الأحكام السلطانية للماوردي - (54) زكاة المعادن (6)

منذ 2014-09-24

وَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَهِيَ مِنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.

فَصْلٌ: "زكاة المعادن" (6)

 

وَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَهِيَ مِنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا، فَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي كُلِّ مَا يَنْطَبِعُ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ، وَأَسْقَطَهَا عَمَّا لَا يَنْطَبِعُ مِنْ مَائِعٍ وَحَجَرٍ؛ وَأَوْجَبَهَا أَبُو يُوسُفَ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا حُلِيًّا كَالْجَوَاهِرِ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِي مَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ خَاصَّةً إذَا بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ نِصَابًا، فَفِي قَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ زَكَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: رُبُعُ الْعُشْرِ كَالْمُقْتَنَى مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْخُمْسُ كَالرِّكَازِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ حَالُهُ، فَإِنْ كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ فَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَإِنْ قَلَّتْ مُؤْنَتُهُ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهَا فَائِدَةٌ تُزَكَّى لِوَقْتِهَا[1].

أَمَّا الرِّكَازُ: فَهُوَ كُلُّ مَالٍ وُجِدَ مَدْفُونًا مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي مَوَاتٍ أَوْ طَرِيقٍ سَابِلٍ، يَكُونُ لِوَاجِدِهِ، وَعَلَيْهِ خُمُسُهُ يُصْرَفُ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»[2] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَاجِدُ الرِّكَازِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إظْهَارِهِ وَبَيْنَ إخْفَائِهِ، وَالْإِمَامُ إذَا ظَهَرَ لَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْخُمُسِ أَوْ تَرْكِهِ، وَمَا وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ لَا حَقَّ فِيهِ لِوَاجِدِهِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى مَالِكِهِ، إلَّا مَا يَجِبُ مِنْ زَكَاةٍ إنْ يَكُنْ قَدْ أَدَّاهَا عَنْهُ، وَمَا وُجِدَ

مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ مَدْفُونًا أَوْ غَيْرَ مَدْفُونٍ، فَهُوَ لُقَطَةٌ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا حَوْلًا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَلِلْوَاجِدِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مَضْمُونَةً فِي ذِمَّتِهِ لِمَالِكِهَا إذَا ظَهَرَ.
__________
(1) قال ابن الجوزي: الواجب في المعدن ربع العشر، وقال أبو حنيفة: الخمس، وعن الشافعي كالمذهبين، وعنه أنَّه إن أصاب المال مجتمعًا ففيه الخمس، وإن كان متفرقًا فربع العشر. وعن مالك كقولنا، وعنه كقول الآخر للشافعي، لنا ما روى مالك عن ربيعة واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية، وأخذ منه زكاتها، والزكاة لا تكون خمسًا بحال، فإن قيل: قوله واحد يقتضي الإرسال، قلنا: ربيعة قد لقي الصحابة والجهل بالصحابي لا يضر، ولا يقال: هذا مرسل، ثم قد رواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال عن بلال أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منه زكاة المعادن القبلية. قال ربيعة: وهذه المعادن يؤخذ منها الزكاة إلى هذا الوقت، ورواه ثور عن عكرمة عن ابن عباس مثل حديث بلال (التحقيق في أحاديث الخلاف: [2/ 48]).
(2) صحيح: (رواه البخاري في كتاب [1499]، ومسلم في كتاب الحدود [1710]).

 

الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث  القاهرة.
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المصدر: المكتبة الشاملة
  • 2
  • 0
  • 5,535
المقال السابق
(55) عَامِلِ الصَّدَقَةِ (7)
المقال التالي
(56) مصارف الزكاة (8)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً