غزة تحت النار - (48) اليوم الأكثر سخونةً والأشد صعوبة

منذ 2014-08-01

إنه اليوم المُتكرِّر نفسه الذي يعود كل يوم، يحمِل معه ذات الجراح، ويقصف ذات الأماكن، ويطال الأهداف نفسها، ويقتل أبناء العائلات ذاتها، ويُدمِّر ما دمَّره بالأمس ويزيد عليه، ويُخرِّب ما خرَّبه أول أمس ويُعيد قصفه.. مما يدفع المواطنين وغيرهم إلى وصف اليوم بأنه الأشد والأصعب، وأنه الأكثر دمويةً وقتلًا، وأنه الأكثر قصفًا، والأكثف غاراتٍ، ولكنهم عندما يذكرون أن إسرائيل هي عدوهم، وأنها هي التي تقصِفهم، يدركون أن أيامهم معها واحدة، مليئة بالمعاناة والعذاب، وممزوجة بالظلم والقهر، وأنها أيامٌ واحدة تتشابه ولا تختلف، تتفق في دمويتها، وتتشابه في قسوتها، وتلتقي كلها عند عدوٍ واحد، يعرفونه ولا يجهلونه.

في كل يومٍ يطلع علينا الصحفيون والمراسلون والمصورون، والعاملون في الإعلام، والأطباء والمسعفون والمستشفيات، والمراقبون والمتابعون والناطقون الرسميون والخبراء العسكريون، والأهل والجيران والمعارف في قطاع غزة وخارجه، بأن اليوم كان هو الأكثر سخونة، والأشد صعوبةً، والأكثر قصفًا وتدميرًا، وأنه شهِد تصعيدًا خطيرًا، واعتداءاتٍ غير مسبوقة، واستهدف مناطق سكنية ومساجد ومدارس لأول مرة.

ويقولون أن اليوم قد شهِد سقوط عشرات الشهداء في مناطق مُتعدِّدة من القطاع، كما أدَّى القصف إلى إصابة المئات بجراحٍ في أغلبها خطيرة، نُقِلوا جميعًا إلى مستشفيات القطاع الفقيرة، التي تُعاني من نقصٍ في الكادر الطبي والمُعدَّات والأدوية، فضلًا عن انقطاع التيار الكهربائي، وقصف خزانات الوقود والمولدات الكهربائية الخاصة، الأمر الذي أدَّى إلى تعطل الكثير من الأجهزة الإليكترونية، وتوقف الحضانات وغُرف الإنعاش، وتعذَّر إجراء العديد من العمليات الجراحية، فضلًا عن توقف برادات حفظ الموتى.

ويضيفون بأن القصف اليوم تسبَّب في استشهاد وإصابة عددٍ من الصحفيين الذي كانوا يحاولون تغطية الأحداث، ونقل صور المجازر والاعتداءات، رغم أنهم كانوا يضعون شارة الصحافة، التي تبدو على صدورهم وظهورهم بوضوح، ويحملون الكاميرات والسماعات، وهم الذين تحميهم القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية من أي اعتداء، وتدعو القوات العسكرية على أرض المعركة إلى احترام صفاتهم، وتسهيل عملهم، وعدم تعريض حياتهم إلى الخطر.

ويقولون استشهد اليوم أيضًا عددٌ من المسعفين والعاملين في الطواقم الطبية، الذين استشهدوا ومن ينقلون، إذ استهدفتهم الصواريخ والقذائف المدفعية الإسرائيلية، رغم عِلمهم بأنها سياراتٌ صحية، وأنها تحمل مصابين وجرحى، وتقوم بواجبها الإنساني على أرض المعركة، ولا دور لها في العمليات القتالية، ولا تحمل معها أسلحة ولا مُعدَّات قتال، ولا يوجد فيها مقاومون، كما تم استهداف بعضهم أثناء فترات الهدنة الإنسانية المُعلَنة، ووقف إطلاق النار المُتفق عليه، كما تم قصف عددٍ من المستشفيات والمراكز الصحية.

وطالت الغارات الإسرائيلية المواطنين المدنيين اللاجئين إلى مدارس ومؤسسات الأونروا، ومراكز الإيواء المختلفة التي فتحتها، بعد أن نسقت إدارة الأونروا مع سلطات الاحتلال، التي كانت تُعرَف أسماء المدارس ومواقعها، ما يعني أنها كانت تُعرف أنها مراكز إيواء إنسانية، إلا أنها تعمَّدت أن تقصفها أكثر من مرة، ما أدَّى إلى استشهاد العشرات، وإصابة المئات من الأطفال والنساء والشيوخ.

اليوم لم تتوقف الطائرات الحربية الإسرائيلية المقاتلة، والدبابات المحتشِدة على أطراف القطاع، والبوارج البحرية التي تجوب سواحله عن استهداف البيوت الفلسطينية الآهلة بالسكان، فدمَّرت عشرات البيوت والمساكن في كل أنحاء قطاع غزة، ما أدَّى إلى استشهادٍ العديد من سكانها، وهم في أغلبهم أبناء عائلاتٍ واحدة، بينما دُفِن بعضهم تحت الردم والركام الذي سبَّبه القصف، كما استهدفت المساجد في أوقاتٍ مختلفة، الأمر الذي أدَّى إلى مضاعفة عدد الشهداء والجرحى، فضلًا عن تدمير المساجد المستهدفة تدميرًا كليًا.

وفي ساعات المساء استهدفت قوات العدو الصهيوني سُوقًا وسط المدينة أو المخيم، أو تجمُّعًا للسكان في أحد الأحياء، ما أدَّى إلى وقوع مجزرة كبيرة، راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي في هذا اليوم.

هذا هو التقرير اليومي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ خمسة وعشرين يومًا، لم يتغير في شيء ولم يتبدَّل، اللهم إلا في عدد الشهداء والجرحى، أقل أو أكثر من اليوم الذي سبقه، أو في أسماء المناطق المستهدفة بالقصف، وهي مناطق لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، ولكنها تتبادل الأدوار، وتتناوب على المِحنة والابتلاء، فما إن يهدأ القصف عنها حتى يعود إليها، أو يعود إلى غيرها.

فقد استهدف العدو الصهيوني حي الشجاعية شرق القطاع، وحي الزيتون وسط شرق المدينة، ومخيم الشاطئ وسط غرب المدينة، وبلدات خانيونس المختلفة، وإن كانت خزاعة هي أكثر البلدات استهدافًا، وطالت الغارات الإسرائيلية شرق مخيم جباليا وغربه، كما قصفت وسط المخيم المكتظ بالسكان، وامتد القصف ليشمل بيت لاهيا والعطارة والسيفا وبيت حانون، وطال مخيم الشابورة وحي تل السلطان وجحر الديك والشريط الحدودي مع مصر في مدينة رفح، وطال القصف كل المخيمات الوسطى في البريج والنصيرات ودير البلح، وكل شبرٍ مسكونٍ ومهجورٍ في قطاع غزة.

إنه اليوم المُتكرِّر نفسه الذي يعود كل يوم، يحمِل معه ذات الجراح، ويقصف ذات الأماكن، ويطال الأهداف نفسها، ويقتل أبناء العائلات ذاتها، ويُدمِّر ما دمَّره بالأمس ويزيد عليه، ويُخرِّب ما خرَّبه أول أمس ويُعيد قصفه..

مما يدفع المواطنين وغيرهم إلى وصف اليوم بأنه الأشد والأصعب، وأنه الأكثر دمويةً وقتلًا، وأنه الأكثر قصفًا، والأكثف غاراتٍ، ولكنهم عندما يذكرون أن إسرائيل هي عدوهم، وأنها هي التي تقصِفهم، يدركون أن أيامهم معها واحدة، مليئة بالمعاناة والعذاب، وممزوجة بالظلم والقهر، وأنها أيامٌ واحدة تتشابه ولا تختلف، تتفق في دمويتها، وتتشابه في قسوتها، وتلتقي كلها عند عدوٍ واحد، يعرفونه ولا يجهلونه.  

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 1
  • 0
  • 3,051
المقال السابق
(47) تضامنٌ غربي وجحودٌ عربي
المقال التالي
(49) الشركاء في العدوان على غزة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً