سيناريوهات الوضع السياسي في تونس بعد الإنتخابات

منذ 2014-12-08

وبعيدا عن استدعاء جراحات الماضي، والاختلاف بين الحزبين، يدعو كثيرون ومن بينهم أكاديميون إلى التسامح والقبول بالآخر. وقد بدا ذلك واضحا من خلال تهنئة الأحزاب الخاسرة للأحزاب الفائزة في الانتخابات، رغم أن الشعب لم يعط الأغلبية المطلقة لأحد وفي ذلك رسالة مهمة للجميع بأن يتعاونوا على خدمة تونس وفي مقدمة ذلك حزب حركة النهضة.

لم تسمح نتائج الإنتخابات التي جرت في 26  أكتوبر 2014 م لأي حزب بالتفرد بالسلطة، فحزب " نداء تونس" الذي احتل المركز الأول ب 85 مقعدا يليه حزب حركة النهضة ب 70 مقعدا، يجد نفسه في ورطة بحكم النتائج الهزيلة التي حصل عليها حلفاؤه التقليديون المنحدرون من نفس المصدر الفرانكفوني، والسلالة السياسية للتجمع، ف"الاتحاد من أجل تونس" الذي يضم عدة أحزاب لم يحصل على أي مقعد. في حين لا يمكن لنداء تونس، أن يشكل حكومة هشة مع بقية الرقع الدستورية والتي لم تحصل على نتائج مهمة في الإنتخابات.
 
بين يدي النص: يؤكد الخبراء أن حلول حزب حركة النهضة في المرتبة الثانية، كان لصالح حركة النهضة، فقد سبق وأن اتفقت عدة أحزاب على عدم الإعتراف بالنتائج إذا حصلت النهضة على الأغلبية. وذلك  في وضع إقليمي ليس لصالح الحركات الإسلامية في الوقت الراهن، وإن كان يؤسس لحالة اسلامية على المستوى البعيد.. فالثورة المضادة لها سمة عالمية وليست شأنا قطريا.
ولو فازت حركة النهضة في الانتخابات لتكررت مشاهد الفترة الانتقالية من محاولات الانقلاب والعرقلة والافشال، وبدأت بايداع مطلب الزيادة في الأجور، وترتيب اضرابات جديدة العام القادم.
 
وهذه النتيجة أعادت بها الحركة الأمانة للشعب لمواجهة الثورة المضادة وجها لوجه. بأن ألبست الثورة المضادة مسؤولية تسيير البلاد بعد أن ساهمت الحركة في وضع الدستور وتشكيل مؤسسات الدولة الديمقراطية التي تلتزم بضمان الحريات واسترداد الحقوق. 
وسيتعرف الشعب في السنوات القادمة، على حكامه الجدد وطريقة تعاملهم معه، وإبطال ادعاءاته التي رددها على مسامع الشعب طيلة الفترة الماضية. وسيلهب ظهره سحب الدعم على المواد الأساسية ، وسيرى الزيادات المشطة في الأسعار. وسيرى الشعب اتحاد الشغل، وقد مد يده لحكومة نداء تونس، ونسي الحقوق التي كان يتحدث عنها ويطالب بها في عهد الترويكة . وسيرى اليسار في حال دخوله الحكومة يبصم على املاءات صندوق النقد الدولي التي قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر.
 
التحالف مع الاتحاد الوطني: هناك قراءات مختلفة لشكل الحكومة التي ستدير دفة السلطة في البلاد خلال السنوات الخمس القادمة. حيث يرى البعض أنه من المستبعد أن تكون حركة النهضة شريكا لنداء تونس، في الحكومة القادمة بحكم رفض قطاع واسع في كلا الحزبين للتحالف مع الطرف الآخر. فالذين انتخبوا حزب نداء تونس، انتخبوه لأنه ضد مشروع  حزب حركة النهضة. في حين يعتبر أنصار " النهضة" أن " النداء" ما هو إلا الحزب البغيض الذي حكم تونس على مدى يزيد عن ستة عقود من القهر والظلم والاستبداد، ومواصلة خدمة السياسة الاستعمارية على المستويين الثقافي والإقتصادي. كما يستبعد آخرون امكانية تحالف" نداء تونس" مع " الجبهة الشعبية" وهي جبهة مكونة من تسعة أحزاب لها ميولات يسارية شيوعية، وحصلت مجتمعة في الإنتخابات الأخيرة على 15 مقعدا.
 
وذلك لاختلاف البرامج. زد على ذلك أن الحكومة القادمة ستكون مجبرة على تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي. وبالتالي فإن التحالف مع حزب، آفاق تونس{ من إفرازات حل التجمع } والذي حصل على ثمانية مقاعد ، والاتحاد الوطني الحر، { حزب رجل الأعمال المثير للجدل سليم الرياحي } الذي حصد 16 مقعدا وبعض المستقلين، هو الحل . لكن المزاج السياسي معكر بين نداء تونس، والاتحاد الوطني الحر، والذي أصبح رئيسه سليم الرياحي، يتردد على مقر حزب حركة النهضة، أكثر من بيته ومكتبه. وهو من المهوسين بالفوز في سباق الرئاسة، كمرشح لهذا المنصب ،أكثر منه بدخول البرلمان.
 
التحالف مع الجبهة الشعبية: الجبهة الشعبية، مجموعة من الأحزاب اليسارية التي لم تنصهر في الإطار الجامع ولم تتحول إلى حزب سياسي موحد، وبينها من الخلافات الداخلية ما يهدد وجودها ذاته ، وكانت قد شهدت تصدعات لا تزال قائمة، وخروج حزبين منها قبيل الإنتخابات. وهي مرشحة للانقسام والتفكك بعد الإنتخابات الرئاسية، حيث تبدو حظوظ مرشحها، حمة الهمامي، ضئيلة جدا. ويستبعد أستاذ العلوم السياسية، الصغير الزكراوي، في لقاء مع" المسلم" إمكانية تحالف حزب النداء مع الجبهة الشعبية" اختلاف البرامج والرؤية السياسية، بين الطرفين، حائل موضوعي يمنع تحالفهما، لا سيما وأن الحكومة الجديدة ستكون ملزمة بتطبيق املاءات صندوق النقد الدولي". أضف إلى ذلك" شروط الجبهة كثيرة، ومن الصعب أن يوافق عليها النداء، وفي حال تم الاتفاق على تشكيل حكومة تضم الجبهة الشعبية، وتستبعد حزب حركة النهضة، فإن ذلك ايذانا بسيناريوات أخرى من بينها امكانية حل البرلمان بعد فترة من الزمن واجراء انتخابات جديدة في غضون عام أو أكثر أو أقل.
 
التحالف مع النهضة: من الملاحظ أن قيادات حركة النهضة لا تمانع في دخول الحكومة، لكنها وكما أكد القيادي في الحركة" العجمي الوريمي"" للمسلم"" ندخل بشروط الثورة، أو نبقى في قيادة المعارضة" ويقول الوريمي" نحن نمتلك تجربة الحكم بعد الثورة، ومستعدون لوضعها في خدمة تونس، في أي موقع كنا" وكان الشيخ راشد الغنوشي، قد أكد على أن وضع الحركة يسمح لها بأن" لا تترك أمرا يمر دون استشارتها، وسنكون أمناء على الدستور وعلى الحريات وعلى الديمقراطية".
 
وبعيدا عن استدعاء جراحات الماضي، والاختلاف بين الحزبين، يدعو كثيرون ومن بينهم أكاديميون إلى التسامح والقبول بالآخر. وقد بدا ذلك واضحا من خلال تهنئة الأحزاب الخاسرة للأحزاب الفائزة في الانتخابات، رغم أن الشعب لم يعط الأغلبية المطلقة لأحد وفي ذلك رسالة مهمة للجميع بأن يتعاونوا على خدمة تونس وفي مقدمة ذلك حزب حركة النهضة .
 
سيناريوات إضافية : ويمكن أن لا تخرج السيناريوات المقبلة لتشكيل الحكومة عن عدة احتمالات :
 
{ 1 } حكومة يشكلها حزب نداء تونس، مع حلفائه التقليديين، حكومة هشة ستواجه مشاكل لا حصر لها، وربما اضطرابات كبيرة في حال تم الغاء الدعم عن السلع الأساسية أو تمت الزيادة في أسعار المواد الغذائية .
{ 2 } تشكيل حكومة موسعة تضم الجميع بما في ذلك أحزاب تاريخية لا تملك نواب في البرلمان القادم وهي فرضية لا تستقيم مع عدد الأحزاب الموجودة في تونس، وهي نحو 200 حزب .
{ 3 } تشكيل حكومة بين نداء تونس وحركة النهضة، وهو ما طالب به أكاديميون يوم 31 أكتوبر في كلية الحقوق والعلوم السياسية من بينهم عميد الكلية،الدكتور فرحات الحرشاوي، ورئيس قسم العلوم السياسية، الصغير الزكرواي، والباحث رضوان المصمودي، ورئيسة مركز شاهد ليلى بحرية وآخرون . ويعتقد هؤلاء وغيرهم بأن تشكيل حكومة بين النهضة ونداء تونس، من شأنها ضمان الاستقرار في تونس للسنوات الخمس القادمة. وأن غير ذلك سيعرض الحكومة لهزات قد تؤدي لحلها قبل نهاية مدة ولايتها.
{ 4 } السيناريو الآخر هو تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، لكن ذلك قد يبدو غير مناسب لمدة خمس سنوات، كما يقول الخبراء
{ 5 } الاحتمال الخامس هو تشكيل حكومة كفاءات مسيسة أو ملتزمة سياسيا، لا سيما في ظل وضع سياسي متغير وخارطة سياسية قابلة للتبديل في كل لحظة، وداخل بعض الأحزاب ذاتها، ولا سيما الجبهة ، ونداء تونس.
 
أخيرا : تشهد تونس تجربة فريدة من نوعها وأنموذج يحتذى، تلك هي تونس بعد الثورة . وبعد الانتخابات الأخيرة والتي أفرزت حزبان كبيران وذلك يعني الكثير . سيناريوات التحالفات القادمة متعددة وممكنة وتحكمها عدة عوامل ، ترشح الموضوعية منها حركة النهضة للتحالف مع نداء تونس ،إذا تجاوز الحزبان عراقيل القواعد . وسيناريو تحالف نداء تونس مع الجبهة الشعبية ممكن مع كل الأخطار المتوقعة منه وعليه . تحالف نداء تونس مع النهضة هو السيناريو الذي سيجنب البلاد الهزات المتوقعة في السنوات الخمس القادمة ، ويحول دون تقسيم البلاد. وهو تهديد قائم لا سيما في حال التحالف مع الجبهة الشعبية ، وهو ما يعني سقوط الحكومة بعد عام أو أكثر أو أقل، أي مشهد سياسي جديد وانتخابات جديدة .
 
 
ورغم استعداد قيادات الحركة للدخول في الحكومة، إلا أنها تجد نفسها" في وضع مريح" بتعبير العجمي الوريمي، في حين يشهد نداء تونس خلافات حادة بين تيارين، ليس في موضوع التحالف مع النهضة من عدمه فحسب، وهو ما يجري ولكن بحدة أقل داخل حركة النهضة، ولا سيما القواعد وليس القيادات، وإنما في موضوع دقيق ويمكن أن يقسم ظهر" النداء" وهو ترشح الباجي قايد السبسي للانتخابات الرئاسية. فهناك جزء هام من قيادات نداء تونس، ترفض خوض الباجي قايد السبسي لانتخابات الرئاسة، وتؤيد مصطفى كمال النابلي بدلا عنه ، رغم تهديدات الباجي وأنصاره من داخل الحزب. لا سيما وأن سياسة الإغراء بمنصب رئاسة الوزراء قد قوبلت بالرفض من قبل النابلي قائلا: إن الكرسي الوحيد الذي يهمه هو رئاسة الدولة. ويبدو أن المعركة حامية الوطيس داخل النداء وأن أحد الطرفين سيخرج بهزيمة مهينة أو كليهما نظرا للمشاكل التي أدت إلى هذا الوضع. وقد ينقسم نواب نداء تونس بين كتلتين أو أكثر مما يسمح للنهضة بتشكيل الحكومة القادمة، مع كل التحديات التي أوردناها آنفا ، لكنها تبقى فرضية.

عبد الباقي خليفة

  • 0
  • 0
  • 121,934

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً