لا يقبل عاقلٌ أن يتوقف عن مقاومة من قتل أهله، ودمَّر بيته، واعتقل إخوانه، في الوقت الذي يتهيأ فيه لمعركةٍ أخرى، يُكرِّر فيها ذات الجرائم، ضد نفس السكان والمناطق.
فحتى تكون التهدئة منطقية ومقبولة، وتكون مخالفة لاتفاقية الهدنة لعام 48، ينبغي أن تُطرح كل الملفات على الطاولة، وأن يتم الحوار حولها مرةً واحدة، وأن تتخذ القرارات المتعلقة بها مسبقًا، ليعرف الفلسطينيون مآل تضحياتهم، ونتيجة صمودهم، وإلا فإن العدو ماكرٌ خبيث، لا يُؤمن جانبه، ولا يَصدق كلامه، ولا ثقة في وعوده وتعهداته، والمجتمع الدولي كاذبٌ ومخادع، لا يَعدل ولا يُنصِف، ولا يُناصِر الحق، ولا يقف مع المظلوم، بل عودتنا سيرته أن يكون دومًا مع العدو الظالم ضد الفلسطينيين وهم الضحية..
وعلى الأنظمة العربية أن تعي ماضيها، وأن تتعلَّم من تاريخها، وأن تكون نصيرةً لأهلها، وعونًا لأُمّتها، لا أن تكون بيد العدو سيفًا يقتُل، وسكينًا تُقطِّع، وخنجرًا يَطعن.
- التصنيف: