تمرد الحوثي في اليمن وأبعاد التحالف الشيعي الأمريكي في المنطقة! (2)
وقد تمكنت قوات الأمن و الجيش من إفشال محاولة للهروب قام بها بدرالدين الحوثي وقيادات من تنظيم "الشباب المؤمن" وعدد من أتباعه، إلى إحدى دول الجوار. * مما اضطر بدرالدين الحوثي ومن معه للاختفاء في مناطق القبائل الموالية لهم! حيث لا تزال الدولة تفرض عليها طوقا أمنيا وتعمل على تمشيط المنطقة بحثا عنه!!
مواقف داخلية:
موقف التجمع اليمني للإصلاح:
لم يصدر عن التجمع اليمني للإصلاح بيان مستقل بشأن الأحداث في صعدة؛ كما لم تحظ الأحداث بتناول موسع من صحيفة "الصحوة"، بل اكتفت الصحيفة بإيراد الأخبار المتعلقة بالأحداث! ويفسر ذلك ما قاله الأمين العام المساعد للتجمع اليمني للإصلاح في تصريح لصحيفة (الأيام 4451) بأنه من الصعب معرفة ما يدور في صعدة، ومن الصعب الحصول على تفصيلاته، مرجعاً السبب إلى أن الحكومة تنتهج نهج التعتيم في القضايا الأمنية ولا تسرب من المعلومات إلا ما تقتنع به.
لكنه أضاف: "إذا كانت الحكومة تنتهج نهجاً خطأ في تعاملها مع القضايا الأمنية؛ فإن الضرورة تقتضي أن تطرح قضية صعدة على مجلس النواب، وبالذات على هيئة الرئاسة، وإذا رأت الهيئة أن تطلب انعقاداً استثنائياً للمجلس؛ هذا سيكون مطلوباً ومعناه أنها استجابت في الوقت المناسب".
لقد بدى موقف التجمع اليمني للإصلاح، وهو الذي تجمعه علاقة ود مع الرئيس علي عبدالله صالح حيث يعتبره صمام الأمان لليمن، مفضلا عدم الإنجرار وراء الأحزاب الشيعية والحزب الاشتراكي الموالي لها. وهذا ما حدا بالرئيس اليمني للإشادة بموقف الإصلاح واستثنائه من الاتهام بالوقوف وراء تمرد الحوثي!
وفي محاولة لكسب تعاطف الإصلاح مع المؤتمر، وربما تكون هي الحقيقة، نشرت صحيفة (الشموع 279) عن اكتشاف وثيقة كتبها رئيس أحد فروع المؤتمر الشعبي العام في محافظة عمران (ممن يوالون الحوثي) موجهة إلى الأمين العام لحزب الحق أوضح فيها أنهم يعملون جاهدين لتمزيق القبائل وبث ونشر الخلاف بين الإصلاح والمؤتمر، والضغط على بعض المدرسين المتخرجين على أيديهم للسعي معهم في تحقيق هذا الهدف، وختم رسالته بالتأكيد على أنه لن ينفعهم المؤتمر أو الإصلاح، و"إنما الملكية"!
ومن المؤسف بحق في موقف الإصلاح، وهو يحاول أن يبقي تحالفه مع أحزاب اللقاء المشترك، أن يغفل الأبعاد العقائدية والتآمر الخفي بين الشيعة (الروافض) والولايات المتحدة الأمريكية في خطابه الجماهيري لتوعية الناس بحقيقة تمرد الحوثي وتجنب الفتنة التي قد تلحق بالبلاد..مع إمكانية تحفظه على معالجات الدولة وسياسات السلطة!
وهذا الموقف نفسه يؤخذ على علماء اليمن والتيار الدعوي السني الذين لم يصدر أي بيان لهم في تجلية الأحداث وبعد المؤامرة، ولعل ذلك لكونهم مغيبين من الدولة وغير مطلعين على حقيقة ما يجري! لكن ذلك لا يعفيهم من المسئولية!
موقف الحزب الاشتراكي اليمني:
تربط "الحزب الاشتراكي اليمني" بالتيار الشيعي علاقة حميمية دافئة، فقد وقفت الأحزاب الشيعية إلى جانب الحزب الاشتراكي في أزمة وحرب 1994م، وهم منذ سقوط مؤامرة الانفصال في صف معاد للسلطة، ويجمعهم مع أحزاب أخرى مجلس "اللقاء المشترك"! وقد ربط الرئيس اليمني بين التيارين وبين تمرد الحوثي وحركة الانفصال التي أشعلها الاشتراكيون في 1994م في أكثر من خطاب وحديث صحفي!
وفي رسالة وجهها رئيس الجمهورية لأبناء محافظة صعدة عقب مقتل حسين بدرالدين الحوثي اعتبر أن "ما قام به الحوثي لا يقل خطورة عما قام به الانفصاليون لتمزيق الوحدة الوطنية وإثارة الفتن والبغضاء والأحقاد في المجتمع"، وأن كليهما "يمثلان وجهان لعملة واحدة ويسعيان في اتجاه هدف واحد".*
ويبدو أن الاشتراكي يحاول رد الجميل لحسين الحوثي ووالده، اللذين وقفا معه في حرب 1994م واضطرا إلى الهرب خارج البلاد عقب فشل الاشتراكي في مخططه، باستغلال الحدث إذا لم يكن في الحقيقة ذو صلة به- فصحيفة الحزب تشن حملة مستمرة على السلطة، وقد أضافت أحداث صعدة الأخيرة وجبة دسمة للحديث عن إرهاب الدولة وإجرامها.. وما هنالك من الاتهامات!
إن تحالف الاشتراكي والتيار الشيعي الذي تمثله أحزاب (الحق واتحاد القوى) وحركة الحوثي تقف وراءه دوافع مشتركة، منها غيابهم الكلي عن السياسة بعد أن كانوا يمتلكون مقاليدها، وحلمهم للعودة إلى السلطة، ونزعتهم العدائية للمذهب السني وللتيار السلفي المتنامي في اليمن بشكل أخص!
موقف أحزاب اللقاء المشترك*:
في افتتاحية بعنوان "الأيادي الخفية في فتنة الحوثي" اتهمت صحيفة "26 سبتمبر" (عدد 1183 في 14/4/2005م): "أفراداً وأحزاباً وقوى سياسية وأطرافاً خارجية" في الوقوف وراء الحوثي دون أن تسمها. وكان رئيس الجمهورية قد هدد قيادات أحزاب "اللقاء المشترك" بالملاحقة، متهما إياها بالتورط في التمرد الذي قاده حسين بدر الدين الحوثي، واصفا الأمر بأنه "خيانة"، ولمح إلى ملاحقة قياداتها مستثنيا "التجمع اليمني للإصلاح" -الحليف السابق للحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام. وقال صالح في خطاب ألقاه إمام مجلس الشورى في سبتمبر 2004م: "إننا نعرف حق المعرفة من يوجه تلك الصحف التي كانت إلى جانب التمرد ونعرف من أين يدفع لكتابها، ومن يدفع لهم ونعرف من يتسكعون على أبواب السفارات ويتحدثون عن الديمقراطية. فالذين يتحدثون عن الحرية والديمقراطية مجندون هم وأولادهم وبناتهم داخل السفارة الأميركية ثم يقولون: الموت لأميركا".
وفي حين أن أحزاب اللقاء المشترك ظلت صامتة إزاء فتنة الحوثي الأولى إلى أمد معين، إلا أنها بعثت برسالة لرئيس الجمهورية يوم الخميس الموافق 23/6/2004م، تطلب فيها تحديد موعد للقاء به للتعرف على ما يجري، لكن لم تتم الاستجابة لهذا الطلب! مما حدا بها لإصدار بيان في (28/6/2004م)، وحددت موقفها فيما يلي:
- مطالبة السلطة بالمكاشفة في القضايا الوطنية والأمنية، نظرا لوجود التعتيم الإعلامي من قبلها حول الأحداث، وتجنب هذا الأسلوب الضار "الذي يزيد من تعقيد القضايا والمشكلات ويصعّب الحلول".
- دعوة "مجلس النواب إلى القيام بواجبه الدستوري في إجلاء الحقائق وبيانها للشعب وتصحيح هذا المسار المعوج الذي تنتهجه الحكومة تجاه القضية الأمنية وإطلاع الرأي العام على حقيقة ما يجري في محافظة صعدة، والكشف عن كافة التجاوزات للدستور والقانون من أي طرف كان كمقدمة لإحالة مرتكبيها إلى العدالة".
- إدانة أية معالجات خارج الدستور والقانون في هذا الإطار؛ وهو ما يشير ضمنيا إلى استنكار أسلوب الدولة، واتهامها بخرق الدستور والقانون! فقد جاء في مقدمة البيان وصف الدولة باستخدام الأسلوب ذاته "الذي يتم التعامل به مع كافة القضايا الأمنية بهدف استخدامها كورقة سياسية لتصفية الحسابات والثارات السياسية وتقليص مساحة الحريات العامة، واستمرار لغة التخوين والتشكيك في وطنية الآخرين، ومحاكمة نواياهم بعيداً عن التوجه الديمقراطي المنشود وروح الدستور"!
وبدأت صحف الشيعة والاشتراكي بشن حملات إعلامية على الحكومة، متهمة إياها بقتل المواطنين!
وفي المواجهات الأخيرة التي قام بها بدرالدين الحوثي، بادرت أحزاب اللقاء المشترك بإصدار بيان مشترك بعد أن ظلت صامتة لأيام معدودة، نتيجة تباين المواقف بين هذه الأحزاب كما فسرها البعض.
ففي حين فضل الإصلاح البقاء على ود مع الرئيس علي عبدالله صالح، كان الحزب الاشتراكي ميالا لدعم الحوثي ومن معه! أما حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية فقد رفضا ما يحدث في صعدة، باعتبار التوافق في المذهب والانتماء الطائفي.
وقد أكدت الأحزاب في بيانها الصادر في 7/4/2005م، على: "عقم وعدم سلامة الأساليب والإجراءات التي تنتهجها الحكومة في معالجة هذه القضية، وهو ما سبق لأحزاب اللقاء المشترك أن حذرت منها، ونبهت على مغبات استمرارها واستمرائها".
وأكد البيان رفض وإدانة "استخدام القوة والعنف خارج إطار الدستور والقانون، وكذا إدانة كل أشكال التطرف السلالي والمذهبي والمناطقي والأسري"، داعيا إلى ضرورة التمسك والالتزام بالدستور والقانون، والكف عن الممارسات والادعاءات الخارجة عنهما في إشارة للدولة!
وجدد البيان دعوته لمجلس النواب للقيام بدوره الدستوري، نظراً للتعتيم الذي تنتهجه الحكومة في معالجة القضايا الأمنية، مهما عظم حجمها؛ وطالب المجلس بالمسارعة إلى تشكيل لجنة قادرة على مباشرة التحقيق النزيه فيما يجري وبحياد تام واستقلالية أكيدة، وإطلاع الشعب على الحقائق أولاً بأول، وتفادي آثارها وتداعياتها المدمرة.
وقد رحبت الحكومة في حينه بما جاء في البيان الذي بدا محايدا!
موقف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر:
وصف الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر -رئيس مجلس النواب اليمني وشيخ مشائخ حاشد- أتباع بدر الدين الحوثي المطارد من الأمن في محافظة صعدة بأنهم: "شرذمة متمردة مغالية في نهجها المذهبي والفكري". واعتبر الشيخ الأحمر في -حوار أجرته معه صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية- التمرد الذي تزعمه حسين الحوثي "تعصبا عنصريا يتنافى مع العقيدة الإسلامية"، نافيا أن يكون لأتباع الحوثي "أية صلة بالمذهب الزيدي، الذي تعايش مذهبيا مع المذاهب الأخرى لنحو 1200 عام"، واصفا إياهم بـ"غلاة الشيعة".
تناولات الأحداث في الوسائل الإعلامية:
لم تتمكن وسائل الإعلام والفضائيات المختلفة من الدخول إلى مواقع الأحداث كما كان حاصلاً في تمرد حسين الحوثي -العام الماضي- نظرا لمنع الدولة إياها من دخول المنطقة! واكتفت وسائل الإعلام بإيراد الخبر دون صور للمواجهات، في حين قامت بعض الفضائيات المحسوبة على التيار الشيعي الإثنى عشري بالتفاعل مع الحدث، حيث خصصت قناة "العالم" الشيعية في برنامجها "بعد الحدث" حلقة خاصة لمناقشة أحداث التمرد الذي يقوم به بدرالدين الحوثي في صعدة تعمدت فيه عدم إشراك شخصيات يمنية من الداخل، كما تناولت القنوات الفضائية الشيعية "سحر -المنار -الفرات -الأنوار" أحداث صعدة، وقامت بتغطيتها إخبارياً.
صحف الشيعة في الداخل:
حاول المحرر السياسي لصحيفة "الأمة" -لسان حزب "الحق"- في افتتاحية العدد (329) الربط بين ما تقوم به الدولة والحملة الدولية ضد الإرهاب، وكأن المذهب "الزيدي" هو المستهدف فيها أو أن الحوثي الرجل الثالث في القاعدة بعد "أيمن الظواهري"!!
يقول الكاتب إن "السلطة ارتضت لنفسها دور الشريك مع من هب ودب فيما سمي بالحرب على الإرهاب"!! ثم يربط الكاتب بين أمريكا والسعودية (بالتلميح)، والمواجهات القائمة فيقول: هناك "توافق أمريكي إقليمي مع السلطة في شن مثل هذه الحروب، التي يكون الخاسر فيها هو الوطن والنظام، والمنتصر فيها هو المخطط المحاك لليمن في خارطة الشرق أوسطية"، ويتساءل: "إن كان من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه الحرب المشئومة على صعدة مع مناورات عسكرية مع دولة شقيقة تجري بالقرب من مناطق الأحداث"!!
وبعد أن يتهم الحكومة اليمنية بالوقوف مع أمريكا في حربها ضد الإرهاب يعاود الكاتب اتهامها بالتحالف مع "أيديولوجيا المصادرة والتكفير الذي يمثل جزءاً من الدوافع لما يجري في صعدة وخارجها"!!
وحاولت الصحيفة التأكيد على توصيف ما يجري بأنها حرب ضد المذهب الزيدي، فقالت في افتتاحية العدد (328): "إن حروب الإبادة بدوافع طائفية مريضة أو لثارات مذهبية خاطئة لهي المعركة الخطأ في الزمان والمكان الخطأ، حتى لو كانت لحسابات دولية وإقليمية وداخلية؛ فالسلطة تتحمل تبعاتها، ويدفع ثمنها الوطن"!
صحيفة "البلاغ" من جانبها والمحسوبة على التيار الشيعي حاولت الدفاع عن الحوثي والرد على كافة ما يطرح حوله من تهم! وتبنت في أعدادها سرد الأحداث بشيء من التعاطف مع الحوثي وأتباعه، بالإضافة إلى الحديث عن استهداف المذهب "الزيدي" و"الهاشميين"! مع حملة مصاحبة ضد أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -!! ومعاوية بن أبي سفيان بشكل أخص!
صحيفة "الشورى" الصادرة عن حزب "اتحاد القوى الشعبية"، اعتبرت مواجهات الدولة للحوثي وتنظيم "الشباب المؤمن" "اضطهاد فكر"، فقد كتب المحرر السياسي في افتتاحية العدد (499): "ضرب صعدة لن يشبع جوع المتظاهرين، والقمع لا يؤكد المواطنة المتساوية، واضطهاد فكر لن يؤهل اليمن لدخول مجلس التعاون، والاعتقالات لا تلغي استحقاق الإصلاح الشامل"!
وفي مقال آخر بعنوان "صعدة دارفور اليمن" تناولت الكاتبة رضية المتوكل أحداث مران صيف العام الماضي واصفة تلك الأحداث بأنها "مجازر وجرائم"، مشيرة إلى أن الانتهاكات التي سبقت وأعقبت الحرب كانت "لشباب وعلماء لم يرفعوا سلاحاً ولم يشهروا سيفاً، وإنما قالوا ربنا الله"!
وتصف الكاتبة ما جرى في صعدة على أنها حرب إبادة فتقول: "الأهم من ذلك كله لماذا لم يطالب أحد بالنزول إلى صعدة لمشاهدة وتقييم مستوى الفاجعة والدمار؟! لماذا لم يجر أي تحقيق لمعرفة من يذبح الناس كالنعاج؟! ومن المسئول عن يتم الأطفال؟ وعويل الثكالى؟ ونهب الممتلكات؟ وتدمير البيوت والمدارس؟ واقتلاع المزارع من جذورها؟ وغيرها من المصائب الكبار؟!! لماذا لم نحاول أن نقترب من أنين أهالي صعدة لنعرف إن كان ممزوجاً بالدعاء على الحوثي أو على السلطة؟ ". وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "قد نجد أننا فقدنا كامل استقلالنا حين تتحول صعدة إلى دارفور، وحين يجر ضباطنا ومسئولنا بأنوفهم إلى محكمة الجنايات... وقد أعذر من أنذر"!!
وقد تضمنت مقالات الصحيفة اتهاما للسلطة ودفاعا عن -بل وثناء على- حسين الحوثي ووالده بدرالدين! محاولة خلط المواقف والأوراق بين ما هو سياسي وما هو مذهبي وما هو قبلي!
تمويل التمرد:
في سبتمبر 2004م، صرح متحدث باسم وزارة الداخلية لصحيفة (26 سبتمبر) بأن تمرد حسين بدرالدين الحوثي كان يحظى بدعم "جهات خارجية" وأن "التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والوثائق والمستندات التي عثر عليها في قضية حسين الحوثي كشفت عن الدعم الذي تلقاه من جهات إقليمية، سواء عبر أجهزة استخبارية في بعض الدول العربية، أو عبر الجماعات المذهبية والعقائدية أو الجمعيات الخيرية في المنطقة".
وأفاد مصدر مقرب من الحكومة اليمنية لصحيفة (الوطن القطرية 17/9/2004م) بأن سعوديين شيعة هم من بين هذه الأطراف، وقال هذا المصدر لوكالة فرانس برس: "جرى تبادل رسائل بين الحكومتين اليمنية والسعودية بشأن وجود دعم من قبل بعض التجار ورجال الأعمال الشيعة السعوديين للحوثي أثناء التمرد وقبل التمرد".
وكان رئيس الجمهورية اليمنية علي عبدالله صالح قد اتهم "جهات خارجية" في حديث لصحيفة "المستقبل" اللبنانية في 9/7/2004م وأضاف: "لكن لا نستطيع أن نشير بأصابع الاتهام لأي دولة أو حزب"؛ وتساءل في حديثه: "من أين لهذا المدعو كل هذه الأموال؟ هو يدفع لكل شاب يدفع به لترديد شعاراته مئة دولار أميركي أي ما يساوي ثمانية عشر ألف ريال يمني وهو مبلغ كبير، فمن أين له هذا المال؟ ومن هي الجهة التي تموله بذلك؟ وما هي مصلحته من وراء ذلك؟ ". وقال الرئيس في حينه بأن هناك تحريات وبحث عن مصادر التمويل، نافيا أن تكون مصادر التمويل محلية؛ وبأن البحث يتم بتعاون بعض الجهات الإقليمية من الدول الشقيقة والصديقة.
وبرغم عدم صدور أي نتائج حتى هذه اللحظة إلا أن الرئيس ألمح في خطابه السابق إلى جهات بعينها حيث قال: "فيما يخص صِلاته، أي الحوثي، فهو يعترف بأنه ذهب مع والده إلى إيران ومكثا لفترة امتدت لعدة أشهر في "قم"، كما قام بزيارة إلى "حزب الله" في لبنان، لكن لا نستطيع أن نؤكد أن لديه دعماً من هذه الجهة أو تلك".
وتذهب الحكومة إلى أن عملية التمرد، السابقة بزعامة حسين الحوثي والحالية بزعامة والده، مدعومة من جهات خارجية، وتفيد بعض المصادر بأن الدعم يصل لجماعة الحوثي عبر تجار ورجال أعمال شيعة في كل من الكويت والبحرين والسعودية، وأن الحكومة اليمنية تسعي عبر وسائلها الدبلوماسية إلى تطويق ذلك.
وقد جاء رد الدكتور أبو بكر القربي وزير الخارجية اليمني -في حديثه لصحيفة الرياض السعودية، الثلاثاء 5/4/2005م- عن سؤال فيما لو حصلت الحكومة اليمنية على "أدلة قاطعة لوجود تدخل أجنبي ساعد في تأجيج القتال؟ " بأن "هناك مصادر تمويل مالية من جهات خارجية لهذه العناصر، والآن يتم التحقيق حولها والتحري، وهذه الأمور سيتم الإعلان عنها في نهاية التحقيقات"*.
وماذا عن الولايات المتحدة الأمريكية:
"الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا"، بهذا الشعار البراق انطلقت حركة الحوثي في تشكيل تنظيم "الشباب المؤمن" الذي وجه أسلحته إلى قوات الجيش والأمن اليمني رافضا نزع سلاحه الذي سيواجه به أمريكا!
إذن أمريكا ليست بعيدة عن الحدث، وكان من المفترض أن تقف وراء الحكومة اليمنية في حربها ضد الحوثي، هذا إذا كانت صادقة في حربها ضد الإرهاب أيا كان دينه ومذهبه وشكله! خاصة وأنها مستهدفة بشعار تنظيم "الشباب المؤمن"!
إلا أن نائب السفير الأمريكي بصنعاء نبيل الخوري قال في تصريح لصحيفة (الأيام 4450): "من المؤسف أن تضطر الدولة اليمنية إلى مواجهة تمرد جديد في منطقة صعدة في ظروف هي بأمس الحاجة فيه للتركيز على الإصلاح الاقتصادي والحوار الوطني، والبدء بالإعداد لانتخابات عام 2006م". وفي حين "ندد! " بالتمرد دعا "إلى الهدوء والحوار والابتعاد عن التحديات واللجوء إلى العنف". وهذه التصريحات تأتي على غير المعتاد من اللهجة الأمريكية في تأكيد الشراكة الأمريكية اليمنية في مكافحة الإرهاب!
ومن الغريب جدا أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال سفارتها في اليمن عملت على شراء الأسلحة من القبائل وأسواق السلاح المنتشرة (وفي صعدة بالذات) تحت ذريعة إنهاء معالم التسلح في البلاد، دون أن توضح مصير تلك الأسلحة، والتي يذهب البعض إلى أنها قدمت عبر وسطاء للحوثي وأتباعه، بدليل وجود أسلحة متطورة وكميات من الذخيرة بل اكتشاف مخازن لها في صعدة حيث ينتشر أتباع الحوثي! وهو ما نفته سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بصنعاء في يونيو 2004م، عقب الأنباء التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام المحلية! عن كون زيارة السفير الأمريكي إلى محافظة الجوف كانت بغرض شراء الأسلحة أو كونها ذات علاقة بالحملة العسكرية ضد تمرد حسين الحوثي.
إن أمريكا لم تكن في يوم من الأيام عدوا للحوثي، كما لم يكن الحوثي وأتباعه أعداء لها، وهذا ما أكده يحيى بدر الدين الحوثي -وهو نائب في البرلمان اليمني- في حوار مع قناة العربية، من محل إقامته بالسويد، في 26/4/2005م، حيث قال: إن مأزق السلطة اليمنية المتمثل بضرورة تسليم إرهابيين يمنيين إلى الولايات المتحدة دفعها إلى اختلاق عدو وهمي لأمريكا لذر الرماد في العيون. وبخصوص الأحداث التي شهدتها مناطق جبال مران وهمدان وصعدة منذ يونيو2004، قال يحيى الحوثي إن الحكومة اليمنية شجعت بادئ الأمر شقيقه حسين على توجيه انتقادات ضد واشنطن، وعملت على إيجاد مناخ محرض في هذا الاتجاه، للفت نظر الولايات المتحدة إلى "عدو مفترض" في اليمن. وشدد على أن الزيديين في اليمن "لا يعادون أحدا" وأنهم "عاشوا طوال تاريخهم في اليمن وبين ظهرانيهم مسيحيون ويهود من دون أن يلحقوا أذى بهم"*.
إن من "عادة الأمريكان أن لا يترددوا في الإعلان عن العمليات التي يقفون وراءها في اليمن أو في أي مكان من العالم"* كما هو الحال مع اغتيال أبي علي الحارثي وستة آخرين معه في نوفبر 2002م. بل على النقيض من ذلك، في حين اعتبرت الدولة أن ما يجري في صعدة يأتي في إطار (الحرب على الإرهاب) لم تشر الولايات المتحدة بأي تصريح في هذا الشأن!! بل نفي السفير الأمريكي شخصياً أن يكون للسفارة أي دور في استهداف صعدة! ونفيه هذا ينطوي في داخله على إدانة لما يجري من قبل الدولة، بمعنى أن هذه المواجهات تأتي خارج ما تراه الولايات المتحدة استحقاقات للحرب على الإرهاب، وبالتالي فإن الدولة مدانة فيه!
إن اتهامات بدرالدين الحوثي -وابنه من قبل- بأن الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة بسفارتها في اليمن- بأنها وراء الحملة التي يقودها الجيش اليمني ضده، لا تمت إلى الحقيقة والواقع بصلة!
فتحركات السفير الأمريكي السابق "آدموند هول" في صعدة والتقائه بالقبائل واهتمامه بالمنطقة، جميعها لا تخلوا من دلائل ومعنى! وهو الذي التقى بزعامات المعارضة في حضرموت ليعلن بأن "حضرموت تحظى بمقومات دولة"!!
إن هذا الرأي هو الذي يظهر في لحن القول لدى بعض الكتاب أمثال الكاتب عبد الفتاح الحكيمي، والذي كتب في صحيفة "الشورى" بتاريخ 7/7/2004م، مقالا بعنوان: "من جورجيا إلى صعدة السلطة والبحث عن شرعية للقتل"، تهجم فيه على الرئيس اليمني الذي اعتبره "مكلفا بإدارة أي عمليات عسكرية تطلبها أمريكا"! لكنه في مفارقة عجيبة برأ الكاتب الولايات المتحدة الأمريكية مما يجري في صعدة، محاولا التأكيد على أن ما تقوم به الحكومة اليمنية من عمليات عسكرية يأتي خارج استحقاقات الحرب ضد الإرهاب، مستشهدا بأن نفي السفير الأمريكي السابق (بصنعاء) "آدموند هول" لعلاقة واشنطن بأحداث صعدة الأخيرة "ينطوي على إدانة دولية لجريمة السلطة، وشهادة كبرى على أن السلطة في اليمن تستغل شعار الحرب على الإرهاب لتصفية المعارضين السياسيين والتيارات الاجتماعية المؤثرة".
وهذه النتيجة من مقال -في صحيفة شيعية- تأتي على خلاف ما أراد أتباع الحوثي والمتعاطفين معه إعلاميا غرسه في الأذهان!
إن الولايات المتحدة، بوجه أو بآخر، لها صلة بما يحدث في اليمن، فواشنطن كانت المنطلق الأول للانفصاليين في 1994م، وقد طالبت اليمن بقواعد حربية لها على أراضيها لكنها رفضت، وهي قلقة من المد الإسلامي السني في اليمن.. وقد تسربت تصريحات عقب انتهاء العمليات في أفغانستان بأن اليمن هي الهدف الثاني للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب!، ولا تزال تستهدف بعض الشخصيات المدرجة على لائحة المطلوبين لديها، وتتذمر من حضور حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في اليمن ومن الدعم الاجتماعي المقدم لهما، وترغب في فصل الجنوب عن اليمن بالتنسيق مع المستعمر السابق للجنوب "المملكة المتحدة"!
ففي وقت متزامن مع تمرد حسين الحوثي أعلن في 7/7/2004م في لندن عن حزب يمني معارض يطلق على نفسه "التجمع الديموقراطي الجنوبي"، يدعو إلى استقلال الجنوب، واعتبار حرب صيف عام 1994م "جريمة بحق أبناء الجنوب".
ودعا بيان الحزب -كما نقلت قناة "الحرة"- الجنوبيين في الداخل والخارج الذين يؤمنون بأفكاره وبرامجه إلى الانخراط فيه؛ مشيرا إلى أن الجنوب والجنوبيين يعانون مما وصفه بالاحتلال على مدى أربعة عشر عاما، تحولوا فيها إلى أقلية مسحوقة! كما دعا البيان من سماهم "الإخوة و الأصدقاء في العالم"، وفي مقدمتهم مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، إلى دعم نضال شعب الجنوب لنيل الاستقلال!
واستضافت بريطانيا مؤخرا أحمد الحسني السفير اليمني بدمشق، والقائد السابق للقوات البحرية اليمنية- الذي اتهم اليمن بالتستر على قيادات من تنظيم القاعدة وإخفاء حقائق كشفتها التحقيقات المتعلقة بتدمير المدمرة "كول" قبالة السواحل اليمنية عام 2000م، والتي كانت الولايات المتحدة تطالب بأن تتم على أراضيها وأن يسلم المتهمون أو المشتبه بهم إليها!!
تدويل القضية والتدخل الخارجي:
يبدو أن فشل تمرد الحوثي داخليا دفع بالتيار الشيعي داخل اليمن وخارجه إلى محاولة إثارة الرأي العام الدولي، يساندهم في ذلك الحزب الاشتراكي اليمني والمعارضة المنبثقة عنه في الخارج!
وتأتي هذه المحاولة من خلال وصف ما يجري بأنه "جرائم حرب" و"إبادة جماعية" و"قتل للأبرياء والعزل"، إضافة إلى "استخدام أسلحة محرمة دوليا" واستهداف "طائفة دينية" ذات حراك سلمي، وآخرا وليس أخيرا "التستر على إرهابيين ولفت نظر واشنطن عن العدو الحقيقي"! ويالها من تهمة صالحة للتدويل!
فقد اتهم يحيى بدر الدين الحوثي -وهو نائب في البرلمان اليمني- في حوار مع قناة العربية، من محل إقامته بالسويد، في 26/4/2005م، الحكومة اليمنية بتنفيذ حملة تستهدف "الزيديين على وجه الخصوص"، بل وطالب الرئيس اليمني أن يضع حدا لما وصفه بـ"تقتيل واعتقال الزيديين". وهو ما كرره في حوار له مع الشرق الأوسط! وذهب في حديثة للصحيفة بأن الهدف من العمليات الأخيرة "كان قتل والده أو اختطافه للقضاء على معنويات الزيديين"! وأضاف قائلا: "إن منع الحكومة علماءنا من تدريس المذهب الزيدي في المدارس أدى إلى تفاقم المشكلة"!! وأكد أن "مأزق السلطة اليمنية المتمثل بضرورة تسليم إرهابيين يمنيين إلى الولايات المتحدة دفعها إلى اختلاق عدو وهمي لأمريكا لذر الرماد في العيون"!!
وبخصوص الأحداث التي شهدتها مناطق جبال مران وهمدان وصعدة منذ يونيو2004، قال يحيى الحوثي إن الحكومة اليمنية شجعت بادئ الأمر شقيقه حسين على توجيه انتقادات ضد واشنطن، وعملت على إيجاد مناخ محرض في هذا الاتجاه، للفت نظر الولايات المتحدة إلى "عدو مفترض" في اليمن.
الدكتور مرتضي زيد المحطوري مؤسس ومدير مركز بدر العلمي والثقافي، والمدرس بجامعة صنعاء- والمتعاطف مع الحوثي نفى في حوار مع صحيفة "الراية" القطرية أن تكون له صلة بالحوثي! لكنه تساءل: "نريد أن نعرف من يطرح مثل هذه القضايا ويستهدف الهاشميين تحديدا؟ "!
واعتبر -في إشارة منه- أن إغلاق الحكومة "للمعاهد والمدارس التي تقوم بتدريس مناهج مذهبية هو توجه وقرار غلط وخاطيء" مضيفا بأن اليمن "متخمة بالمدارس والمعاهد التي تدرس كل المذاهب التي لم تكن تعرفها اليمن من قبل" ومتسائلا: "فلماذا الحديث والتركيز على مدارس ومعاهد المذهب الزيدي الذي لا يصل عددها إلى واحد في الألف أو في المليون من عدد المدارس والمعاهد التي تدرس وفقا لمنهج مذهبي لمذاهب لم تكن موجودة أو معروفة في اليمن؟! "
وفي إحدى مقالاتها هاجمت صحيفة "الشورى" (في 23/6/2004م) العميد علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع، والذي تولى باعتبار منصبه إدارة المعركة مع الحوثي وأتباعه، فقد وصفه رئيس التحرير عبدالكريم الخيواني بعنوان (علي الكيماوي.. علي كاتيوشا): بأنه يكمل تصفية حساباته الشخصية مع حسين بدرالدين الحوثي منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1994م.
ووصف عبد الفتاح الحكيمي في صحيفة "الشورى" (في 7/7/2004م) النظام الحاكم بأنه "أول من يخالف مبدأ العدالة والمساواة الاجتماعية بين المواطنين، ويمارس التمييز العائلي خارج الدستور والقانون والأعراف"، متهما الدولة بأنها ربما- تستخدم "أسلحة محرمة في الجبال" ضد من وصفهم بـ"الشباب المؤمن ودعاة العدل والحق"!!
وأبرز الكاتب في مقال آخر بعنوان (يوميات القتل والعقاب الجماعي في صعدة) نشرته صحيفة (الشورى 507)، ما اعتبرها حوادث وقعت في صعدة، منها إقدام أحد الجنود "برمي امرأة وطفليها من الطابق الثاني، فتفقد وعيها وينكسر عنقها وينزف الصغار حتى الموت، ثم يتبعهم الجندي فيطلق النار على الطفلين وأمهما"، و "التمثيل بالجثث وربطها إلى مؤخرة السيارات بعد إحراقها وسحبها يومي الجمعة والسبت 8-9/4/2005م". ويؤكد الكاتب إقدام قوات الجيش على "قتل 150 شخصاً بعد وضعهم في حفرة جماعية، وإطلاق النار عليهم وأيديهم مقيدة بحبال"، و"محاولة الاعتداء والاغتصاب الجنسي لعشر نساء وقتلهم بسبب مقاومتهن عن الشرف".
ثم يخلص الكاتب إلى أن هذه الحرب "تصفية عرقية وإبادة جماعية ضد أبناء قبيلة همدان زيد والشيعة الزيدية، وليست حرباً نظامية لإخماد ما تزعم السلطة أنه تمرد".
هذا الطرح الداخلي جاء متناغما مع طرح خارجي حيث أصدرت الحوزة العلمية في النجف بيانا انتقدت فيه الحكومة اليمنية على أسلوب تعاملها مع تمرد الحوثي. وجاء فيه أن الشيعة في اليمن سواء الزيدية منهم أو الإمامية الأثنا عشرية "يتعرضون لحملة مسعورة من الاعتقالات والقتل المنظم منذ نشوب الأزمة بين الحكومة وبين حسين الحوثي وأتباعه". وأن المناطق التي يدور فيها القتال يتم فيها "تصفية الشيعة بشكل جماعي لا سابق له في تاريخ اليمن، إلا ما حصل بعد انقلاب السلال على حكم الإمامة"!!
وتابعت الحوزة العلمية في النجف في بيانها بالقول إنه "مما يزيد الأمر سوءا تبني الحكومة اليمنية بشخص رئيسها خطابا طائفيا معاديا بشكل صريح لعقائد الزيدية والإمامية وصل إلى حد تسفيه مبدأ الإمامة الذي تقول به هذه الفرق الإسلامية".
وطالب البيان جميع المحافل الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة العالم الإسلامي والجامعة العربية التدخل لدى الحكومة اليمنية لوقف ما وصفه بـ"الاضطهاد الديني والقتل الجماعي"!
كما طالبت الحوزة العلمية في النجف الحكومة اليمنية برفع اليد عن المعتقلين في السجون الذين لم يحملوا سلاحا ولم يكن لهم ذنب إلا أنهم من الناشطين في نشر الثقافة والفكر الشيعي زيديا كان أو إماميا.
وقد ذكرت مصادر عراقية مطلعة في واشنطن لـ"الشرق الأوسط" أن البيانات الموقعة باسم الحوزة العلمية في النجف غالبا ما تعبر عن رأي الدائرة المقربة جدا من المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني*.
كما استنكرت الحوزة العلمية في مدينة قم بجمهورية إيران، في بيان نشر على الإنترنت، باسم زعيمها المرجع الديني محمد صادق الروحاني ما يتعرض له الشيعة في اليمن، وقال البيان: "تطالعنا وكالات الأنباء العالمية منذ أشهر بأخبار متباينة حول ما يجري في بلاد اليمن وكلها تجمع على أمر واحد هو سقوط مئات الضحايا وتدمير البيوت والقرى في معارك تستعمل فيها شتى أنواع الأسلحة للجيش اليمني ضد مواطنيه المسلمين الذين لا يملكون سوى اليسير من الأسلحة الشخصية، كما هو في جميع القبائل العربية في اليمن الذي يفترض به أن يكون مدافعاً عنهم وحامياً لهم". وأعلنت الحوزة -بحسب ما ذكرته صحيفة "الأيام 4470" في بيانها دعمها وتأييدها لـ "البيان الصادر عن الحوزة العلمية في النجف الأشرف حول أحداث اليمن".. وتحذيرها "من العواقب الوخيمة التي ستترتب على هذا النحو من السلوك تجاه المسلمين سواء في اليمن أو في العراق".
إضافة إلى ما سبق، نشرت بعض وسائل الإعلام "نداء إلى محافل حقوق الإنسان في العالم" لمن وصفوا أنفسهم بـ"الإثنى عشريين اليمنيين" يتحدث عن "المجزرة الكبيرة التي ارتكبت من قبل الحكومة اليمنية ضد هذه الجماعة المظلومة"، وعن التهميش الإعلامي العربي حول القضية باعتبارها شيعية، وعن "معلومات أكيدة بأن الدولة استعانت بخبراء أمريكيين"! و"ضربت الحوثي وجماعته بمواد كيميائية محرمة دوليا"!
وهناك حديث عن عمليات قتل جماعي، ومجازر فضيعة، واستهداف طائفة "الهاشميين" ومذهب "الإمام زيد" والتيار "الشيعي"! وتحالف الدولة مع "الوهابيين" وهو مصطلح قديم في استخدامه جديد في دلالاته!!
ففي رسالة وجهها أبناء منطقة "ضحيان" (وهي من المناطق المؤيدة للحوثي) إلى قادة الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية والهيئات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، بتاريخ 20/6/2004م، اعتبروا أن انتهاك حقوقهم الإنسانية فيما اعتبروه "حملة إرهابية" عليهم جاء نتيجة عجزهم عن "إيصال مظلمتهم إلى أسماع المهتمين بحقوق الإنسان في اليمن وفي العالم"؛ مضيفين بأنهم يعاملون "معاملة أقسى مما يتعرض له الفلسطينيون من المحتلين"!!، وأن هناك تمييز واضح "بينهم وبين أبناء المناطق اليمنية الأخرى"!! واصفين ما يجري بأنها "جرائم" ترتكب في حقهم!
هذه المعاني ذاتها التي تتحدث عن اضطهاد أقلية (طائفية.. وإن لم تسمها الرسائل) وانتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب ضد مواطنين أبرياء عزل تكررت في رسالة أخرى وجهت إلى " أمة العليم السوسوة -وزيرة حقوق الإنسان باليمن"، في صياغة أشبه ما تكون استعطافا واستمالة للرأي العام الدولي، واستغلالا لظروف الضغوط الأجنبية على الأنظمة العربية فيما يعرف بـ"الإصلاحات السياسية".
صحيفة (الشموع 279) من جانبها كشفت عن مصادر صحفية تحركات دبلوماسية حثيثة تقوم بها شخصيات إيرانية ولبنانية وعراقية في عدد من العواصم الأوروبية متبنية إثارة قضية تمرد صعدة، وأكدت بأن هذه التحركات: "تؤكد حجم التآمر الذي يحاك ضد اليمن عبر استخدام تمرد الحوثي كورقة هامة في هذا التوقيت، والذي ظلت أجهزة الإعلام الإيرانية تعمل جاهدة على توصيفها بصورة طائفية مذهبية، كامتداد للصراع السني الشيعي، حيث أن هناك احتمالات عن تورط السفارة العراقية والإيرانية في صنعاء بإعداد تقارير في غاية الخطورة تصف فيها سيطرة أطراف سنية على القوات المسلحة، والتي بدورها تقف حائلاً أمام المد الشيعي الإثنى عشري تحت عباءة الزيدية".
المواجهات الجديدة.. ونهاية المطاف:
يرجع تجدد الاشتباكات -بحسب تصريح مصدر أمني مسئول بمحافظة صعدة لصحيفة الثورة 14748- إلى قيام عناصر من مجموعة بدرالدين الحوثي يوم الإثنين 28/3/2005م باعتداء على أفراد الأمن والقوات المسلحة، ومحاولة قطع بعض الطرق، مما تسبب في مقتل سبعة جنود وجرح عشرين آخرين. أعقب ذلك مقتل أربعة مسلحين -ينتمون إلى تنظيم "الشباب المؤمن"- في اشتباك مع قوات الأمن بصعدة، أثناء مطاردتهم بعد خروجهم من سوق الطلح الشهير وهو سوق للأسلحة يبعد عن صعدة بعشرة كيلومترات.
إضافة إلى ذلك، مثلت مغادرة بدر الدين الحوثي -(82 عاما)، الذي قتل 4 من أبنائه الـ 13، واعتقل ثلاثة آخرون، فيما الآخرون فارين من الحكومة! نتيجة المواجهات الدائرة- صنعاء بعد أن منحته الدولة الأمان بصورة مفاجئة، وعودته إلى وادي نشور وتجميع أتباعه وتحريضهم للاعتداء على رجال الأمن في الأقسام والنقاط الأمنية! مؤشرا على تجدد المواجهات.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الدولة لتطويق الفتنة من خلال لجان الوساطات التي وجه الرئيس علي عبدالله صالح بتشكيلها من العلماء والمشائخ والشخصيات الاجتماعية لإقناع بدرالدين الحوثي ومن معه لإنهاء المواجهات وتسليم أنفسهم، إلا أنه لم يستجب لمطالب الدولة وظل هو ومن معه يواجهون الدولة من خلال حرب العصابات وأسلوب الكر والفر! والعمليات الهجومية المباغتة على النقاط العسكرية ومراكز الشرطة! ومحاولة جر قوات الأمن إلى حرب عصابات وشوارع في منطقة صعدة ومدن أخرى!
وفي حين واصلت الدولة جهود الوساطة لكنها جميعا لم تثمر في إقناع بدرالدين الحوثي وأتباعه بالرجوع عن تمردهم المسلح. واستمرت المواجهات بين الطرفين باستخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة والطيران لما يقارب أسبوعين كاملين. وكان لافتاً عنف القصف الذي طال مواقع أتباع بدرالدين الحوثي نظرا لشراسة المقاومة التي أبدوها من جهتهم!
وقد سقط خلال هذه المواجهات التي شملت عددا من المحافظات والمدن بما في ذلك صنعاء -العاصمة، ضباط كبار في الجيش والأمن ومشائخ ووجهاء قبليون، وعددا من الجنود والمواطنين الأبرياء وأتباع الحوثي وقد قدر إجمالي الضحايا بـ250 شخصا! إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين. وشهدت صنعاء سلسلة هجمات ألقيت فيها قنابل يدوية على تجمعات عسكرية وأسواق عامة ومنازل بعض المسئولين! واتسعت رقعة المواجهات إلى محافظة الجوف، حيث اتخذت أجهزة الأمن إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة، وبحسب مصادر أمنية فقد أعلنت حالة التأهب القصوى بالمحافظة تزامناً مع ما يجري من أحداث في محافظة صعدة المجاورة من ناحية الغرب، وتم استحداث عدد من النقاط العسكرية والأمنية في داخل المدن ومراكز المديريات، كما ضرب سياج أمني غربي الجوف في محاذاة محافظة صعدة.
وقد تمكنت قوات الأمن و الجيش من إفشال محاولة للهروب قام بها بدرالدين الحوثي وقيادات من تنظيم "الشباب المؤمن" وعدد من أتباعه، إلى إحدى دول الجوار. * مما اضطر بدرالدين الحوثي ومن معه للاختفاء في مناطق القبائل الموالية لهم! حيث لا تزال الدولة تفرض عليها طوقا أمنيا وتعمل على تمشيط المنطقة بحثا عنه!!
ويبدو أن الأزمة لا تزال قائمة، وسوف تظل أثارها قائمة حتى بعد انتهاء مظاهر المواجهة المسلحة!
لكنها في الحقيقة أبرزت مدى الخطر الذي يمكن أن تواجهه اليمن ومدى التآمر الذي ينتظر هذا البلد ويعمل على تفكيكه وزعزعته!
ويبقى أن على المخلصين من أبناء اليمن السعي لإصلاح ذات البين، وتوجيه الدولة للالتفات إلى أوضاع الناس، ونبذ استغلال الخلافات المذهبية والعقائد في الحسابات الحزبية والمكايدات السياسية نظرا لما ستحمله من ضغائن وأحقاد، ونشر مذهب أهل السنة والجماعة القائم على أساس اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام بعيدا عن الغلو والبدع، والتنبه للأيادي الخفية الرامية إلى اللعب بالخلافات القائمة والأوضاع الراهنة!
وإلا فإن المسائل مرشحة للعودة مستقبلا إلى حال أسوأ مما سبق!
مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث
- التصنيف:
- المصدر: