الإيدز مأساة المتمرّدين على الفطرة

منذ 2015-01-08

بل إن الإسلام وضع الحدود التي تحول دون الوقوع في هذه الخطيئة، وسد الطرق منذ البداية من خلال آيات غض البصر، وتحريم الزنا قال تعالى: ((ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً)) خلافاً للمجتمعات غير المسلمة التي ينتشر فيها الزنا والعلاقات الجنسية المتعددة مما يسبب انتشاره بصورة أكبر.

نظراً لما يمثله مرض الإيدز من خطورة يمكن أن تقضي على الجنس البشري؛ فقد خصص المجتمع الدولي الأول من كانون الأول من كل عام يوماً عالمياً للإيدز، ويأتي هذا اليوم تأكيداً وتذكيراً بما يحمله المرض من أخطار فادحة للبشرية جمعاء؛ فرغم حملات التوعية العالمية التي تقوم بها المنظمات الدولية الإنسانية مازال هذا المرض يودي سنوياً بحياة الملايين، ويزداد عدد الإصابات باطّراد عاماً بعد عام؛ حيث ارتفع عدد الدول التي تعاني من فيروسات مرض فقدان المناعة لتشمل الدول الصناعية المتطورة إلى جانب معظم دول القارة السوداء والنامية عموماً.

وقد بيَّن التقرير العالمي للإيدز هذا العام أن عدد الأشخاص الذين يحملون فيروس المرض عالمياً وصل إلى أعلى مستوى له مع وجود ما يقدر بحوالي 39.4 مليون شخص عام 2004 بعد أن كان 36.6 مليون في عام 2002م، وزيادة كبيرة في نسبة النساء الحاملات لفيروس الإيدز في كل أقاليم العالم خلال العامين الماضيين, وبالذات في شرق آسيا التي ازدادت فيها بحوالي 56 في المئة, وفي أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بنسبة وصلت إلى 48 في المئة.

أمريكا مصدر الوباء:

ويعتبر أول اكتشاف للإيدز في عام 1981م في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أشارت إحدى النشرات الصادرة عن الحكومة الأمريكية إلى أن مرضاً غريباً يفتك بالعديد من الشواذ جنسيّاً من المقيمين في مدينة لوس أنجلوس، ولم يعرْ كثيرون اهتماماً كبيراً لهذا الخبر، فلم يكن ليخطر على بال أحد أن هذا المرض الذي عُرف لاحقاً بمنظومة نقص المناعة المكتسبة (Acquired Immune deficiency Syndrome) أو اختصاراً بـالإيدز (Aids) سيصيب ويقتل عشرات الملايين من البشر في غضون العشرين عاماً المقبلة، وسيتسبب في رعب لم يشهده الجنس البشري من قبل.

وبالفعـل وبعـد شهـور قليلـة من نشـر هـذا الخــبر في النشرة الحكوميـة الأمريكية أعلن مركـز التحكـم في الأمراض (Center for Disease Control) أن معدلات الإصابة بهذا المرض الجديد قد وصلت إلى مرحلة الوباء، والآن وبعد مرور عشرين عاماً تمكن فيروس نقص المناعة من إصابة عشرات الملايين من البشر لقي منهم 22 مليون شخص حتفهم، في الوقت الذي لم يتم اكتشاف تطعيم يقي من الإصابة به.

ففي الولايات المتحدة فقط وعلى الرغم من اكتشاف الفيروس المسبب للمرض منذ أكثر من عقدين، وعلى الرغم من إعلان مركز التحكم في الأمراض ساعتها أن الإصابة به قد وصلت إلى مرحلة الوباء؛ فقد تمكن فيروس الإيدز من قتل أكثر من نصف مليون أمريكي خلال هذه الفترة الزمنية، وهو ما يعادل عشرة أضعاف من قتلوا في صفوف القوات الأمريكية أثناء حرب فيتنام، والتي دارت رحاها لسنوات طويلة، واعتبرت من أكبر الخسائر العسكرية الأمريكية في التاريخ، وبلغ الوضع من السوء في أقوى دول العالم اقتصاديّاً، وأكثرها تقدماً في مجال العلوم الطبية وفي الرعاية الصحية، إلى حد أن الحكومة الأمريكية أعلنت منذ عامين، أن الإيدز يعتبر واحداً من أهم التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي الأمريكي.

أفريقيا أكبر مأساة:

وتعتبر القارة السمراء - أفريقيا - التي ترزح تحت عبء فيروس الإيدز منذ سنين أكثر القارات من حيث انتشار المرض، والذي تسبب في تغيير وجه القارة على الصعيدين الاقتصادي والسكاني؛ إذ يصيب الفيروس 30 % من السكان البالغين في الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، بينما يصيب فرداً من بين كل تسعة أفراد من سكان جنوب أفريقيا، ورغم فداحة الوضع حاليّاً فإن الخبراء يعتقدون أنه سيزداد سوءاً بمراحل بمرور الأيام عما هو عليه الآن، ولا يعتقد هؤلاء الخبراء أيضاً أنه يوجد أي سبب يدعو للتفاؤل والأمل في تحسن الأوضاع الحالية.

وتظل أفريقيا أكثر قارات العالم تأثراً بهذا الفيروس القاتل، فنادراً ما تجد فرداً من سكان القارة جنوب الصحراء إلا وله قريب ما توفي بالمرض أو مصاب حاليّاً بالفيروس، وهو ما يشكل ضغطاً رهيباً على مجمل الخدمات الصحية في تلك الدول، ويقلل من متوسط أعمار الناس فيها، فعلى سبيل المثال نجد أن دولة مثل زيمبابوي لن تشهد أية زيادة في السكان في العام المقبل، لأن عدد الوفيات بسبب الإيدز وغيره من الأمراض سيكون مساوياً لعدد المواليد الجدد، بينما ستشهد دول أخرى نقصاً في عدد سكانها؛ ففي بعض القرى الأفريقية قضى الفيروس تقريباً على جيل كامل من البالغين فيها.

ولا يقتصر تأثير الفيروس على التغيرات السكانية، بل يتعدى ذلك إلى جميع أوجه الحياة وخصوصاً الجانب الاقتصادي منها، فلأن الفيروس يصيب ويقتل غالباً الشباب وصغار السن، أدى ذلك إلى فقدان الدول المستوطن فيها الفيروس لجزء كبير من الأيدي العاملة الفتية، وهو ما كان له تأثير سلبي واضح على الكثير من الصناعات كصناعة التعدين مثلاً.

ويخشى الخبراء أن ما حدث في أفريقيا واستغرق فقط عقدين من الزمان قد بدأ يحدث أيضاً في آسيا، حيث لا يزال الوباء في القارة الصفراء في مراحله الأولى؛ ففي تقرير لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز (UNAids)، حذر الخبراء من أن الصين على شفا انفجار وبائي لانتشار الفيروس لم يسبق له مثيل، وقدر التقرير عدد المصابين بالفيروس في الصين في نهاية العام الماضي بحوالي 1.5 مليون شخص.

أي أن عدد المصابين بالفيروس في الصين تضاعف ثلاث مرات خلال عامين لا أكثر، حيث كان يقدر في عام 1999م بحوالي نصف مليون فقط، ويقدر التقرير أيضاً أنه بحلول عام 2010 سيصل عدد المصابين في الصين إلى أكثر من 10 ملايين شخص.

النساء أكثر عرضة للإصابة:

وقد حذر خبراء دوليون بمناسبة اليوم العالمي للإيدز من أن عدد النساء الحاملات لفيروس نقص المناعة المكتسبة (إتش آي في) المسبب لمرض الإيدز ازداد في كل منطقة من مناطق العالم على مدى السنتين الماضيتين, مع ارتفاع حاد في شرق آسيا ثم في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.

وقد بيَّن التقرير العالمي للإيدز هذا العام - الذي ركز على النساء والفتيات كأهم أساس لحملات الإيدز الحالية - أن نصف عدد المصابين بالمرض في العالم في سن (15 - 49) من النساء, مشيراً إلى أن أكبر زيادة عالمية حدثت في أعداد المصابات بالإيدز كانت في مناطق شرق ووسط آسيا وأوروبا الشرقية, حيث فاقت أعداد النساء المصابات أعداد الرجال المصابين.

لأجل هذا يكرس اليوم العالمي للإيدز الذي يوافق الأول من (ديسمبر) من كل عام, ويأتي هذا العام تحت عنوان "النساء والفتيات في مواجهة فيروس ومرض الإيدز" وشعاره "هل ستصغون إليّ أخيراً?", لوضع النساء في صلب التحرك العالمي لمكافحة المرض، ووقف التمييز الذي يقعن ضحيته دائماً، ويحرمهن من حقوقهن في التعليم والرعاية الصحية والعمل, وخصوصاً أنه في عدد كبير من الدول يصعب على النساء رفض العلاقات الجنسية المحفوفة بالمخاطر، أو فرض استخدام الواقي كأهم طرق الوقاية الضرورية ضد الإيدز.

وأوضح الخبراء في لجنة البرنامج المشترك للأمم المتحدة "يو إن إيدز" أن النساء أكثر استعداداً من الناحية الفسيولوجية والبيولوجية للإصابة بالإيدز مقارنة مع الرجال, فالانتقال الجنسي للفيروس من الرجل إلى المرأة أكثر انتشاراً بحوالي الضعف من الانتقال من المرأة إلى الرجل.

أسباب الوباء:

ويكمن انتقال فيروس الإيدز في ثلاثة أسباب:

1- الاتصال الجنسي وهو السبب الرئيسي لانتقال فيروس الإيدز.

2- التعرض للدم الملوث.

3 – انتقال الفيروس من الأم الحامل إلى الجنين.

ولكن تعتبر أغلب حالات انتقال الفيروس المسبب للإيدز في الغرب نتيجة للعلاقات الجنسية المثلية، بينما يختلف الوضع في إفريقيا حيث ينتقل عن طريق العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء.

كما أن الفقر والحروب وضعف مستويات التعليم والتثقيف الصحي وهجرة أعداد كبيرة من البشر من بلد إلى بلد كلها كانت عوامل توسع من نطاق الإصابة، وتزيد من شدة الوباء.

ومن العوامل التي زادت أيضاً من تفاقم الوضع تراخي الحكومات في التعامل مع بعض المشكلات الاجتماعية الخطيرة مثل: مشكلة انتشار إدمان المخدرات، وخصوصاً عن طريق الحقن والتي تُعتبر السبب الرئيسي لمعظم حالات العدوى الجديدة بالفيروس، فعلى سبيل المثال ظهر وباء الإيدز في الكثير من الدول الآسيوية أول ما ظهر بين مدمني المخدرات، ثم زادت معدلات الإصابة بين هؤلاء المدمنين من 1 في المئة إلى أكثر من 40 في المئة، وفي غضون أقل من عام واحد.

لا علاج حتى الآن:

ورغم التقدم العلمي الذي تم في مجال علاج الإيدز إلا أنه لم يكن كافياً للسيطرة على المشكلة، لأن شكل وحجم الوباء بوضعه الحالي كانا نتيجة خليط قاتل من الأوضاع الاجتماعية المتردية، والسياسات الحكومية العقيمة.

وكما أنه لا يوجد حاليّاً تطعيم يقي من الإصابة بفيروس الإيدز، وإن كانت وسائل الإعلام قد تناقلت في فبراير الماضي خبراً يحمل بعض الأمل في طياته، حيث ظهرت بعض النتائج الإيجابية ضمن تجارب أجريت على نوعين من التطعيمـــات ضد الفيروس المسبب للإيدز والمعــروف بـ(HIV)، وتهدف هذه التطعيمات إلى التحكم في الفيروس عن طريق تحفيز دفاعات الجسم الطبيعية ومن خلال جهاز المناعة على مهاجمة الفيروس والقضاء عليه، وتشرف على هذه التجارب الجديدة شركة الأدوية الأمريكية العملاقة (Merck) التي تأمل إذا ما نجحت التجارب على هذه التطعيمات أن يتم استخدامها لزيادة كفاءة العقاقير المستخدمة حاليّاً للتحكم في الإصابة بالفيروس.

ويأمل القائمون على هذه التجارب في أن التحكم بالفيروس لدى الأشخاص المصابين به سيقلل من احتمالات انتقال العدوى منهم إلى الأشخاص الآخرين، أما التطعيم الذي سيقي من الإصابة بالفيروس فالباحثون يرون أنه لا يزال من المبكر اختراعه.

أما على صعيد العلاج فيوجد حالياً العديد من العقاقير التي تهاجم الفيروس أثناء مراحل مختلفة من حياته داخل الجسم البشري، وثبت أيضاً أن المزج بين هذه العقاقير في العلاج يؤدي إلى نتائج أفضل بكثير مما لو استخدم كل منها على حدة، وبالفعل نجح مزيج هذه العقاقير في كل من الولايات المتحدة وأوروبا في خفض هائل في عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس، ونجحت أيضاً هذه العقاقير في خفض أعداد الفيروس في أجسام بعض الأشخاص المصابين به، لدرجة أصبح معها من الصعب العثور على الفيروس في أجسادهم، ولكن يعيب هذه العقاقير شدة الأعراض الجانبية المصاحبة لها، وعدم فاعليتها لدى بعض الأشخاص، بالإضافة إلى تكلفتها الباهظة والتي تجعلها بعيدة المنال عن الملايين من المصابين في أفريقيا وغيرها من مناطق العالم الفقيرة.

وبعد مرور عقدين من الزمان على ظهور الفيروس في لوس أنجلوس، وبعد أن راح ضحيته أكثر من 22 مليون شخص، وبعد إنفاق المليارات من الدولارات دون جدوى من أجل إيجاد علاج أو تطعيم، لا يزال الخبراء يحذرون من أننا لم نر بعد التأثير الكامل للإيدز على الجنس البشري، فحسب تحذيرات هؤلاء الخبراء لا يزيد كل ما نشهده حاليّاً على كونه قمّة جبل الجليد القادم باتجاهنا، وأن أعداد الضحايا بسبب الأوبئة التي أصابت الجنس البشري عبر التاريخ(؟؟)

المرض في السعودية:

وقد أعلن مسؤول صحي سعودي زيادة أعداد المصابين بمرض الإيدز في المملكة العربية السعودية حيث بلغ عدد المصابين 1743 مصاباً.

وقال وكيل وزارة الصحة المساعد للطب الوقائي الدكتور يعقوب المزروع أن عام 2003م شهد زيادة في أعداد المصابين بالإيدز في السعودية بنسبة 17 % مقارنة بالعام الذي قبله.

وأوضح أنه تم تسجيل 238 حالة جديدة مصابة بالمرض في العام الماضي، بينما تم تسجيل 204 حالات عام 2002م مشيراً إلى أن مناطق جدة و الرياض و جازان والمنطقة الشرقية تمثلان أكثر المناطق تسجيلاً للحالات المكتشفة.

وأكد الدكتور المزروع أن المرضى السعوديين المصابين بمرض الإيدز يتلقون العلاج المجاني في ثلاثة مراكز متخصصة تم افتتاحها في مجمع الرياض الطبي ومستشفى الملك سعود بمدينة جدة ومستشفى الدمام المركزي؛ حيث تم تزويدها بأحدث الأدوية، وأدق التحاليل المخبرية لمتابعة المصابين.

الإسلام علاج رباني:

ورغم ما يمثله هذا المرض من كارثة وخطورة تهدد العالم فإن تجنب هذا المرض سهل للغاية؛ حيث نستطيع حماية أنفسنا بأنفسنا وذلك بالالتزام بالسلوكيات القويمة، والعفّة التي يحض عليها الإسلام من خلال تجنب الزنا واللواط، وحكم الإسلام معروف في تحريم اللواط والسُّحاق والشذوذ الجنسي، ولقد حذرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من اقتراف الفاحشة لأنها ستكون سبباً في ظهور كثير من الأمراض التي لم تظهر من قبل؛ فقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:" يا معشر المهاجرين!! خمس إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن -: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا"(ابن ماجة).

بل إن الإسلام وضع الحدود التي تحول دون الوقوع في هذه الخطيئة، وسد الطرق منذ البداية من خلال آيات غض البصر، وتحريم الزنا قال تعالى: ((ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً)) خلافاً للمجتمعات غير المسلمة التي ينتشر فيها الزنا والعلاقات الجنسية المتعددة مما يسبب انتشاره بصورة أكبر.

كما أن الختان الذي يعتبر من سنن الفطرة في الإسلام عامل وقاية؛ فقد أكد باحثون أمريكيون إن ختان الذكور قد يحمي الرجال من الإيدز، لكنهم اعترفوا بأنهم لم يتوصلوا بعد إلى التفسير العلمي الذي يدعم نظريتهم.

  • 158
  • 2
  • 19,853

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً