من محمد الأحمري إلى قارئ وكاتب!

منذ 2014-12-17

حينما قرأت ثلاثية ألبرتو مانغويل عن القراءة، شعرت بغيرة ثقافية؛ لخلو أمة اقرأ من منتج يماثل كتب مانغويل، أو يزاحمها على أقل تقدير-حسب اطلاعي-. ثم كتبت عن ثلاثية مانغويل مقالتين، إحداهما خلاصة نصائحه للقارئ، والثانية أهم توجيهاته للكاتب، وأخبرتني إحدى القارئات؛ بصدور كتاب رابع له عن فن القراءة، وأظنه عرض للبيع في المعارض العربية الأخيرة.

حينما قرأت ثلاثية ألبرتو مانغويل عن القراءة، شعرت بغيرة ثقافية؛ لخلو أمة اقرأ من منتج يماثل كتب مانغويل، أو يزاحمها على أقل تقدير-حسب اطلاعي-. ثم كتبت عن ثلاثية مانغويل مقالتين، إحداهما خلاصة نصائحه للقارئ، والثانية أهم توجيهاته للكاتب، وأخبرتني إحدى القارئات؛ بصدور كتاب رابع له عن فن القراءة، وأظنه عرض للبيع في المعارض العربية الأخيرة.

وعندما وصلني هذا الكتاب اللذيذ، غمرتني السعادة أن كتبه عربي ومسلم، وعنوان الكتاب الذي أعنيه: مذكرات قارئ، تأليف د. محمد بن حامد الأحمري، صدر عن دار الخلود عام(2014م)، وعدد صفحاته(480) صفحة، ويتكون من مقدمة، ثم خمسة فصول، ويعقبها عرفان، فالفهرس، وإخراجه جميل، على ورق مريح للعين.

يطوف الكتاب بقارئه في عالم الثقافة، والكتابة والفكر، ويطرد عنه الملال، لجمال الصنعة، وغزارة التجربة، ورقي اللغة، وندرة الأخطاء الطباعية، وانعدام الملحوظات النحوية-خلا واحداً-، وفوق ذلك كله يدخل الكاتب في السياق بلطف، دون أن يشعر القارئ بالانعطاف، فيمده بتجارب في القراءة، والكتابة؛ والتفكير، بل وحتى في التخلص من الكتب التي لا تطرب النفس، ولا تشحذ العقل، وكم من شركة طيران ستغضب من هذه الطريقة!
وضع الأحمري على رأس المقدمة جملة معبرة جداً، حيث يقول أبو عمرو: حياة كل ما فيها جديد! وهذا وصف صادق لحال القارئ الموسوعي، ثم تحدث عن تأخيره نشر هذا الكتاب حتى ينضج بهدوء؛ فيكون أطيب وأنفع، مع أن فكرته ولدت في عنفوان الشباب، والحمد لله أن لم يكتبه آنذاك، وقد ابتهل لله بأن يرزق كتابه الحظ إن لم يحظ بالإقناع! وأكد على أن إيراد عناوين الكتب ليس تزكية لها، كما أن ملحوظاته لا تعني إسقاط الكتاب أو المؤلف، فهي في جملتها اجتهاد بشري، وما أحسن الإنصاف.

وفي الكتاب الآسر أفكار نقلها المؤلف، أو قالها، أو أعاد صياغتها، وهي مفيدة للقارئ، ونافعة للكاتب، وملهمة للمفكر، ومثيرة للفيلسوف، وسوف أسرد مقتطفات منها تصاعدياً حسب ورودها قدر الإمكان، وقد أنسبها لقائلها، أو أتركها غفلاً من الانتساب، مكتفياً بالإحالة على مذكرات قارئ. 

ومن مزايا هذه المقتطفات، أن القارئ والكاتب، والمفكر والفيلسوف، يستفيدون من كل واحدة منها تقريباً، لأن هؤلاء الأربعة بينهم من التداخل؛ ما يجعلهم شخصاً واحداً أحياناً، علماً أني لم أحصر جميع غرر الكتاب ودرره، وربما تصرفت في بعضها، أو دمجت بينها. والكتاب بمجمله عرض ثقافي تسير فيه جحافل المؤلفين جنباً إلى جنب مع مجموعات الكتب، وأما أفكاره، وتلميحاته، فمبثوثة في كل مكان. وينبئ هذا العمل عن تضلع صاحبه من الثقافة الإسلامية والعربية، وغوصه في المعارف العالمية دون إزراء بالثقافة المحلية أو بالتراث؛ كما يحلو لبعض مثقفي الشرق أن يفعل.

وبعد أن استخرجت من الكتاب فوائد عديدة، اخترت بعضها، فجاءت في مئة كلمة، آملاً أن يكون لها أثر مبارك فيمن يقرأها؛ خاصة ممن ينذر نفسه لخدمة أمته، وبلاده، ودينه، بل ويفيد الإنسانية بأكملها، فما أحوج الإنسان إلى إنسانية المثقفين، وحكمة الكتاب، لعلها تكف شيئاً من غلواء الساسة، وظلم المرجفين، وها هي المائة: 
1- لو لم نطبع كتبنا لبقينا نصححها إلى أن نموت. بورخيس.
2- الكتابة حياة للذاكرة، وفوق ذلك توقد التفكير.
3- من يكتب بسرعة، ودون تفكير، يجعل من نفسه كاتباً رديئاً.
4- الكاتب المتقن المجود يعرف مصير ما يكتب.
5- حين تقرأ: لا تستعجل الوصول إلى ميناء قد حددت أنت وجهته سلفاً.
6- اجعل لكتابتك لمسة شخصية فريدة، ولا تنسجها على منوال سابق.
7- لا يحترم الناس إلا الكتب الأصيلة المبتكرة. مونتسكيو.
8- يكتب الكاتب المتميز لنفسه؛ فيخف حمله من المجاملة وإرضاء أهواء المختلفين.
9- الثقافة والسلطة خطان لا يلتقيان، وسمو الكتابة قرينة الحرية والانعتاق من السيطرة.
10- أجمل الكتب ما صيغ بأسلوب جميل، وأثار متع العقل، وأنجب الأفكار الخصبة.
11- في لحظة الكتابة شيء من السحر والغموض غير المفسر.
12- الكتاب مصباح في اليد، والكتب تفسر الحياة.
13- التخصص يفيدك، والاهتمامات الأخرى ترفد تخصصك.
14- ماذا تقرأ؟ عليك بكتب المؤسسين الكبار للعلوم والأفكار فهي المنابع العظمى.
15- لكل حضارة روح ثقافية، ومن المهم تطعيم الأجيال بها مبكراً ليشعروا بذاتهم الحضارية.
16- الكتب بعضها يذاق، أو يبتلع، أو يمضغ ويهضم ويبقى. فرنسيس بيكون.
17- هل يأتي الفهم من قراءة الكتب أم من مناقشة المثقفين؟
18- احذر من تسلل أفكار الكتب إلى عقلك دون فحص أو وعي بها.
19- الانقطاع التام عن الحياة واعتزال الناس بحجة العيش مع الكتب نقص في الفهم والتجربة والعمق.
20- الهدف من القراءة والكتابة حراثة العقل وتقليبه وإنقاذه من الترهل لا أن تكون القراءة سجناً له.
21- من المفيد تدريب العقل، وشحذه بآراء الآخرين، وتعريضه للأفكار العظيمة.
22- إياك أن تسلم عقلك لأحد ولو كان عبقرياً.
23- لاتكن مع الكتب كالفهرس أو دليل الباحثين، بل تعرف على أفكارها.
24- تضلع من قول خير أهل طريقتك حتى لا تغرق في لجج الأفكار، وليكون تضلعك مأرزاً لك وعاصماً.
25- الأفكار مصدر للشقاء كما هي مصدر للسعادة، ولها لذة وألم.
26- إن لم تجد من تناقشه في موضوع كتاب فاقرأ لمن يخالف مؤلف هذا الكتاب، وتبّصر.
27- الذي يقرأ كثيراً ويستخدم عقله قليلاً يعتاد الكسل الفكري. إينشتين.
28- اقرأ كثيراً، ونوع مقروءاتك، واعتن بالمتميز من الكتب، ثم أعد قراءة أجودها.
29- احذر من سيطرة كاتب أو فن عليك، فهذا استبداد خطير يقصيك عن الغاية.
30- تكرار المقروء يفيد في تقوية الذاكرة.
31- القراءة لا تمنح المعلومة فقط، لأن المعلومة غلاف للفهم، فافهم وإن نسيت المعلومة.
32- ما أجمل أن يقرأ الزوجان لبعضهما ويتشاركان ثقافياً، كمالك بن نبي وزوجه، وكلينتون وصاحبته.
33- النصوص الفلسفية العميقة تحتاج إلى صبر وتكرار وتأن حتى تفهم ويستفاد منها.
34- اخرج من مقياسك الخاص ومن خضوعك للعوائد، كي تفهم مجتمعك وتدرك دوافع الآخرين.
35- هل يقوى كبير السن على تحمل الكتب المرهقة أم حكمها كحكم الأطعمة الدسمة؟
36- بعض الرموز الكبار مولعون بقراءة الكتب التافهة، مثل هيجل المشهور بصعوبة نصه!
37- أبناء العباقرة لو اجتمعوا لكونوا فريقاً من المتخلفين عقلياً كما يرى نيتشه.
38- مستوى كتابتك انعكاس لمستوى ما تقرأه غالباً.
39- قد تكون الزوجة عونا معرفياً...وقد تكون آفة!
40- القراءة أعظم متع الحياة وأبقاها.
41- بعض المجالس أرقى من المدارس لما فيها من حديث راق، ونقاش مثمر، لتميز رواد المجلس ثقافياً.
42- لدى كثير من النابهين مهارة السخرية والنكتة، وقد تكون نابهاً بدونها؛ فإياك والسماجة!
43- إن لم يتيسر لك أستاذ تناقشه فابحث عن قرين تطاوله للتفوق، ويكون رفيق مسيرك الثقافي.
44- ما أروع أن تزهو الفكرة القوية بأسلوب جميل.
45- ابحث عن القداحين المثيرين للوعي والتفكير والكتابة، واقرأ لهم أو استمع وناقش.
46- مصاحبة العقول الهزيلة تعدي، ويبين أثرها بسرعة، فصن عقلك.
47- من العظمة الاعتراف بفضل الآخرين، فاشكر في ختام كتابك أو مستهله من أعانك.
48- الرغبة في المعرفة سمة رائعة إن استولت على الإنسان.
49- حين تقرأ لا تغمض عينيك ولا تغلق عقلك دون ما لا يروق لك.
50- الكلمة تصنع الإنسان، وكلما ربطت العقل بالقلب كانت مؤثرة وخالدة، كالنصوص الدينية.
51- التعصب من قوادح العلم وهوادم العقول.
52- في الكتابة والقراءة خلاص من الهم، وابتعاد عن منغصات الحياة، وهما علاج نفسي ناجع.
53- الذين يعرفون كيف يقرءون سيقودون الجنس البشري. فولتير.
54- هناك حقائق ليست لكل أحد ولا لكل حال. فولتير.
55- جيش نابليون هو أكثر الجيوش ثقافة لسبب طريف ذكره الكاتب.
56- من المناسب للقارئ أن يهجر الكتب زمناً، ويتأمل مفسحاً المجال لروحه أن تسمو، ولعقله أن يبدع.
57- لا تنزعج عندما تقابل مؤلفاً وتجده دون نصوصه، فهكذا جل المؤلفين.
58- لا تجعل دماغك محفظة لأقوال الآخرين، بل فكر واتخذ موقفاً مستقلاً.
59- الكتب بعضها فوق مستواك، وبعضها دونك، وبعضها لنظيرك، فاقرأ هذا والأعلى منه.
60- القراءة المتنوعة والتحقق التاريخي تهدم الانتماء الأعمى.
61- لتحدي الكتب القيمة المتمنعة لذة فائقة، فالتمنع يزيد من بهجة الظفر.
62- في الإيجاز تأليف النفوس الأوابد، وفي الإطناب توسيع دائرة الفوائد. ابن الوزير.
63- لا تتسرع في القراءة، ولا تستسلم لنص بشري، ولا تتعصب لسابقيك أو ضد شآنيك.
64- ارتقاب النوم يضيع على المثقف وقتاً طويلاً، فلا تخلد للفراش إلا صريع الكرى.
65- لا تصح الكتابة في وقت مغالبة النوم.
66- تصنع القراءة والكتابة سحر ألفة حتى مع المخالفين.
67- ضع علامات على أبرز الأفكار التي تصادفها وأنت تقرأ.
68- كلما تغيرت اهتماماتك زادت كتبك.
69- تبدو الكتابة سهلة، لكنها أشق عمل في العالم. همنجواي.
70- كانت الكتابة عند كارل ماركس أشبه بالمرض كما قال والده.
71- الكتابة إلحاح على النفس قد يجهل الكاتب باعثه.
72- الكتابة: المتعة الآسرة، وليس أكبر من متعة القراءة إلا متعة الكتابة.
73- قيمة الكتب بأفكارها، والأفكار يلد بعضها بعضاً.
74- راقب لحظات الفكرة، ثم قيدها في دفتر أو جهاز.
75- الكتابة معاناة وسخرة: تحني الظهر، وتظلم العين، وتطوي المعدة، وتكسر الضلوع.
76- استعد للكتابة بقراءة واسعة تكسبك قريحة مستقلة، وفكراً واسعا، وملكة مبتكرة، كما قال الرافعي.
77- رأس الأمر وسر النجاح في الكتابة أن تكون صبوراً. الرافعي.
78- الكاتب العظيم قارئ عظيم، وبالمران ترتقي الكتابة.
79- اللغة والمفردات أهم عدة للكاتب.
80- ينبغي للكاتب أن يعتزل الناس حين يكتب مسودته الأولى.
81- لاتكن صدى لكتبك، ولا شبحاً متوارياً خلفها.
82- لحظة الكتابة لحظة مقدسة.
83- فكر في موضوعك بتركيز لمدة؛ ثم دعه ليعمل في اللاشعور، وبعدها عد إليه واكتب.
84- شر آفات البلاغة الاستكراه، وأفضلها الرضا بالعفو. أبو حيان التوحيدي.
85- الكتابة عمل خطير، ومن لم يتهيبه وقع في عقابيله.
86- الحشو عدو مبين للكلام المستقيم. محمد عزيز الحبابي.
87- من أعوزته الفكرة لجأ للتفاصح والتكلف.
88- لا تستطيع أن تكتب مالم تلزم نفسك بنظام صارم.
89- التجويد والمراجعة أعسر من ابتداء الكتابة، ولا تسرف في التحرير حتى لا تضيع منك بهجة الكتابة.
90- ويل للكاتب إذا تثاقله القارئ!
91- اكتب أينما وافتك الفكرة، وإن اعتزلت ضبطت وأجدت.
92- قد لا تبدأ حياة الكاتب إلا بعد موته أحياناً.
93- الحب والحرب والموت بواعث لكوامن الكاتب، وأي بواعث هنَّ!
94- اللغات للكاتب والمفكر عين ثانية، وعقل جديد، ومعارف إضافية.
95- الكتاب الذي لا يتحداك، ولا يحرك عقلك، ولا يستثير معارفك، لا يستحق القراءة.
96- المشي، هواية كثير من القراء والكتاب.
97- الجنس لا يجعل العمل الأدبي عظيماً، والمسكرات والمخدرات تقتل إبداع الكاتب كما يقول نيتشه.
98- خير الفكر ما كان بعد الجمام والراحة.
99- كلما قلت أحمالك وقيودك استطعت الصعود لمرتفع يعجز عنه المثقلون والأسارى!
100- من يدرك كليات الوجود، ويهرب من التصنع، ينتج كلمات جماهيرية خالدة.

وبعد هذه المئوية الفكرية الماتعة، أشير إلى أن خير الفوائد ما وافق حاجة الإنسان، وكم هو جميل أن يقرأ هذا الكتاب، الشبان والشواب المتطلعين للثقافة والفكر، الذين يجدون في نفوسهم قابلية واستعداداً للكتابة، والإبداع والتأليف، وقد أشار مثقفنا العزيز د. محمد الأحمري، لعدد كبير من الكتب والمؤلفين، ومن الحكمة التي لا تغيب عن ذهن القارئ، أن ما يصلح لإنسان قد لا ينفع غيره، وأن الأذواق تختلف في المقروء، تماما ً كما تتباين في تقييم الأسماء والألوان، والمطاعم والملابس، بيد أن المهم هو أن يظل واحدنا، دائم العلاقة بالكتاب، قراءة وسماعاً ونقاشاً، وألا يسلم بشيء ما لم يكن قرآناً منزلاً، أو حديثاً صحيحاً، أو أمراً ثابتاً بالتجربة والبرهان، أو مشاهداً بالعيان.

  • 1
  • 0
  • 4,603

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً