الموت العذب!
يستعذب المؤمن الموت حين يزود عن حياضه فلا يرضى الضيم ولا يقبل الهوان، قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد».
أوردت جريدة (الحياة) اللندنية (الثلاثاء 26/11/2013) خبر: "عُثر على جثماني زوجين مسنين جديدين في العاصمة الفرنسية باريس، وذلك بعد أربعة أيام من انتحار زوجين آخرين في الثمانين من عمرهما داخل أحد الفنادق".
وأشارت صحيفة (لو باريزيان) الفرنسية اليوم (الثلاثاء) إلى: "أنه عثر على جثماني الزوجين البالغين من العمر 84 و81 عاماً أمس –الاثنين- في منزلهما، من قبل العاملة في المكان التي قالت إنهما تركا ورقة على باب حجرتهما أبلغاها فيها بأنها ستجدهما متوفين"، وكانت الصحيفة كشفت أمس عن مصرع مسنين في الـ(86) من عمرهما الجمعة الماضي وهما متشابكي الأيدي، على فراش في فندق في وسط باريس، وإلى جوارهما خطاب يؤكدان فيه على حقهما في (موت عذب)!
تلك هي الحضارة الغربية المادية بمرها الذي يحاول بعض المفتونين التغاضي عنه، وتلك هي حال الإنسان عندما يفتقد الهدى الرباني والدليل الإيماني، فيتخبط في ظلمات الضلال وهوس الأفكار الشاذة، حيث يستعذب الموت الذي سماه الله تعالى مصيبة: {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة من الآية:106]، وأن له غمرات وسكرات: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام من الآية:93]، {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]، وأن الموت (مُر) تفر منه النفوس حيث لا مفر {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8].
إن عشت تفجع بالأحبة كلهم *** ولفقد نفسك لا أبالك أفجع
أخرج ابن عساكر أن عمرو بن العاص كان يقول: "عجباً لمن ينزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به ذكره ابنه عبد الله، وقال: صفه لنا، قال: الموت أجل من أن يوصف لكني سأصف لك منه شيئاً، كأن على عنقي جبال رضوى، وفي جوفي الشوك، وكأن نفسي تخرج من ثقب إبرة".
وخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « »، وفي لفظ مسلم: « »، ومعنى: « »؛ أي: يسترضي الله بالإقلاع والاستغفار، وقيل: « »؛ أي: يرجع عن موجب العتب عليه؛ أي: يرجع عن الإساءة.
وقال صلى الله عليه وسلم: « » (متفق عليه).
الموت العذب.. المؤمن يستعذب الموت في مواطن الجهاد، حيث نصرة الدين وإعلاء كلمة رب العالمين، مواطن التضحية والفداء التي تبذل فيها الدماء رخيصة من أجل حياة الأمة كلها.
يجودُ بالنَّفسِ أّنْ ضنَّ الجبانُ بها *** والجودُ بالنَّفس أقْصَى غايةُ الجُودِ
روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
قال ابن تيمية عن الجهاد: "لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها، مثل ما ورد فيه فهو ظاهر عند الاعتبار، فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره، في الدين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة".
كما يستعذب المؤمن نزول الموت عند خوف الفتنة إيثارًا للتمسك بالعقيدة الصحيحة والمبادئ النبيلة، وانظر كيف أتحف الله بلطفه سحرة فرعون حيث ثبتهم فاختاروا الموت على الكفر، حين قال فرعون لأقطعن أيديكم {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} [الشعراء:50]
ويستعذب المؤمن الموت حين يزود عن حياضه فلا يرضى الضيم ولا يقبل الهوان، قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد)، وفي رواية: « » (ابن ماجة)، وفي رواية: « » (صحيح الجامع:6011)، وفي رواية: « » (صحيح الجامع:6447).
قال ابن جرير: "هذا أبين بيان وأوضح برهان على الإذن لمن أريد ماله ظلماً في قتال ظالمه، والحث عليه كائناً من كان لأن مقام الشهادة عظيم، فقتال اللصوص والقطاع مطلوب، فتركه من ترك النهي عن المنكر، ولا منكر أعظم من قتل المؤمن وأخذ ماله ظلماً".
ويستعذب المؤمن نزول الموت رضا بقضاء الله وقدرة، صابرًا محتسبًا، دون تسخط ولا تذمر..
قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه النسائي).
وفي رواية: « » (رواه أبو داود)، قوله: « »، مرض حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.
قال ابن الأثير: "ذو الجنب الذي يشتكي جنبه لسبب الدبيلة ونحوها، إلا أن ذو للمذكر وذات للمؤنث، وصارت ذات الجنب علماً لها وإن كانت في الأصل صفة مضافة، وقوله « »، أي تموت وفي بطنها ولد أو تموت من الولادة يقال ماتت بجمع أي حاملاً أو غير مطموثة".
وقال صلى الله عليه وسلم: « » (البخاري). قال ابن حجر: "ويؤخذ منه أن من لم يتصف بذلك لا يكون شهيداً وإن مات بالطاعون، وذلك ينشأ من شؤم الاعتراض الناشئ عن الضجر والسخط للقدر".
اللهم خفِّف علينا الموت وسكرته، وأَمِتْنا على دين نبيِّك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم غيرَ خزايا ولا مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
- التصنيف: