تقوى الله (1)
التقوى إذا جاورت القلب صلح القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله وصلحت الأعمال، ثم بعد ذلك تأتي الآثار الطيبة للتقوى التي تسرّ العباد في حياتهم وآخرتهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جعل للمتقين مفازاً حدائقاُ وأعناباً، الحمد لله الذي بفضله اتقى المتقون ربهم، وبفضله ازدلف إلى جنات الكرامة.
الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، نثني على الله بالخير كله، نثني عليه بأسمائه، نثني عليه بصفاته، نثني عليه بتوحده في الربوبية وأن لا رب سواه، ونثني عليه بتوحده في الإلهية وأن لا معبود حق إلا هو، ونثتي عليه بأنه ذو الأسماء الحسنى التي بلغت في الحسن نهايته، ونثني عليه بأنه ذو الصفات العلى التي علت على صفات خلقه.
فالحمد لله الذي أثنى عليه المتقون، أثنى عليه الأنبياء والمرسلون، فرفعهم بذلك الثناء درجات.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف علينا من الدين الغمة، نشهد أنه لا خير إلا دلنا عليه ولا شرّ إلا حذرنا منه، فطوبا لمن قَبِل بشارته، فطوبا لمن قَبِل ببشارته، وطوبى لمن أخذ بالإنذار فعمل لما بعد الموت.
صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى.
أيها المؤمن: إن الله جل جلاله ذكر لنا في كتابه العظيم، ذكرنا لنا في هذا الكتاب العظيم صفات المتقين، وذكر أنه أمر المؤمنين بتقواه؛ بل إنّ الله جل وعلا ذكر لنا أنه وصى جميع الناس بتقوى الله، وصى الذين من قبلنا ووصانا بان نتقِّ الله، وذكر لنا جل وعلا أن جميع المرسلين أوصوا أقوامهم بتقوى الله؛ وذلك لأن التقوى إذا جاورت القلب صلح القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله وصلحت الأعمال، ثم بعد ذلك تأتي الآثار الطيبة للتقوى التي تسرّ العباد في حياتهم وآخرتهم، قال جل وعلا {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ } [النساء:131]، وبيّن جل وعلا هذا المجمل في آيات كثيرة، وبين أن نوحاً عليه السلام أمر قومه بالتقوى، وأن هوداً عليه السلام أمر قومه بالتقوى، وأن صالحاً أمر قومه بالتقوى، وأن لوطاً أمر قومه بالتقوى، وأن شعيباً أكر قومه بالتقوى.
وهكذا نبينا محمد عليه وعلى جميع ألأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والسلام أمر الناس بتقوى الله عز وجل.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:105-108].
{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:123-126].
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:141-144].
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:160-163].
{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:176-179].
وهكذا الناس جميعا أُمروا بتقوى الله عز وجل من قبلنا ومن بعد رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصية الله للأولين والآخرين أن اتقوا الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} [لقمان:33]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].
-----------------------------------------
من خطبة للشيخ بعنوان "تقوى الله"
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، وحاصل على الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
- المصدر: