أبواب القلب (1)
استخدامُ اللسانِ في ذكر الله، وقراءة القرآن، والصلاة على الحبيب المصطفى، والدعوة إلى الله، والكلمات الطيبة التي تبني لا تهدم، وما أجمل أن يعودّ الإنسان لسانه الجميل، لين القول، فإذا ما تكلم لم يقل إلا خيراً. إن الكلمة شأنها عظيم وخطرها جسيم، ولم لا؟ فبكلمة يدخلُ المرءُ في دينِ الله، حين يشهدُ أن لا اله إلا الله وبكلمة يخرج من دين الله، حين يقول كلمة الكفر، وبكلمة يُنال رضوان الله، وبكلمة يُستَحق سخط الله، وبكلمة تحل له امرأة، وبكلمة تحرم عليه..
بسم الله الرحمن الرحيم
عجباً للناسِ يبكونَ عَلى مَنْ مَاتَ جسدُه، ولا يبكون ممن مَاتَ قَلبُهُ. عجباً ممن يَهتمُ بوجهِه الذي هو نظر الخَلْق فيغسله وينظفه من القَذرِ والدنَس ويُزينه بما أمكن لئلا يطَّلع فيه مخلوق على عَيب، ولا يَهتم بقلبِه الذي هو محل نظرِ رب العالمين، هذه المضغَة التي جَعلَ المصطفى صلاحُهَا مِفتاح صلاح الجسدِ كُلِهِ، كما صَحَّ في ذلكَ عَن النبي صلى الله عليه وسلم، وهِي مَوطِن التقلُب والتحول والتبدُل، ولذلكَ كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (صحيح، مسند أحمد (6/302)، سنن الترمذي (3522) وقال: حديث حسن). قال بعض الحكماء: "مَثلُ القلبِ مَثلُ بيتٍ له سِتة أبوابٍ، ثم قيل لك: احذر أن يُدخل عليك مِن أحدِ الأبوابِ شيء، فيُفسِدَ عَليكَ البيتَ، فالقلبُ هو البيتُ، والأبوابُ: اللسانُ، والبصرُ، والسمعُ، والشمُ، واليدانِ، والرجلانِ، فمتى انفتَحَ بابٌ مِن هَذهِ الأبوابِ بغيرِ علمٍ ضَاعَ البيتُ!
الباب الأول: اللسان؛ وهو أخطرُ هذهِ الأبوابِ؛ بل أكثرُ خطايا ابن ادم من هذهِ المضغةِ، ولا يَستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه، والغيبةُ والنميمةُ والكذبُ وقولُ الزورِ والسبابِ واللعنِ والغناءِ الحرامِ؛ كلُ هذهِ الآفاتِ وغيرِها مصدرُها اللسانِ. كلمةٌ ترفعُكَ إلى أعَلى عِليين، وكلمةٌ تُنزِلُكَ إلى أسفلِ سَافلين. بعضُ الكلماتِ نورٌ وبَعضُها قبورٌ. كلمةٌ واحدةٌ دون أن تشعرْ تُودِي بصاحِبها إلى الهلاكِ، إن الكلمةَ يشتدُ خُبثها ويَعظُم وِزر الكذبِ فيها إذا اتسعَ نطاقُ ضررِها، فالصُحفي الذي ينشرُ على الملأِ خبراً باطلاً، والسياسيُ الذي يخدعُ الناسَ في القضايا الكُبرى، والمُغرِضُ الذي يسوقُ التهمَ في الكبراءِ والمصلحين، والمدّاحُ الذي يتخذُ منَ المدائحِ الفارغةِ بضاعةً يتملقُ بها الأكابر، ويكيلُ الثناء للوجهاءِ، ويهرِفُ بما لا يعرِف، فيصفُ الجبانَ بالشجاعةِ، والظالمَ بالعدالةِ، والبخيلَ بالكرمِ، كل أولئك يرتكبون جرائم عظيمة، ويجرون على عواقب وخيمة، وفي خبر البخاري رحمه الله عن النبي فيما حدث به مما رآه من أنواع عذاب أهل النار فكان مما قال: «أما الذي رأيته يشق شدقه في النار، فكذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به ذلك إلى يوم القيامة» (رواه البخاري). نعم كلمة واحدة، فرُبَّ حتوفٍ في حروفٍ، وكم من إنسانٍ أهلكهُ لِسان، وكم من كلمةٍ صرخت في وجه صاحبها: لا تقُلني، وما أجمل قول يحيى بن معاذ: "القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها ومغارفها ألسنتها، فانتظر الرجل حتى يتكلم، فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض وعذب وأجاج؛ يُخبرك عن طعم قلبه".
الحراسة: استخدامُ اللسانِ في ذكر الله، وقراءة القرآن، والصلاة على الحبيب المصطفى، والدعوة إلى الله، والكلمات الطيبة التي تبني لا تهدم، وما أجمل أن يعودّ الإنسان لسانه الجميل، لين القول، فإذا ما تكلم لم يقل إلا خيراً. إن الكلمة شأنها عظيم وخطرها جسيم، ولم لا؟ فبكلمة يدخلُ المرءُ في دينِ الله، حين يشهدُ أن لا اله إلا الله وبكلمة يخرج من دين الله، حين يقول كلمة الكفر، وبكلمة يُنال رضوان الله، وبكلمة يُستَحق سخط الله، وبكلمة تحل له امرأة، وبكلمة تحرم عليه، وبكلمة يُسعِد حزين أو يحزن سعيد، وبكلمة قد يذبح شريف أو ترمى عفيفة، وبكلمة قد يتمزق شمل ويتصدع صرح ويتفرق أحبة، وبكلمة تستيقظ العواطف النبيلة والضمائر الحية، وبكلمة قد تسيل بِرك من الدماء وتنمو الأحقاد والشحناء، وبكلمة تبكي العيون، وتلين الجلود، وتخشع القلوب، وتنشرح الصدور، وتعلو الهمم، والكلمة إذا كانت صادقة فهي كلمة باقية مثمرة، فكم من كلمة ولدت حية وبقيت فيها الحياة بحياة أصحابها، بل وبعد مماتهم، وتأمل طويلا هذا المثل القرآني الفريد لهذه الكلمة الصادقة الطيبة في قول الحق سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 24، 25].
الكلمةُ الطيبةُ: كشجرةٍ طيبةٍ، جذورها عميقة، وفروعها باسقة، ومثمرة دائمة الخير والعطاء، تؤتي ثمارها في كل حين، نظيفةُ الثمرِ، حُلوةُ الطعمِ، طيبةُ الرائحةِ، جميلةُ اللونِ، بعكسِ الكلمة الخبيثة التي لا أصل لها ولا قرار، سيئةُ الثمارِ، مرة الطعمِ، كريهة الرائحة، وبهذا يتضح الفرق بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة في آثارهما على الفرد والمجتمع.
الكلمة الطيبة صدقة، الكلمة الطيبة: تثري المال وتنمي الرزق وتصل الرحم وتطيل في العمر.
الكلمة الطيبة: دواء رباني لامتصاص الغضب والحقد من قلوب الآخرين.
الكلمة الطيبة: تطمس ملفات الماضي، وتفتح ملفا جديدا عنوانه الحب والخلق الفاضل.
الكلمة الطيبة: كالبلسم الشافي على قلوب الآخرين.
الكلمة الطيبة: عند خروجها لا تحتاج إلى تأشيرة سفر ولا دفع مبالغ لتصل إلى القلوب.
الكلمة الطيبة: تضمد الجرح وهي لمسة رائعة.
الكلمة الطيبة: تغير ألوان الحياة، فهذه الكلمة متى ما انتشرت بين القلوب المؤمنة فقد ألفتها.
جعلنا وإياكم من أصحاب الكلمة الطيبة.
وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أمير بن محمد المدري
- التصنيف:
- المصدر: