أمريكا..ذات الإبادة! - الإبادة الجنسية

منذ 2014-12-07

بعد أن أفنت أمريكا الشعوب المستضعفة بوسائل متعددة وكثير منها مبتكر مسجل باسم الغزاة البيض، سعت في صياغة ثقافة من تبقى منهم على الكيفية التي تريدها وتخدم مصالحها، ولم تقف عند هذا الحد، بل استثمرت التطورات العلمية لنشر العقم بين الرجال والنساء، وتقليل الفقراء؛ الذين يستهلكون ولا ينتجون، وهم مادة خصبة للفكر الشيوعي بسبب فقرهم المدقع كما يزعم البيض.

 

بعد أن أفنت أمريكا الشعوب المستضعفة بوسائل متعددة وكثير منها مبتكر مسجل باسم الغزاة البيض، سعت في صياغة ثقافة من تبقى منهم على الكيفية التي تريدها وتخدم مصالحها، ولم تقف عند هذا الحد، بل استثمرت التطورات العلمية لنشر العقم بين الرجال والنساء، وتقليل الفقراء؛ الذين يستهلكون ولا ينتجون، وهم مادة خصبة للفكر الشيوعي بسبب فقرهم المدقع كما يزعم البيض.

هذه الفاجعة موثقة في كتاب بعنوان: أميركا والإبادات الجنسية:400 سنة من الحروب على الفقراء والمستضعفين في الأرض، تأليف: منير العكش، صدرت طبعته الأولى عام (2012م) عن رياض الريس للكتب والنشر، وعدد صفحاته (197) صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمة وستة فصول، ثم ملحق، فهوامش في ستين صفحة تعادل كتاباً مستقلاً، يعقبها المراجع، ثم يتلوها فهرسان للأعلام والأماكن؛ والأماكن كلها تئن من هذا المكر الكبار.

ذكر الباحث العكش في المقدمة أنه قرأ افتتاحية في إحدى الصحف الأمريكية القديمة عن مشروع أمريكي لتعقيم الفقراء؛ يموله برنامج هاريمان-روكيفلر-كارنيغي للتعقيم، وعلة هذا البرنامج تحسين النسل، وحماية المجتمع من ضعفاء العقول؛ باعتبار أن الفقير بلا قدرات عقلية لأنه لم يصبح غنياً!
واستيقظت هذه الافتتاحية في ذاكرة المؤلف حين وقع على وثيقة مكونة من (107) صفحات كتبها د.هنري كيسنجر عام(1974م) إبان عمله مستشاراً للأمن القومي، ووجه نسخاً منها لوزراء الدفاع والزراعة، ولرئيس الاستخبارات المركزية، ولوكيل وزارة الخارجية، ولرئيس موظفي البيت الأبيض، ودوَّن فيها ملاحظة تقضي بسرية هذه الوثيقة، ومنع نشرها دون إذن البيت الأبيض.

وفي السطر الأول من الوثيقة إشارة إلى أنها وضعت بأمر من الرئيس جيرالد فورد، وهي ترسم بدم بارد خطة لقطع نسل نساء(13) دولة في العالم الثالث منها مصر، وتركيا، وباكستان، وذلك في مدة لا تزيد عن ربع قرن. وفي عام(1977م) كُشف النقاب عن تورط جامعتي واشنطن، وجونز هوبكنز في هذا البرنامج الذي استهدف تعقيم ربع نساء العالم القادرات على الإنجاب؛ وعددهن يقدر بخمسمئة وسبعين مليون امرأة، وهي جريمة أغلظ من جرائم الحرب.

وذكر المؤلف أن عملية قطع النسل بدأت قبل كيسنجر ولم تتوقف، بل بلغت أوج سعيرها في عهد الرئيس الحالي الملون باراك أوباما! ويلفت العكش نظر القارئ إلى أنها وجه آخر لثقافة الإبادات التي عاشت عليها فكرة أمريكا المستمدة من فكرة إسرائيل التاريخية، فهم يعاملون الشعوب الأخرى وفق ما نسجه العبرانيون من أساطير عن الكنعانيين، ويعرضون صفحاً عن أي مواثيق إنسانية، أو قوانين أخلاقية، أو مبادئ عقلية؛ لأن الشعوب المنحطة أقل من أن تُعامل بها كما وقر في ثقافة البيض الاستعلائية.
وفي ملاحظات أسفل المقدمة ناشد المؤلف المخلصين في مصر أن يفتحوا تحقيقاً في اتفاقيات النظام البائد مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، ونبه إلى أنه فصل الحواشي في آخر الكتاب؛ وهي بحق كتاب رديف مهم؛ وقد ضمنتها في هذه المقالة داخل الحديث عن كل فصل. ولم يفت على العكش تبرئة العلم من خزايا مستخدميه لأغراض بشعة، وهي مسلَّمة فالعلم النافع سمته السمو؛ وإنما السم الناقع في بعض طرق استخدامه.

تأليه الجشع هو عنوان الفصل الأول، وفي مستهله نقلان صادمان، أحدهما عن دارون إذ يقول:" سيأتي زمان على الأعراق المتحضرة تبيد فيه الأعراقَ الهمجية، وترث منها الأرض حتماً"! ويقول المؤرخ والروائي البريطاني تشارلز كِنغسلي في الثاني: " انتشار الأنكلوسكسون في الأرض توسيع لمملكة الله... وإذا اقتضى الأمر فليكن على جثث الأعراق الضعيفة".

وبانتصار الجشع في جمع الثروة مُنع مئات الآلاف من الأمريكيين في العقود الستة الأولى من القرن العشرين من الإنجاب قسراً وكرهاً بسبب فقرهم أو أصولهم العرقية، وكان الهدف العاجل تعقيم أربعة عشر مليون فقير مستضعف يُعرفون بالمعشار الدنيّ من المجتمع الأمريكي، وذلك بقطع النسل، والحرمان من الزواج، والحجر في المصحات العقلية، مع إشاعة العهر والزنا، ولم يندم البيض على جريمتهم المترافقة مع تاريخهم الدموي؛ بل أوجدوا لها المسوغات العرقية، والاقتصادية، والاجتماعية، كما نقلها عالم الاجتماع الأمريكي هربرت غانس في كتابه" الحرب على الفقر".

ويسمي المؤلف هذه العملية النجسة حرب القفازات الناعمة البيضاء في أيدي الجراحين، وكان المراهقون والمراهقات يسلمون أنفسهم لمباضع الجراحين كي يدمروا قدراتهم الجنسية، ويذبحوا نسلهم وذراريهم في الصلب والترائب، حتى صارت بعض المصحات أشبه ما تكون بالمسالخ الجنسية! ويقف وراء هذه الأعمال الحقيرة تجار وموظفون كبار مثل رئيس المحكمة العليا(!) الذي يسوغ هذه الإجراءات؛ لأنها تقتل المنحطين في الأرحام قبل أن يضطر البيض إلى إعدامهم على الأرض لو ولدوا! وإنه والله لعذر لا يختلف في قبحه عن الذنب. 

أما عنوان الفصل الثاني فهو الفقر والغنى: معادلات مَنَوية، حيث تقول مرغريت سانغر وهي من نجوم الداروينية الاجتماعية بأن الفقراء قمامة بشرية، ولذلك طالبت بتعقيم عاجل للسود والهنود والطبقات الفقيرة، وقادت حملة لتعقيم الزنوج على وجه الخصوص، وحظيت بدعم كلارنس غامبل مالك شركة بروكتر أند غامبل، وتهرف هذه المجرمة بكلمات معناها: أن خير ما تفعله الأسرة الكبيرة هو أن تقتل أولادها!
ويرى المؤلف أن التعسف الفاجر في استخدام الداروينية فتح باب الفناء على الشعوب الضعيفة، وقدمت مسوغات علمية للقتلة والمجرمين البيض؛ فهذه الطبقات الدنيا تنساق وراثياً نحو الانقراض الحتمي؛ فلا بأس على الأبيض حين يستعجل فناءهم؛ فالبقاء للأصلح مقولة بنى عليها الغرب عنصرية علمية لم يفه دارون بكثير من مفرداتها ومعانيها. وقد تجسدت نظريات دارون في أفكار قريبه عالم الحياة الإنكليزي فرانسيس غالتون حين طالب بوضع حد لنسل الفقراء، والتحكم بأذونات الزواج؛ حتى تأتي الولادات الجديدة بالأقوياء فقط.

وفي عام(1864م) نشر الفيلسوف الإنكليزي هربرت سبنسر كتابه مبادئ علم الحياة، وشحذ فيه مقصلة عنصرية فتاكة بناء على مفهوم البقاء للأصلح، كما دعى في كتابه "سكونيات اجتماعية" إلى التخلص من الأعراق الطالحة، لأنها سبب في توريث الفقر والتخلف والجريمة، ولهذا الرجل ولأفكاره بصمات واضحة على علم الاجتماع الأمريكي؛ حيث نادت جماعات أنكلوسكسونية بتعقيم قسري لعشر فئات(منحطة) من المجتمع الأمريكي.

وحمل شارلز دافنبورت عبء تعقيم ستين ألف أمريكي من هذه الفئات؛ ودفن النطف قبل تحولها إلى أجنة، ومولت جرائمه مؤسسة كارنيغي إمبراطور الفولاذ، وماري هاريمان وريثة إمبراطور السكك الحديدية، وجون روكيفلر الثري السخي فيما لا محمدة فيه ولا مثوبة. وترافق مع هذه الحملة على النسل ووأد الذراري تشريع أعمالها في ثلاثين ولاية أمريكية، شريطة نقل التجربة لباقي بلدان العالم بعد الفراغ من تطهير أمريكا. ويشيع وصف ضحايا "التعقير" بالفقر نتيجة للغباء وضعف العقل، وأنهم خطر على المجتمع والإنسانية لابد من استئصاله، ويكثر استخدام هذه الأوصاف في التعابير المتكررة على لسان الزعماء الأمريكان منذ القدم وحتى أوباما.

وأسهمت نظريات الاقتصادي الإنكليزي توماس مالتوس بتحرير النظرة للفقراء من الأغلال اللاهوتية، وأصبح التخلص من الفائض البشري ضرورة اقتصادية! ورأى مالتوس-المجرم-أن التخلص من الفائض البشري يتم بأسلوبين: رفع معدل الموت، وتقليص معدلات الولادة. ولم يجد كاتب سيرته أصدق من وصفه بأنه رجل يدافع عن الجدري، وعن العبودية، وعن قتل الأطفال، ويرفض تقديم العون للفقراء لأن ذلك سيوسع من رقعة الشر، وكان يعتبر موت أولاد الفقراء نعمة إلهية، ولمالتوس أثر كبير على أفكار النخب السياسية في بريطانيا وأمريكا، حتى أن الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث يتمنى أن يصبح جرثومة فتاكة تساهم في حل مشكلة التفجر السكاني! وإذا كان هذا رأي الأمير الأرستقراطي فما يقول المعتوهون من الساسة والعسكر؟!
ومن قوائم المتأثرين بمالتوس تشرشل، وكيسنجر، وجون هولدرن المدير الحالي لمكتب البيت الأبيض للسياسة العلمية والتكنولوجية، وهذا يعني أن البيت الأبيض مؤمن بأفكار مالتوس خلال عهد أوباما، هذه الأفكار التي كانت خطوة على طريق المحارق الكبرى الأنكلوسكسونية والألمانية، وكانت الأساس الذي بنى مجلس الأمن القومي الأمريكي عليها وثيقة كيسنجر وبدأ تطبيقها عالمياً. ومن خلال هذه النظرية المالتوسية صارت الإبادة إرادة إلهية عند المتدين، وقانوناً علمياً لدى غيره، والنتيجة واحدة.
وكان للنظريات العلمية بين عامي (1863-1868م) أثرها في تسويغ أعمال البيض من أجل تطهير العالم والحفاظ على نقاوة عرقهم، ومنها نظريات سبنسر وداروين المشار إليهما سابقاً، ونظرية الراهب التشيكي غريغور مندل حول الهندسة الوراثية، والعلم في غالبه بريء من التهمة؛ بيد أن الغرب بارع في استثمار أي شيء لصالحه.

أولاد إسماعيل رمز الانحطاط البشري! هذا عنوان الفصل الثالث، فالتوراة تخبرنا بأن إسماعيل-حاشاه عليه السلام-كان وحشاً بشرياً، ويروي المؤلف عن مايكل سافج أن معظم الأمريكيين يتمنون رؤية قنبلة نووية تهوي فوق عاصمة عربية كبيرة-ويالهم من شعب متحضر مسالم-. وقد درس أوسكار ماك كولوش قبيلة أمريكية تدعى بن إسماعيل تقطن في إنديانا، وأرجع فقرهم وضعفهم إلى أصلهم العربي، ولذلك كانت ولاية إنديانا أول ولاية تسن قانوناً للتعقيم الإلزامي تنادى له البيض بحماسة بالغة حتى غابت قبيلة بن إسماعيل عن الذاكرة الأمريكية.

ثم بُعثت هذه القبيلة بعد عقود من النسيان على يد كاهن مهووس بالإسلام يدعى هوغو ليمنغ، حين نشر فصلاً عن هذه القبيلة، وزعم أن جدها الأول إمام مسلم أفريقي الأصل، وهو مؤسس أول جماعة مسلمة في أمريكا ذات أصول أفريقية وهندية! وأعيد نشر هذا الفصل الأشبه بالتنجيم؛ بل صيره بعض المؤلفين مقدمة لكتب عن التاريخ الخفي للجماعات الإسلامية في أمريكا، ويبدو أن الادعاء بالخبرة في الجماعات الإسلامية رائجة عالمياً وإقليمياً.

عنوان الفصل الرابع شبح مالتوس في البيت الأبيض، وفي بدايته نقلٌ عن مدير مكتب الحكومة الاتحادية للسكان التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية د.رايمرت رافنهولت (1977م) يقول فيه:" تفادياً للخطر السكاني الذي يهدد كوكب الأرض تعمل الولايات المتحدة على تأمين الشروط اللازمة لتعقيم ربع نساء العالم القادرات على الحمل". وهذا الرجل مكلف بوضع خطوات عملية لبرنامج تطهير عرقي وطبقي، وبدأت الإجراءات التنفيذية بتدريب بعض الأطباء في كلية الطب بجامعة واشنطن وجامعة جونز هوبكنز، وبلغت الميزانية المرصودة لجامعة واشنطن لتنفيذ هذا البرنامج وحده ملياران ونصف المليار دولار!
وعزى رافنهولت الأسباب وراء سعي الحكومة الأمريكية لإطلاق هذا البرنامج إلى حرصها على حفظ أمن أمريكا، وحماية مصالحها الاقتصادية. وبيَّن المؤلف العكش أن هذا البرنامج بعد فحصه ما هو إلا تطبيق عملي لوثيقة كيسنجر التي أعدها بناء على طلب الرئيس فورد، واستهدفت الحد من نسل شعوب ثلاثة عشر بلداً هي: بنجلاديش، باكستان، نيجيريا، إندونيسيا، مصر، تركيا، الهند، المكسيك، البرازيل، الفليبين، تايلاند، الحبشة، كولومبيا.

وقد أزيلت السرية عن هذه الوثيقة عام(1989م)، وكانت تطمح إلى تحقيق أهدافها بحلول عام(2000م)، واقترحت الوثيقة اختفاء أمريكا من الصورة تجنباً لإحراج زعماء هذه البلدان، وتكليف صندوق الأمم المتحدة للسكان بتنفيذ هذه المهمة على أن يديره رجل ملون حتى لا يثير الشبهة! ولو قال بعضنا جزءاً مما ورد في الوثيقة لدمغ بأنه مسكون بنظرية المؤامرة.

ومع مرور أربعين عاماً على هذه الوثيقة إلا أن شبح مالتوس مازال يطوف في أروقة البيت الأبيض، ويطارد الفقراء والضعفاء، وذلك من خلال جون هولدرن الذي يتولى أخطر ثلاثة مناصب علمية في إدارة أوباما كلها خاصة بالعلم والتكنولوجيا، فلا يتخذ الرئيس قراراً دون مشاورته والأخذ برأيه؛ ولا عزاء للضعفاء.

وقد ألف هذا المالتوسي منزوع الإنسانية كتاباً بالاشتراك مع زميليه يقع في أزيد من ألف صفحة، وبشر فيه بعصر تفرض فيه أمريكا على شعوب العالم حزام عفة إلكتروني يزرع تحت الجلد لمنع التناسل، ويترافق مع ذلك تنفيذ عمليات معالجة طعام هذه الشعوب وشرابها بعقاقير التعقيم، ويشمل البرنامج الذي يقترحه هذا الحاكم بأمره في مكتب أوباما ما يلي:
1- سيطرة الدولة على خصوبة الرجال والنساء بالتدخل الطبي.
2- إرغام النساء الحوامل على الإجهاض دون إلتفات لرأيهن.
3- تعقيم جماعي للبشر عبر معالجة المنتجات الغذائية شريطة ألا تؤثر على خصوبة الحيوانات!
4- فرض نظام كوكبي لوضع سقف للتكاثر؛ ويجب على الحكومات أن تتنازل عن سيادتها لهذا النظام.

وتحت مظلة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية-وهي ذراع للخارجية ولوكالة الاستخبارات-، وباسم الرحمة والمساعدات الإنسانية سعت أمريكا لتخفيض سكان العالم الثالث، ففي راوندا وحدها نفذت كتائب الرحمة الأمريكية عملية تعقيم وإخصاء (700) ألف طفل رضيع في عهد الرئيس ذي الأصول الأفريقية، والحائز على جائزة السلام، والذي لا يكف عن توزيع الابتسامات! واستعرض المؤلف تجربة أمريكا في رحمة شعب البيرو، وتعقيم رجاله ونسائه بطرق ناعمة يتبعها توزيع الهدايا! ولم يكتف الأمريكان بتعقيم ثلث نساء جزيرة بورتوريكو بل عمد أطباء مؤسسة روكفيلر-وهي مؤسسة خيرية(!) ممولة لحملات التعقيم-بإجراء تجارب سرطانية مميتة على شعب الجزيرة، وليلاحظ القارئ أن هذه الجريمة الشريرة تدار بواسطة أطباء وتحت جناح عمل خيري! وزيادة في المكر زرعت الاستخبارات الأمريكية عملاءها مستشارين في حكومات البلاد المستهدفة وذلك لدعم برامج التعقيم.

تطهير الأرحام من الألغام هو عنوان الفصل الخامس الذي يفتتحه الرئيس ثيودور روزفلت في رسالة كتبها إلى عالم نفس عام(1899م) قائلاً:" لن تنتصر قيمنا الحضارية ما لم نتخلق بالأخلاق البربرية"، ولذا كان من المناسب أن يعقبه عبارة دقيقة للمؤرخ ريتشارد سلوتكين: "إذا كان لابد من شعار يرمز لأميركا وتاريخها فليس هناك ما يعبر عن هذه الحقيقة سوى هرم هائل من الجماجم"!
وإمعاناً في إهلاك النسل يرى الغزاة البيض أن رحم المرأة الهندية مزرعة ألغام تدافع عن الأرض ولذا فلا مناص من استخدام كاسحات الألغام! وأكثر الأرقام تواضعاً تتحدث عن تورط مصلحة الصحة الهندية بتعقيم (25%) من صبايا الهنود اللواتي لم يتجاوزن الخامسة والعشرين من عمرهن بعد خداعهن، وتوقيعهن بالموافقة على إجراء عملية التعقيم، وأحياناً يكون التوقيع بعد نهاية العملية!
وذهبت بعض الدراسات إلى أن التعقيم شمل (50%) من نساء الشعوب الهندية في الفترة الواقعة بين عامي (1970-1976م)، وقد اكتشفت طبيبة هندية تعمل في مستشفى بولاية أوكلاهوما أن جميع ضحايا التعقيم هن نساء هنديات. وفي رسالة ماجستير جريئة بجامعة نبراسكا أوماها وثقت المؤلفة ارتفاع ميزانية برنامج التعقيم من (51) مليوناً عام (1969م) إلى (250) مليوناً عام (1974م)، وقد صاحب هذا الارتفاع زيادة في عدد الضحايا الهنود من (63) ألف امرأة بين عامي (1907-1964م) إلى (548) ألف امرأة بين عامي (1970-1977م)، وهذا يعني أنه خلال سبع سنوات عجاف تضاعف العدد قريباً من تسعة أضعاف الرقم الذي جرى تعقيره خلال ستين عاماً، فالعلم يتقدم؛ ومستوى الجريمة يتعاظم.

الفصل السادس عنوانه المرضعة الأمريكية للهولوكست النازي، حيث قال جوزيف دو جارنيت مدير معسكر حكومي للتعقيم الجماعي في فرجينيا: "إن هتلر ينافسنا الآن على لعبتنا"، واعترف الفيلسوف الصهيوني ستيفن كاتز بأن "تفريغ العالم الجديد من سكانه الأصليين كان السحابة التي أمطرت بالهولوكست النازي"، ومن لا يحتفل بتاريخ إبادة سكان أمريكا الأصليين فهو إنسان يكره إنسانيته لأنه مخبل، جاهل بليد، فهذه الإبادة ساهمت في تحسين الوضع الإنساني، وهذا الرأي الآفن يقوله كاتب وناقد بريطاني!
وغرض المؤلف من هذا الفصل كسر احتكار اليهود للهولوكست، فهتلر قتل اليهود بيد أنه قتل أعداداً أكبر من أعراق أخرى، وقبل هتلر وبعده أفنى الهولوكست الأمريكي مئات الملايين من البشر، بل إنه كان النموذج المحتذى من النازيين، وهو أفظع وأطول عملية قتل مستمرة في التاريخ البشري، لكنها لم تفضح كمجازر النازيين، ولذلك فهتلر وزمرته مجرمون، بينما الرموز الأمريكية لها مكانتها في الميادين والمدن وأوراق العملة، فمن يصدق أن الهنود يلقبون جورج واشنطن بهدام المدن لأنه هدم (28) مدينة؟ وأي إجرام يعبر عنه الرئيس أندرو جاكسون حين يعتبر قتل الهنود مثل موت جيل لإحلال جيل جديد مكانه! وعلى من فرح بهزيمة النازيين أن يراجع حساباته؛ لأن المنتصر أكثر شراً منهم، وفي كلٍّ حقه من الشرور.

وتجاوز الإجرام الساسة والعساكر إلى المفكرين والعلماء الذين يفترض فيهم النبل والإنصاف، فهذا المؤرخ جيمس أكستل يقول: "إننا أمة عظيمة ذات قوانين وحساسية مفرطة، ولسنا مذنبين بقتل نساء الهنود وأطفالهم أو بوسم العبيد في جباههم أو باغتصاب أي أرض في العالم!" ولأجل ذلك يشتد نكير هذا الرجل وإنكاره وجود هولوكست أمريكي، ولا غرابة فمن هذا منطقه لا يرجى منه خير البتة. وأفضل ما يوصف به الإجرام الأمريكي ما قاله الزعيم الهندي رسل مينس: "ليس هناك من قانون لم تنتهكه الولايات المتحدة، ولا جريمة ضد الإنسانية لم ترتكبها...ومازالت هذه الإبادة مستمرة حتى هذه اللحظة".

وفي آخر الكتاب أضاف المؤلف المثابر د. العكش ملحقاً بعنوان أنكل أوباما ولسانه المشقوق، وفي مفتتحه كلمة لعضو الكونجرس سام جونسون تمنى فيها تحميل طائرة حربية من طراز إف15 برأسين نوويين وبطلعة واحدة يتخلص من شيء اسمه سوريا! وقد أعقبت هذه الكلمة التي ألقاها العضو السام عام(2005م) عاصفة من التصفيق والهتاف ليس في ملعب كرة قدم بل تحت قبة الكونجرس الأمريكي!
ويشيع في أمريكا تسمية الأسود المتأبيض "أنكل توم"، وأول من أطلق على أوباما اسم "العم توم" هو رالف نادر مرشح الرئاسة الأمريكية وأشهر محامي المستهلكين في أمريكا، واتهمه بأنه لا يختلف عن سلفه بوش. ويجزم المؤلف من خلال متابعته للمعارك الانتخابية الرئاسية والبرلمانية بأنها ليست سوى مباريات ضارية في التضليل وشقشقة اللسان، وأنه لولا رعونة بوش لما تغلب أوباما على العجوز المخضرم جون مكّاين.

ولأن السياسة واحدة فلم يتغير شيء من حرب فيتنام حتى حرب أفغانستان-وحتى ما بعد أفغانستان من حروب-، حيث أسقطت أمريكا خمسين حكومة استبدادية وديمقراطية، وقصفت بالقنابل أكثر من ثلاثين أمة، ودمرت حياة ملايين البشر، ولم يرحل رئيس أمريكي من البيت الأبيض وليس على يديه دم شعب من الشعوب! بل لم يترك أي رئيس وزراء بريطاني منصبه منذ بلفور المشؤم(1902-1905م) وحتى بلير الآثم(1997-2007م) بلا استثناء دون أن يلطخوا أيديهم بدم عربي أو مسلم، وعلى هذا الطريق يسير رئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون.

ولا يخجل أوباما من إعلان التزامه الشخصي والرسمي بإسرائيل وأمنها حتى لو كان يخاطب عرباً، ويؤكد المؤلف أنه مهما اختلف الرؤساء الأمريكان فإنهم يتفقون على المشروع الصهيوني؛ وكأنما قد شربوه مع حليب طفولتهم، أو حُقنوا به ضمن جداول التطعيم! ويعلل المؤرخ كونراد شيري ذلك بأنه تعبير عن القناعة الراسخة بأن الأميركيين هم الإسرائيليون فعلاً، وشعب الله المختار حقاً، فالإنكليز على طرفي المحيط-بريطانيا وأمريكا-أشد حماسة من اليهود لتأسيس الدولة الصهيونية؛ وبناء معبد سليمان. 
ومع أهمية هذا الملحق إلا أن مكانه الأنسب في كتاب المؤلف: تلمود العم سام، وقد ختم الكاتب الأديب هذا الملحق بسؤال رمزي عما هو العمل المنتظر من الشعوب تجاه هذه القوة الباغية، والنسخ المشوهة من مكتب الشؤون الهندية؟ وأجاب نصاً: "ماذا يفعل الرجل العاقل حين يرى في فراش ابنه أفعى؟".

والخلاصة أن هذا الكتاب يهم على وجه الخصوص العاملين في المنظمات النسائية، والذين يرصدون مؤتمرات الأمم المتحدة ومشروعاتها الخاصة بالسكان والتنمية والطفل والمرأة، وإن كشف هذا التاريخ الكئيب للعامة طريق لإقناعهم بخطر هذه الاجتماعات الأممية المزوقة التي تخفي تحت أوراقها مباضع الجراحين للتعقيم والتعقير والإخصاء.

  • 9
  • 0
  • 18,382
المقال السابق
الإبادة الثقافية
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً