إحياء - (196) سُنَّة حب الصالحين

منذ 2015-02-07

من السنن الجميلة التي ينبغي أن نحرص عليها سُنَّة حب الصالحين، فهل يمكن أن نحب أناسًا غير ملتزمين بالشريعة؟ وما أصل هذه السُّنَّة؟ وما أجرها؟

من السنن الجميلة التي ينبغي أن نحرص عليها سُنَّة حبِّ الصالحين، وأصلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحبَّ المسلمين (في الله)، وبدهيٌّ أننا لن نحبَّ أحدًا (في الله) إلا إذا كان صالحًا، ومعلوم أننا يمكن أن نحبَّ أناسًا كثيرين غير ملتزمين بالشريعة، كأنواع الحبِّ الفطري للأبناء والآباء والأصدقاء، لكننا لا نُسَمِّي ذلك (حبًّا في الله)؛ لأن الله لا يحبُّ لنا أن نحبَّ مَنْ يُخالف شرعه..

مع أنه سبحانه قد يعذرنا في ذلك، فثبت أن الحب في الله يُقْصَد به حبُّ الصالحين، وقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة من علامات الإيمان؛ فقد روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ...». وذكر منها: «وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ..».

ويُؤَكِّد على أن المقصود بالحب في الله حبُّ الصالحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن من علامات الإيمان كذلك (البغض في الله)؛ ففي رواية النسائي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ وَطَعْمَهُ...». وذكر منها: «وَأَنْ يُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَأَنْ يَبْغُضَ فِي اللَّهِ..»، فلن يُسْمَح لأحدنا أن يُبغض أحدًا في الله إلا لمعصية يفعلها، وكذلك فإننا نحبُّ الناس في الله لأنهم صالحون يفعلون ما يُرضي اللهَ عز وجل.

ويدعم هذه الرؤية أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن المرء يُحْشَر في الآخرة مع مَنْ أحب، فلو كان يحبُّ صالحًا حُشِرَ مع الصالحين، وإن كان يحبُّ فاسدًا حُشِرَ مع الفاسدين؛ وقد روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: "مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟»، قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»".

قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: "فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»"، قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ".

وروى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: "قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»".

فلْنحرص على حبِّ الصالحين، ولْنَعُدُّ ذلك عملاً من أعمالنا، ولْنعلم أنه من سنن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم.
ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 3
  • 0
  • 8,435
المقال السابق
(195) سُنَّة الرفق بالحيوان
المقال التالي
(197) سُنَّة الأيمن فالأيمن

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً