شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (36) اسم الله الأعلى

منذ 2014-12-23

يقول الألوسي رحمه الله في (روح المعاني): "{وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} أي: وله الصفة العجيبة الشأن التي هي مَثْلٌ في العُلّو مطلقًا، وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الواسع والنزاهة عن صفات المخلوقين ويدخل فيه علوه تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا".

ورد هذا الاسم الشريف في الكتاب والسنة في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1].

وقوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى . إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل:19-20].

وثبت ذلك في السنة كما في حديث حذيفة بن اليمان: قال حذيفة رضي الله عنه: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ»، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى»، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ" (صحيح، مسلم: [772]).

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ إذا قرأَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قالَ: «سبحانَ ربِّيَ الأعلى»" (صحيح، الألباني، صحيح أبي داود: [883]).

معنى الاسم في اللغة:

الأعلى: أفعل التفضيل في اللغة أعلى على وزن (أفعل)، فعله علا، يعلو، علوًا. فالأعلى هو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه.

وهى مفاضلة بين اثنين أو الجميع لأن التفاضل إما أن يكون بين اثنين أو بين الشيء وغيره فإذا فاضلت بين اثنين قلت هذا أفضل من ذاك، وإذا أردت أن تفاضل الجميع قلت هذا أفضلُ دون بيان للمفضل عنه.

فالأعلى سبحانه أعلى مِن مَن؟ أعلى من كل شيء، أعلى من الجميع. فهي مفاضلة بين اثنين أو الجميع في عظمة وصف أو فعل أو مفاضلة بين صاحب العلو والأعلى منه.

كل من علا مهما كان فالله أعلى منه والله أعظم منه والله أجل منه، مهما كان له العلو في الأرض ومهما كان متصفا بالمنزلة والمكانة. فالله سبحانه وتعالى ذو العُلُّو وذو العُلا وذو العلاء والمعالي.

فالله سبحانه الأعلى بهذا المعنى، قال تعالى: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل من الآية:60]. {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:27].

يقول الألوسي رحمه الله في (روح المعاني): "{وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} أي: وله الصفة العجيبة الشأن التي هي مَثْلٌ في العُلّو مطلقًا، وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الواسع والنزاهة عن صفات المخلوقين ويدخل فيه علوه تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا".

فإن كان الله سبحانه وتعالى وحده هو المتصف بذلك فله المثل الأعلى والغنى المطلق، فكل ما سواه فقير وكل ما سواه يحتاج أما هو سبحانه فغني غنى مطلق، لا تنفعه عبادات أحد ولا تضره معاصيهم، لا تنفعه قرباتهم ولا يضره ابتعادهم، لا يحتاج إلى شيء ولم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا.

يقول ابن القيم رحمه الله: "من أعظم الأدلة على وجود الله الغنى المطلق لله والفقر الذاتي لكل أحد".

الفرق بين اسمه تعالى العلي والأعلى:

العلي: تعطي صفة العلو بكل المعاني، أما الأعلى: ففيه معنى المفاضلة، بمعنى أن له العلو ولا أحد يعلوه، هو الأعلى من كل أحد ومن كل شيء وينبغي أن يكون في قلبك هكذا.

فاسم الله تعالى الأعلى دل على علو الشأن عن جميع النقائص والعيوب المنافية للألوهية والربوبية. تعالى الله في الوحدانية عن الشريك وعن النظير والظهير والولي والنصير. تعالى سبحانه وتعالى عن كل ذلك فلا شريك له ولا نصير له ولا ولي له ولا ظهير له.

تعالى سبحانه في عظمته وشأنه وقدره، فتعالى أن يشفع أحد عنده دون إذنه، له صفة القهر والغلبة والكبرياء.

وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوًا أحد، تعالى في كمال حياته وقيوميته عن السِنة والنوم. تعالى في قدرته وحكمته عن العبث والظلم: «يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسيِ وجعلتُهُ بينَكُمُ محرمًا»(صحيح؛ بن تيمية، مجموع الفتاوى: [11/261]) تعالى في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل سبحانه وتعالى.

هذا كله داخل في علو شأن ربنا سبحانه وتعالى ولذا قال الله: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام من الآية:91] أي: ما عظّموه وما أعلوه وما أعطوه أقل حقه سبحانه، بل عظموا ما حقر وحقروا ما عظم.

وهنا مسألة سنتوقف عندها للفائدة:

وهي أن الله سبحانه وتعالى يجوز في حقه قياس الأولى، بدليل قوله: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل من الآية:60].

أننا أحيانًا نريد تقريب المعنى في حق الله تعالى فنقول مثالًا قياسًا عليه، وهذا لا شيء فيه بدليل الآية ولكن تقول بعدها ولله المثل الأعلى.

فإذا قال قائل ولكن الله قال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74]، نقول: المقصود لا توازيه ولا تشبهه ولا تمثل حاله بحال أحد، وإلا فكيف تفهم أنت المعنى؟

فأنت لن تفهم رحمة الله عز وجل إلا إذا قربت المعنى بضرب مثال لرحمة الأم بابنها مثلًا، فإذا فهمت ذلك عرفت أن لله المثل الأعلى وأن رحمته لا تماثل شيئًا من هذا.. ولكن المعنى اقترب لك..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وبهذا كانت الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية قياس الأولى كما قال الله تعالى: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} إذ لا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها".

فقياس الأولى جائز في حق الله وأسمائه وصفاته وأفعاله أما المحرم الممنوع هو قياس التمثيل والشمول كأن تقول: أن رحمة الله مثل رحمة الناس لكن رحمة الله أكثر، فكأنك شبهت الرحمتين ببعضهما، فهذا قياس التمثيل.

وقياس الشمول أن نشبه الله سبحانه وتعالى بصفات البشر، مثل أن تقول يد الله مثل يدي معاذ الله.

اسم الله تعالى الأعلى يدل على ذاته المتصفة بعلو الشأن بدلالة المطابقة، يدل على الذات وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن كذلك.

ويلزم من إثبات اسمه تعالى الأعلى أن يكون سبحانه وتعالى له صفة الحياة والقيومية والصمدية وانتفاء الشبيه والمثلية، إلى غير ذلك من هذه الصفات.

الله جل في علاه قال: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:78].

فاسم الله تعالى الأعلى دل على مطلق الجلال في الذات والصفات والأفعال وليس ذلك إلا لرب العزة والجلال، طالما أنه الأعلى. فهو أعلى بذاته وأعلى بصفاته وأعلى بأفعاله، وهذه صفة جلال.

فكل ما خطر ببالك فالله أعلى منه، فالأعلى سبحانه له علو الذات والفوقية وله علو الشأن في كماله وجماله، ففي رحمته عليّ أعلى، وفي عفوه عليّ أعلى، وفي كل شيء.

فمثلًا إذا تأمّلت تودّد الله لك وشعرت بأنه سبحانه ودود وشعرت بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96]، ففرحت واستبشرت فكل ما خطر ببالك من هذا الله أعلى منه! أرأيت جمال أسمائه وصفاته سبحانه!

وإذا تأمّلت عفوه، وتدبرت قوله: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى من الآية:30]، وتخيلت جبال من الحسنات يغفرها يوم القيامة، فكل ما خطر ببالك بشأنه الله أعلى منه! فتأمّل!

الدعاء باسمه تعالى الأعلى:

ورد دعاء الله بصفة العلو أما الدعاء باسمه سبحانه الأعلى فقد ورد بمعناه ومقتضاه.

كما في الحديث لابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة: «اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت، وعافِنا فيمَن عافيت وتولَّنا فيمَن تولَّيت، وباركْ لنا فيما أعطيت، وقِنا شرَّ ما قضيت، إنك تَقضي ولا يُقضى عليكَ، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيت، ولا يَعزُّ مَن عاديت، تباركت ربَّنا وتعالَيت» (صحيح؛ الألباني، إرواء الغليل: [429]).

هنا دعاء الثناء في ضمن دعاء المسألة: «تباركت ربنا وتعاليت».

ومن الدعاء بالمقتضى سؤال الأعلى من الخير والفضل، بمعنى أنك تسأل ربنا سبحانه وتعالى الفردوس الأعلى، وتسأله الرفيق الأعلى. كما تقول عائشة رضي الله عنها في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم: "سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُسْتَنِدٌ إليَّ يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وارْحَمْني وألْحِقْني بالرَّفيقِ»" (صحيح؛ البخاري، (5674])، وفي لفظٍ: أنه صلى الله عليه وسلم: "كان يشير هكذا فعرفت أنه يخير لأن النبي أخبرها أنه ما من نبي إلا وخُيِّر".

وفي الحديث عن أبي زهير الأنماري: "أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كان إذا أخذ مضجعَه من الليلِ قال: «بسم اللهِ وضعتُ جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخْسئْ شيطاني، وفكَّ رِهاني، واجعلني في النديِّ الأعلى»  (صحيح؛ الألباني، صحيح أبي داوود: [5054]) وهي ألفاظ مهجورة رغم ثبوتها عند الألباني رحمه الله.

حظ المؤمن من اسم الله الأعلى:

الأول: الخضوع والذل والانكسار للرب الأعلى. فإذا كان سبحانه أعلى من كل شيء فينبغي أن يكون كذلك عندك وفي قلبك. فتنكسر وتخضع وتذل له سبحانه.

ولذلك كان السجود من أقرب القربات التي يتقرب بها العبد لله سبحانه وتعالى لأن فيه اعترافًا عمليًا من الموحد بأنه عبد، وفيه توحيد واقعي للإله الرب.

الثانىي: أن يكون سلوك العبد في الحياة مبنيًا على الإخلاص وابتغاء وجه ربه الأعلى، قال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى . إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}.

أي ليس لأحد عنده من نعمةٍ تجزى إلا من يبتغي وجه ربه الأعلى، فلا يعطي أحدًا لمصلحة أو لغرض، لا يعطي من يحصل مدحًا أو يرائي الناس، لا يعطي إلا من قصد وجه ربه الأعلى.

ذيل الآية باسمه تعالى (الأعلى) من دون غيره من أسمائه جل وعلا، لأن في بذل العبد لماله لله دليل على أنه يتخلص من الأثر الدنيوي، فهو مجبول على الشح، قال تعالى: {وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا} [الإسراء من الآية:100]، فطرته تأمره بالبخل وهو يجاهدها ويتصدق ليتخلص من شحها، فلما علا على شهواته وعلا على نفسه قابله ربه الأعلى.

وهنا لفتة مهمة جدًا في هذا التذييل للآية، فكأن المعنى الآخر فيه: أنه مهما علا العبد على نفسه وتنزه سيظل الله سبحانه من فوقه أعلى. مهما تزكى وكثرت خيراته ستظل النقائص به، وسيظل الدنو صفته فالله الأعلى والأكمل والأجل سبحانه.

الله عز وجل يقول عن صفة هي من جبلة ابن آدم: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [التغابن من الآية:16]، وجاء {يُوقَ} لتدل على أن الشح موجود وسيظل موجودًا فالغريزة لن تمحى منك لن تغير وإنما مقامها التوجيه والتهذيب.

فالإنسان الشحيح لن يصبح كريمًا وإنما سيتصف بصفة الكرم جزاءً على تزكيته لنفسه واتقائه لشحه. لكن الشُحّ موجودًا بداخله وسيظل وقد يعود إليه من حينٍ لآخر إلا أن يزكي نفسه باستمرار، أما إن ركن لكرمه العارض وظن أنه تخلص من شُحّه فهو مخطئ ومخدوع، بل إن لم يتابع نفسه ويداوم على الترقي والتزكية فسيعود كما كان وكأنه لم يبذل شيئًا.

فالتخلص من الآفات والعيوب يكون بالعلو عليها لا بقلعها منك لأن كثيرها من الفطرة والجبلة، وبالمداومة على هذا العلو وإلا إن توقفت لحظة ستجذبك الشهوة من جديد إليها.

وكذلك ظروفك وأحزانك وهمومك، ليس لها حل إلا أن تعلو عليها ولك في نبيك أسوة حسنة، إذ كانت تطلق بناته صلى الله عليه وسلم ويسعى في الدعوة وكأن شيئًا لم يكن، وماتت له زينب فيحزن ولكن لم يقعده حزنه، ومزق عمه تمزيقًا فحزن عليه حزنًا شديدًا ولكن لم ييأس ولم يقعده حزنه، بل كان صلى الله عليه وسلم يعلو على كل أمور الدنيا: همومها وأحزانها.

اسم الله المتعال:

ورد هذا الاسم في الكتاب والسنة، ففي الكتاب في قوله تعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبيِرُ المُتَعَالْ} [الرعد:9].

وفي السنة ثبت الحديث في مسند الإمام أحمد بسندٍ صحيح من حديث عبد الله ابن عمر أنه قال: "قرأ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ هذهِ الآيةَ وهو على المنبرِ: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}"، قال: «يقولُ اللهُ: أنا الجبارُ، أنا المتكبرُ، أنا الملكُ، أنا المتعالُ.. يمجِّدُ نفسَه»، قال: فجعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ يُردِّدُها حتى رجف به المنبرُ حتى ظننا أنه سيَخِرُّ به" (إسناده صحيح؛ أحمد شاكر، الإمام أحمد: [8/15]).

معنى الاسم في اللغة:

المتعال من تعالى، يتعالى فهو مُتَعالٍ، صيغة مُتَفاعل. وهو أبلغ من الفعل علا لأن زيادة المبنى دليل على زيادة المعنى.

التعالي هو الارتفاع، تقول العرب في النداء للرجل: تعالَ بفتح اللام، والاثنين تعالا، والرجال تعالَوْا، وللمرأة تعالِي وللنساء تعالِين. ولا يبالون أين يكون المدعو في مكان أعلى من مكان الداعي أو مكان دونه.

المُتَعال سبحانه هو القاهر لخلقه بقدرته التامة. وأغلب المفسرين جعلوا هذا الاسم دالًا على علو القهر وهو أحد معاني العلوّ، أي أن المُتعال هو المُستعلي على كل شيء بقدرته.

بهذا التفسير يكون هناك تخصيص مع مبالغة، فالفرق بين العليَّ والمتعالي أن العلي فيها معنى علو القهر لكن المتعاليَ فيها علو القهر وزيادة، أي بلغ منزلة عظيمة جدًا في قهره وكبريائه سبحانه وتعالى لعباده. قال ابن كثير رحمه الله: "المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيءٍ علمًا، وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب، ودان له العباد طوعًا وكرهًا وهو الكبير المتعال، فكل شيء تحت قهره وسلطانه، وعظمته لا إله إلا هو، ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه".

فالمتعال لا شيء فوق قهره وقوته، لا غالب له ولا منازع، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام من الآية:18].

فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء.

دلالة الاسم في حق الله تعالى:

قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91]، فالله سبحانه وتعالى باسمه المتعال دل على ذات الله المتصفة بعلو القهر بدلالة المطابقة.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذه الآية: "أن الإله الحق لا بد أن يكون خالقًا فاعلًا له القدرة، يوصل إلى عباده النفع ويدفع عنهم الضر، فلو كان معه سبحانه وتعالى إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ لا يرضى بشركه الإله الآخر بل إن قدر على قهره وتفرد بالألوهية دونه فعل، وإن لم يقدر انفرد بخلقه، وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضًا بممالكهم إذا لم يقدر المُنفرد على قهر الآخر والعلو عليه".

واسم الله تعالى المُتَعال يلزم منه أن الله حي قيّوم أحدٌ صمد عزيز ذو الكبرياء والهيمنة والجبروت.

الدعاء بهذا الاسم العظيم:

لم يرد دليل في الدعاء بهذا الاسم ويمكن الدعاء بالمعنى فقد دعا موسى، {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:27]، اللهم إنا نعوذ بك من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.

ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ إذا خافَ قومًا قالَ: «اللَّهمَّ! إنَّا نجعلُكَ في نحورِهِم ونَعوذُ بِكَ من شرورِهِم» (صحيح؛ الألباني، تخريج مشكاة المصابيح: [2375]).

وعند ابن ماجة في أذكار الصباح والمساء قول العبد: « اللهم إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ» (صحيح؛ الألباني، صحيح أبي داوود: [5067]) وآخره: «وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي»..

فالمسلم يذكر هذا الاسم في دعائه بما يناسب حاجته، يدعو به لطلب العزة إن كان ذليلًا.

فما أحوجنا لهذا الاسم في هذا الزمان، اللهم أنت المتعال فأعزنا وأعز أهل الإسلام.

حظ المؤمن من اسمه المتعال:

1- أن يُظهر لله ذله وخضوعه فهو في جناب عز الله مسكين متواضع لعلمه أن المتعال لا يدفعه عن مراده دافع.

2- أن يعلم أن المُفسدات خمس:

أ- تعلق القلب بغير الله؛ وهذا لا شك يحدث لمن يقع في مسألة العلو في الأرض.

ب- ركوب بحر التمني وهذا أيضًا حاله.

ج- فُضول المُخالطة يفسد عليه قلبه.

د- فضول الطعام.

هـ- فُضول المنام.

خمسٌ إذا دخلت قلبك أفسدته لا محالة.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام عليه.

 

 

المصدر: موقع الكلم الطيب

هاني حلمي عبد الحميد

حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.

  • 37
  • 0
  • 70,894
المقال السابق
(35) اسم الله تعالى الحفيظ
المقال التالي
(37) اسم الله الحليم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً