التنمية البشرية والحالة المزاجية!

منذ 2015-02-09

قبل أن تبدأ قراءاتك أو دروسك في هذا المجال عليك أن تقرأَ جيدًا أولًا في سيرةِ رسول الله صلواتُ ربي عليه وسيرِ الأنبياءِ والصحابةِ الأجلاءِ والفاتحين والتابعينِ وتابعي التابعين، حاول أن تنتقي الكتب الموجزة وليست المجلدات الكبيرة على الأقل الآن، والكتب التي عليها إجماع على سهولتها وشموليتها وحداثتها و(صحتها)؛ لأن هذه الخطوة من شأنها أن تكوّن بداخلك ترمومترًا شخصيًا وقويًا، يمكنك من تقييم كلِّ ما سوف تسمع عنه أو تقرأه من قصص النجاح والإنجاز فيما بعد..

مع تلاحق الأحداث وحالة الجمود عن الإنجاز والعمل التي أصابت الكثيرين منذ ثورة يناير وحتى اليوم، يلجأ كثيرٌ من القراء إلى مجال التنمية البشرية؛ لعله يجد ضالتَه المنشودة هناك؛ فيقرأ نصيحة أو إستراتيجية أو آلية تقدم له بعض خطوات وأدوات للخروج من أزماته وإنجاز ما تراكم عليه أو لتعديل حالته المزاجية.

أُقدم هنا مجموعة من النصائح السريعة جدًا للمبتدئين:
(١) مجال التنمية البشرية في بلادنا العربية يعدُّ مقتبسًا جلَّه من الغرب، مَن اقتبسَ وترجم وطبَّق لم يراعِ اختلافَ الثقافة والبنية الفكرية والاجتماعية والدينية للحضارتين الغربية والعربية، لذا تم تقديم الكثير من المواد التنموية بصورة (تحوي نوعًا من الخزعبلات أو المبالغات الشديدة جدًا)، تجعلك تنتفش وتظن أنك لديك القدرة الخارقة على تغيير نفسك بمجرد أن تردد مجموعة كلمات أو شعارات، ثم تتركك في منتصف الطريق حائرًا تائهًا لا تعرف ماذا تفعل بعدها.. أو ما السبيل لتطبيق كل ما حشوا رأسك به؟

لذا قبل أن تبدأ قراءاتك أو دروسك في هذا المجال عليك أن تقرأَ جيدًا أولًا في سيرةِ رسول الله صلواتُ ربي عليه وسيرِ الأنبياءِ والصحابةِ الأجلاءِ والفاتحين والتابعينِ وتابعي التابعين، حاول أن تنتقي الكتب الموجزة وليست المجلدات الكبيرة على الأقل الآن، والكتب التي عليها إجماع على سهولتها وشموليتها وحداثتها و(صحتها)؛ لأن هذه الخطوة من شأنها أن تكوّن بداخلك ترمومترًا شخصيًا وقويًا، يمكنك من تقييم كلِّ ما سوف تسمع عنه أو تقرأه من قصص النجاح والإنجاز فيما بعد..

أي أنك سوف يكون لديك بُعدٌ دينيٌّ وأكاديمي وفكري وإنساني واقعي وحقيقي؛ لقياس النجاح ومعرفة معاييره وأسسه في كلِّ مجالات الحياة بشكلٍ جميلٍ ومميز، وكلُّ هذا سيساعدك بشكلٍ رائعٍ وأنت تتلمس أولى خطواتك نحو فهم جوهر النجاح وفهم الذات وتطويرها، وتحديد أهدافك ورسالتك بالحياة.

هذه الخطوة لا بُدَّ أن تصاحبَها خطوةٌ لا تقل عنها أهميةً أبدًا، بل ربما تزيد، وهي القراءة والتعمق في كلِّ ما يتعلق بفهم ذاتك وقصة خلقك، ولماذا خلقت وأتيت إلى هذه الحياة الدنيا؟ وماذا يريد منك خالقُك؟ وما رسالتك على هذا الكوكب؟
لأن التعمقَ في دراسة التنمية البشرية تجعلك في حالة من الاغتراب الحقيقي عن فهم ذاتك والمغزى من خلقِك ووجودِك في هذه الحياة، وأحيانًا يتطور الأمرُ إلى حالةٍ من (الاغترارِ بالذات)، وأنك أنت وحدك القادرُ على تغييرِ قدرك ومصيرك وجلب النجاح والتفوق والسعادة لحياتك.

(٢) ربما أسمع من قرائي الأعزاء مَن يقول: لكن هذا المجال أصبح مطلوبًا، وحصولي على أكبر عددٍ من الشهادات فيه سيؤهلني بشدة لسوق العمل، خاصةً مع التنافس الشديد وقلة الفرص التي نعاني منها اليوم، فأنا سألجأ له من باب (أهي شهادات أضيفها على سيرتي الذاتية وخلاص)!

والحقيقةُ: هذا الأمرُ خطيرٌ جدًا أيضًا لسببين:
الأول: أنك شئتَ أم أبيتَ ستساهم هذه التنمية البشرية، التي سوف تدرسها في تكوين شخصيتك وتشكيل جزءٍ من فهمك لذاتك وللحياة وللتواصل مع الآخريين.

السبب الثاني: أنك ستنفق أموالًا كثيرةً؛ خاصة أن هذا المجال أصبح مهنةَ مَن لا مهنةَ له، وأصبح عبارةً عن تجارة (بيزنس وأكل عيش)، وليس علمًا نافعًا الغرضُ منه النهوض بالأفراد والمجتمع والأمة، خاصة مع كم المبالغ الضخمة التي يدفعونها من أجل الحصول على (اعتماد) لشهاداتكم من أماكن ذات اسم براق، حتى يجذبوا أكبر عددٍ من الزبائن، والاعتمادُ هنا أحيانًا كثيرة تكون معاييرُه ليس رقابة أو قبول لمعايير قوة المادة العلمية والمنهج المقدم من هذا المركز، أو هذه الجهة التي تريد تدريس التنمية البشرية ومنح شهادات معتمدة فيها، ولكن يكون أحيانًا بقدر (كم سيدفع هذا المركز من مال من أجل اعتماد شهاداته من هذه الجهة؟!).

وبعد كل هذه الرحلة الطويلة، والساعات المهدرة، ما بين المواصلات وفي قاعات المحاضرات وغيرهم؛ ستُفاجَأ في النهاية أنك أنفقت كثيرًا كي تحصل على (مجرد مجموعة شهادات)، وتراجع قائمة ما تلقيته من (علم حقيقي وتطبيقي)، فتجد المحصلةَ لا تصبو أبدًا لما كنت تأمله أو تنتظره، ثم حين تذهب لأول مقابلة للعمل ستتفاجأ بأنك تقريبًا لن تفيدك أغلبُ هذه الحصيلة في شيء! خاصة لو أن فرصة العمل تنافسية وبمكان له اسم وسمعة؛ فطاقم التعيين والاختيار في هذه الأماكن لديه معايير انتقاء (تطبيقية وعملية) قوية ومبنية على أسس سليمة وعلوم قوية وخبرات عميقة، ويستطيعون من أول سؤال أو اثنين أن يكتشفوا مدى عمق مهاراتك وفاعليتها.

أما لو فرضنا أن المكان الذي ذهبتَ للعمل فيه كان أقلَّ حزمًا في سقف شروطه ومعايير اختياره وتم تعيينك بالوظيفة بالفعل؛ وقتها وحينما تنزل على أرض الواقع وتحتكُّ بصورةٍ عمليةٍ مع سوق العمل وتبدأ وظيفتَك، ستكتشف تدريجيًا ضآلة قدراتك الحقيقية ونقاط ضعفك، وستكون بين خيارين: إما أن تعاني وتكثر أخطاؤك؛ مما سيقلل منسوب إنجازك، وثقة مدرائك بك؛ مما يؤدي لفقدك لوظيفتك..

أو ستبدأ من جديد نفس الدائرة، وتنفق أموالًا مرة أخرى، وأنت في حاجةٍ شديدةٍ لها لزواجك أو لغرض آخر، وبالإضافة للعبءِ المادي سيكون عليك عبءٌ معنويٌّ من خلال أنك ستحتاج إلى وقت إضافي بعد ساعات عملِك حتى تستكملَ، أو بمعنى أدق تبدأ دراساتك من جديد، لكن هذه المرة ستكون قد اكتويت بنار التجربة وتعلمت الدرس وتبدأ في البحث عما يفيدك بالفعل؛ ولذا فأنا أقدم لك هذه المقالة وهذه النصائح، لعل الله يجعل فيها نفعًا لك، وتوفّر عليك شهورًا أو ربما سنوات من المحاولات غير الناجحة أو التي لا ترضي طموحك.

(٣) هذه النقطة تحتاج منك -عزيزي القارئ- إلى مجهودٍ يفوق القراءة؛ لأنها مثل غيرها نصيحة (تطبيقية)، إن لم تعمل بما بها، وتبحث وتنقب بنفسك؛ فربما لن تتعلم شيئًا.

النصيحة الغاية في الأهمية هنا: أن عليك أن تعلم جيدًا أن هناك فارقًا كبيرًا جدًا بين مجالين وعلمين: (علم التنمية البشرية)، و(علم إدارة الموارد البشرية).

التنمية البشرية: تختص أكثر بالمواد التي تحثُّ على التحفيز وتطوير الذات، وقصص النجاح المدوية، والثقة بالنفس وتنظيم الوقت، ومهارات التواصل العام وليس الخاص، وما شابه ذلك.

إدارة الموارد البشرية: تختص بكلِّ ما يتعلق بإدارة المؤسسات والهيئات والشركات والموظفين وعلاقاتهم، ومهارات الاتصال الخاصة التي تكون في بيئة العمل بين المديرين والموظفين، وما شابهه، ومهارات التوظيف والاختيار والانتقاء، وهيكلة المؤسسات، والتسويق، وإدارة الزخم، وتطوير المهارات (الوظيفية)، وما شابهه.

لذا حينما تبدأ قراءاتك أو دراستك عليك أولًا أن تقرأ جيدًا وتتعلم الفرقَ بين الاثنين وتحدد احتياجاتك، وترسم لنفسك خريطة أهداف دراسية بأسماء المواد، وما تريد أن تخرج به منها، وحاجة سوق العمل لها، ثم تبدأ في السؤال والبحث والاستفسار عن الجهات القوية الموثوق بها في تدريس هذه المواد، واعلم أنه ليس كل اسم مركز شهير ومدرب ناجح، يعني أنك ستجد ضالتك هنا.

ابحث عن الجودة العلمية، وليس عن الشهرة والاسم وحدهما، ودراسة حاجة سوق العمل، والبدء في تطوير المهارات والدراسة غير النظامية، كنت أنصحُ تلامذتي بهذا منذ عامهم الأول بالجامعة، وأن يقوموا بهذه الدراسة ليس فقط بناءً على ماوضعه لهم مكتبُ التنسيق من كليات وتخصصات، ولكن بناءً أيضًا على ما (يحبونه ويجدون لديهم القدرة على الإبداع والتفوق فيه). ولقد حقَّقَ بعضُهم -بفضل الله- نجاحاتٍ ملموسةً جدًا في مجالات تخصصهم، أو في مجالات لا تمت من قريب أو بعيد بأي صلة للكليات التي تخرجوا منها.

(4) ابحث على الإنترنت عن الكورسات المجانية العالمية في مجال إدارة الموارد البشرية وإدارة الأعمال والتسويق -حسب ما تحبه وما يحتاجه السوق- وابدأ في تعلم الإنجليزية لتستطيع غزو هذا العالم الكبير المثمر جدًا، وتُحصل من هذه العلوم بالإنجليزية فهذا سيكون نقطة فارقة في حياتك المهنية.

(5) ابحث عن المؤسسات التي تقدم دورات تدريبية مجانية للشباب، بحيث يقوموا بتطبيق ما تعلموه من علوم ويحدثوا معلوماتهم التطبيقية، -كلية التعليم المستمر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تقدم أحيانًا شيئًا من هذا القبيل-!

(6) ابحث عن مجموعات العمل في هذه المجالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والعلمي (فيسبوك، توتير، ولينكد إن)، وتواصل وتفاعل معهم بحيث تصبح معروفًا ومألوفًا، وتتعلم من خبراتهم وتصبح سيرتك الذاتية متاحة في سوق العمل، وهذا يدعم فرصك بالفوز بوظيفة ملائمة تناسب قدراتك وما تحبه بإذن الله. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

غادة النادي

كاتبة و داعية إسلامية

  • 5
  • 1
  • 4,730

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً