حول ظاهرة انتشار جراحات التجميل

منذ 2015-01-20

روى البخاري ومسلم أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة". قال العلماء عليهم -رحمة الله-: الواصلة هي التي تصل شعرها أو شعر غيرها بشعر آدمية أو بشعر صناعي، والمستوصلة هي التي تطلب من شخص آخر أن يفعل ذلك بشعرها، واللعن هو الطرد من رحمة الله.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قرأت منذ سنوات إعلانًا في إحدى الجرائد صادرًا عن أحد مراكز جراحات التجميل يعدد مواهبه وإمكانياته على النحو التالي:

1- تكبير بعض أجزاء الجسم (أو تصغيرها).

2- تفتيح لون البشرة.

3- شد الوجه.

4- تنسيق القوام.

5- الوشم.

وغير ذلك كثير كثير. راجعتها جميعًا فلم أجد منها شيئًا مباحًا، ولكنها تغيير لخلق الله دون ضرورة تبيح المحظور، ثم توالت الإعلانات وكثرت مراكز جراحات التجميل ولاقت رواجًا بين الفاسقات اللاهثات وراء سراب الشهرة والجمال، وفيما يلي حكم الشرع في عمليات جراحات التجميل.

أولاً: يقول ربنا- تبارك وتعالى - في معرض الحديث عن الشيطان الرجيم: لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله النساء: 118، 119.

ثانيًا: روى البخاري ومسلم أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة". قال العلماء عليهم -رحمة الله-: الواصلة هي التي تصل شعرها أو شعر غيرها بشعر آدمية أو بشعر صناعي، والمستوصلة هي التي تطلب من شخص آخر أن يفعل ذلك بشعرها، واللعن هو الطرد من رحمة الله.

ثالثًا: روى البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة.

قال العلماء عليهم رحمة الله: الواشمة هي التي تصنع الوشم لنفسها أو لغيرها، والمستوشمة هي التي تطلب من غيرها أن يصنع الوشم لها.

رابعًا: روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - "لعن الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله".

قال العلماء عليهم رحمة الله: النامصة هي التي تأخذ من شعر حاجبها أو حاجب غيرها وترققه ليصير حسنًا، والمتنمصة هي التي تطلب من غيرها أن تفعل ذلك بحاجبها.

والمتفلجة هي التي تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض قليلاً وتحسنها، وهو الوشر.

خامسًا: روى الإمام مسلم عن جابر - رضي الله عنه - أن أبا قحافة والد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - جاء يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "غيروا هذا واجتنبوا السواد". والثغام نبات أبيض.

قال العلماء عليهم رحمة الله: يجوز خضاب شعر اللحية والرأس الأبيض بالحناء الصفراء أو الحمراء.

مما سبق نخلص إلى ما يلي:

1- تنسيق قوام الجسم بتكبير بعض أجزائه (أو تصغيرها) حرام لأنه تغيير لخلق الله.

2- تفتيح لون البشرة حرام لأنه تغيير لخلق الله، والله - تعالى - يقول: ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم الروم: 22.

3- شد الوجه وصبغ الشعر بالسواد، حرام لأنه تغيير لخلق الله، ولأن فيه تدليسًا حيث يوحي للآخرين بأن هذا الشخص أو تلك المرأة أصغر سنًا من الحقيقة.

4- الوشم والنمص ولبس الباروكة وتصغير الأسنان حرام لأنه يستوجب اللعن وهو الطرد من رحمة الله.

5- عمليات شفط الدهون وشد الترهلات وتكبير بعض أجزاء الجسم أو تصغيرها تستخدم فيها طرق تؤدي أحيانًا إلى الشلل أو اختلال نسبة الهرمونات بالجسم، وتحتاج أحيانًا إلى تعريض الجسم لبعض الجلسات الكهربائية أو غير ذلك، والغرض الأساسي منها هو الربح المادي للأطباء، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى مضاعفات خطيرة تتسبب في اعتلال الصحة وربما الموت.

6- المرأة التي تُجرى لها عمليات التجميل تتكشف للأطباء الذكور دون ضرورة قهرية إلا ما يزينه لها الشيطان من السعي وراء سراب الجمال والشهرة.

7- القرار في البيت واجب على نساء المسلمين جميعًا، والمرأة المسلمة إذا اضطرت للخروج تخرج منتقبة حتى لا يرى الرجال الأجانب وجهها، ويتأكد ذلك في حق الشابة الجميلة جمالاً طبيعيًا حتى تعين إخوانها المسلمين على غض البصر، وحتى تتشبه بنساء الجنة من الحور العين اللاتي قال عنهن ربنا جل جلاله: حور مقصورات في الخيام الرحمن: 72، وهذا معناه أنها تحفظ نفسها ولا تخرج من بيتها حتى لا يراها إلا زوجها من أهل الجنة، وقال - تعالى -أيضًا: فيهن قاصرات الطرف الرحمن: 56، وهذا معناه أن المرأة من الحور العين لا تنظر إلا إلى زوجها، وهذا لا يتأتى إلا بالقرار في البيت.

وعلى ذلك فإن أي امرأة مسلمة عفيفة تطمع في دخول الجنة عليها أن تتشبه بنساء الجنة من الحور العين بألا تنظر إلى رجل غير زوجها أي أنها تغض بصرها عن سائر الرجال الأجانب، وهي في نفس الوقت لا تعطي فرصة لأي رجل غير زوجها للنظر إليها (وذلك بالقرار في البيت).

8- استخدام مستحضرات التجميل المعاصرة لدهان الشفتين والعينين والخدين والأظفار ربما يكون التورع عنه أحوط، وإذا اضطرت المرأة لذلك لتعف زوجها عن النظر المحرم فليكن ذلك مقصورًا في البيت في غير حضرة الرجال الأجانب، بل ويستحب في غير حضرة المحارم؛ لأن ذلك قد يحرك الشهوة عندهم، وفي غير حضرة الأطفال المميزين لأنهم قد يصفون حال أمهم في البيت لغير المحارم، ثم إن هؤلاء الأطفال قد تختل عندهم القيم عندما يرون أمهم تتشبه بالفاسقات اللاتي يخرجن إلى الشوارع متزينات.

وبإحصائية بسيطة إذا اعتبرنا وجود حوالي 32 مليون أنثى بمصر نصفهن أي حوالي 16 مليون امرأة ما بين العشرين عامًا والخمسين عامًا، وإذا اعتبرنا أن نصف هؤلاء (يعني حوالي 8 مليون امرأة) يستعملن مستحضرات التجميل بمعدل لا يقل عن عشرة جنيهات شهريًا لكل امرأة فإن الحصيلة حوالي 80 مليون جنيه شهريًا، أي حوالي مليار جنيه في العام الواحد تنفق لتزيين النساء المسلمات للناظرين من الرجال الأجانب وللإعانة على إثارة الغرائز والشهوات وللحيلولة دون غض البصر.

فإذا تورعت النساء المسلمات عن استعمال مستحضرات التجميل فإن الحصيلة (مليار جنيه سنويًا) يمكن توظيفها لإطعام الجائعين من المسلمين والمسلمات ولعلاج المرضى منهم، بل لبناء مساكن للأحياء الذين يسكنون القبور مع الموتى!

9- عمليات التجميل رغم حرمتها في الغالب فإنها قد تجر على صاحبتها وأسرتها مصائب تتلخص فيما يلي:

أولاً: دفع الكثيرين من الرجال إلى عدم غض البصر أمام إغراء الجمال المصطنع. بل ودفع بعض الفساق إلى مغازلة تلك المرأة الجميلة، وفي ذلك مفاسد كثيرة قد تؤدي إلى انحراف تلك المرأة الجميلة وسقوطها في أوحال الرذيلة أمام تكرار تلك المغازلات، بل قد تحدث تلك المغازلات أمام الزوج فيجد نفسه مضطرًا إلى التشاجر مع هؤلاء الفساق، وربما يضطر في النهاية إلى طلاق تلك الزوجة التي تجر عليه المشاكل، وفي بعض الأحيان يغري بعض الفساق تلك المرأة الجميلة لطلب الخلع من زوجها ليتزوجها أحدهم.

ثانيًا: المرأة الجميلة قد تعرض نفسها في أوساط النساء إلى الحسد الذي لا تحمد عقباه، وكما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: "العين حق". ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر". رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.

كما أن أي امرأة فاسقة قد تصفها لزوجها أو لغيره، وقد نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن أن تصف المرأة امرأة أخرى لزوجها كأنه ينظر إليها. رواه البخاري ومسلم.

أيضًا فإن المرأة سقيمة القلب قد تكون شهوتها موجهة نحو بنات جنسها، ومثل هذه لا يحل للمرأة المسلمة العفيفة مجالستها ولا الخلوة بها.

10- هل هناك عمليات تجميل مباحة شرعًا؟

في بعض الأحيان تكون عملية التجميل مباحة أو مستحبة أو واجبة على النحو التالي:

أولاً: وجود عيب خلقي بجسم الإنسان يمنع أحد أعضاء الجسم من أداء وظيفته أو يقلل كفاءته، مثال ذلك:

أ- شخص عينه مغلقة أو عليها سحابة تمنع الرؤية، هذا يحل له إجراء عملية لتمكين عينه من الرؤية.

ب- شخص فمه أو شفته مشقوقة تعوق الكلام والطعام والشراب، لا حرج هنا في إجراء عملية جراحية لتصحيح هذا العيب.

ج- شخص أذنه مغلقة أو بها ثقب في الطبلة بحيث لا يمكنه السماع أو عنده ضعف في السمع، فإذا كانت العملية الجراحية تعيد إليه السمع أو تقويه فلا مانع من إجراء تلك العملية.

د- شخص يده ملتوية أو أصابعه معوجة أو هناك تشوهات تعوق أداء تلك اليد لوظيفتها؛ هنا لا جناح من إجراء عملية جراحية لتصحيح الحالة غير الطبيعية.

هـ- شخص له ساق أطول من الأخرى بدرجة تؤثر على مشيته، لا مانع من إجراء عملية جراحية لزيادة طول الساق القصيرة لتصبح مثل الساق الأخرى.

و- شخص إحدى أسنانه أطول من بقية الأسنان بدرجة ملحوظة تؤذيه، هنا يباح تقصير السن الطويل لإزالة الضرر. وهكذا.

ثانيًا: حدوث تشوهات بجسم الإنسان نتيجة حادث سيارة أو حريق أو حالة مرضية. هنا يرخص بالتدخل الجراحي لإعادة الوضع إلى ما كان عليه؛ لأن القاعدة الشرعية هي: "لا ضرر ولا ضرار". ويستفتى في ذلك علماء الدين وعلماء الطب على النحو التالي:

علماء الدين: هل هذه العملية مباحة شرعًا؟ ولا يكتفي بسؤال عالم واحد، بل تسأل لجنة الفتوى بالأزهر، أو عدد من العلماء المشهود لهم بالعلم والورع.

علماء الطب: هل يغلب على الظن نجاح هذه العملية؟ وهل لها أضرار؟

ويشترط سؤال أكثر من طبيب ماهر في مهنته مشهود له بخشية الله بحيث لا يكون كل همه جمع المال والربح المادي.

11- أقول للفتيات: الزواج ليس هو نهاية المطاف ولكن قد يكون بداية لسلسلة من البلايا والمتاعب أشهرها حياة زوجية تعيسة تنتهي بالطلاق غالبًا، وربما حياة زوجية هادئة ولكن بدون إنجاب، أو إنجاب أطفال معوقين.

12- الله - تعالى -أنعم على كل مخلوق بنعم كثيرة، فمن ابتغى ما عند الله بمعصية الله فعليه دفع ثمن ذلك من النعم الحلال- أي بفقد الصحة أو المال أو العيال- أو ربما بسوء الخاتمة والعياذ بالله.

13- الوظيفة الأساسية للمرأة المسلمة هي عبادة الله وتربية الأجيال، ولا يصح ولا يليق بالمرأة المسلمة أن ترضى لنفسها أن تصبح وسيلة للترفيه عن راغبي المتعة الحرام بالنظر إلى محاسنها والاستمتاع بالحديث معها والأنس بمجالستها وشم رائحة عطرها، وغير ذلك مما يعف اللسان عن ذكره، وفي التلميح ما يغني عن التصريح.

14- مستحضرات التجميل التي كانت معروفة على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كانت قاصرة على العطر والكحل والحناء للرجال والنساء على السواء، وكانت المرأة لا تخرج من بيتها إلا لضرورة، والضرورة بقدرها، وإذا خرجت فلا تخرج متعطرة ولا تكشف وجهها.


حسن إبراهيم حجاب

  • 0
  • 0
  • 5,748

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً