تلقي الفتاوى والأحكام الشرعية من برامج ومواقع التواصل الاجتماعية

منذ 2015-02-19

إن نفع وضرر هذه البرامج والمواقع وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة مرتبط باستخدام الإنسان لها، فإن استخدمها فيما ينفع فلها أجرها وإن استخدمها فيما يضر فعليه وزرها والله المستعان.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد: فقد أنعم الله جل وعلا علينا في هذا الزمان بنعم لا تُعد ولا تُحصى، ومنها أن هدانا لتحصيل العلوم المفيدة في مختلف المجالات، والتي ساهمت في تطوير نُظم الحياة وسهّلت على الإنسان الكثير من مشاقها، حتى استطاع الإنسان بفضل الله جل وعلا أن يجعل العالم الكبير المترامي الأطراف؛ كالقرية الصغيرة التي لو نادى شخص في طرفها أجابه صاحبه من طرفها المقابل دون مشقة أو عناء، حيث سهلت التكنولوجيا الحديثة عملية التواصل و تبادل المعلومات بين الناس عبر الكثير من الوسائل والطرق؛ والتي كانت ولازالت في تطور مستمر حتى أصبح الإنسان يتجاوز آلاف الكيلومترات بجواله عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي والبرامج التابعة لها دون أن يغادر مكانه فلله الحمد ولله المنّة.

إن نفع وضرر هذه البرامج والمواقع وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة مرتبط باستخدام الإنسان لها، فإن استخدمها فيما ينفع فلها أجرها وإن استخدمها فيما يضر فعليه وزرها والله المستعان.

وإن من الاستخدامات الخاطئة التي يقع فيها الكثير من المسلمين دون الشعور بخطأ هذا الاستخدام هو تبادل الفتاوى والمعلومات الدينية والأحكام الشرعية؛ دون التحقق من صحتها والتأكد من موثوقيتها وسلامة مصدرها وخلوها من الدسائس والخرافات و البدع التي قد تؤثر سلباً على عقيدة المسلم أو على الأحكام المتعلقة بعبادته دون أن يعلم، إذ إن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة، وما فيهما من بيان للحلال والحرام، والأخلاق والآداب، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من العقائد، والمعاملات، هو العلم الشرعي و هو مصدر الأحكام الشرعية، والتي يجب أن يتلقاها المسلم من العلماء الربانيين و أهل العلم الثقات، ممن هم أهل ثقة في علمهم ودينهم، وشهد لهم بذلك علماء المسلمين وعامتهم.

و الواجب على المسلم إذا جهل شيئاً من أمر دينه أو استشكل عليه شيء فيه؛ أن يسأل أهل العلم والاختصاص الذين عُرفوا بعلمهم ودينهم و ورعهم؛ فإن الله جل وعلا أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون } [النحل من الآية:34] قال الإمام القرطبي رحمه الله: "لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، ولم يختلفوا أن العامة لا يجوز لها الفتيا لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم"، وعلى المسلم كذلك؛ أن يمتثل في ذلك أمر النبي صلى الله عليه و سلم القائل: «ألا سَأَلُوا إذا لمْ يَعلَمُوا فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السًُّؤالُ»  (صححه الألباني في صحيح الجامع)، و أن يقتدي بعلماء الأمة من السلف و الخلف في تلقي العلم الشرعي والأحكام الشرعية عن أهل العلم والاختصاص، فقد قال الإمام النووي رحمه الله: "ولا يَتَعلم إلا ممن تكملت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين و مالك بن أنس و غيرهما من السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".

إن الإنسان إذا استشكل عليه شيء من أمور دنياه سواء في صحته أو ماله ونحوها سأل أهل العلم والاختصاص في ذلك الأمر؛ و تقصى في البحث لتحصيل أفضل النتائج و أصدقها، ولا خلاف في صحة ما ذهب إليه، و لكن العجب ممن يأخذ أمور دينه ممن هبّ ودبّ، فصار كحاطب ليل لا يبالي ماذا يأخذ ولا عمن يأخذ، وهذا من أعجب العجب!! إذ أن أعظم نعمة أنعم بها المولى جل وعلا على عباده هي نعمة الدين، فهي أغلى من صحته وماله ودنياه قاطبة، فلو فَقَدَ الإنسان كل النعم في الحياة؛ فلا يُعتبر خاسراً إلا إذا افتقد نعمة الدين فقدْ خسر كل شيء.

و العجب!! كيف يتحرى الإنسان أقصى درجات الصحة و الموثوقية في أمور دنياه و يتساهل في تلقي أمور دينه -الذي هو أغلى ما يملك-عبر مواقع الإنترنت و برامج التواصل الاجتماعي و نحوها.

وفي الختام فإن الإنسان المسلم المحب للخير قد ينشر مثل تلك المعلومات أو الفتاوى طلباً لتحصيل الأجر و نشر الخير بين الناس، و لكنه قد يقع في الإثم و نشر البدع و المخالفات الشرعية وهو لا يعلم، ولذلك فإن الدور الواجب على المجتمع المسلم في طريقة التعامل الصحيحة مع تلك الأحاديث المكذوبة والفتاوى المجهولة والمعلومات المغلوطة -التي يسعى أهل البدع و المنحرفون عن الدين الصحيح لنشرها بين المسلمين عن طريق تلك البرامج والمواقع ليفسدوا عليهم دينهم- أن يردوها إلى أهل العلم و يسألوهم عنها ولا يتلقونها بالقبول إلا بعد قبول أهل العلم لها، وألا ينشروها إلا بعد التثبت منها، بل يجب علينا جميعاً الاحتساب على من نشرها والإنكار عليه، والتواصي فيما بيننا بعدم نشرها والتحذير من ذلك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه


سعيد آل يعن الله

  • 1
  • 0
  • 2,502

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً