أَصَلاتُكَ تَأمُرك ؟!

منذ 2015-02-19

فتقومُ الصلاة ويذهبُ وقتها وهو منغمسٌ في أشلاء التقنية الحديثة .. ولا يقومُ لها إلا كسولًا .. حتى إذا ما بدأها تراهُ ينقرها نقرَ الغراب !

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إن الحياةَ التي تُبنى في ظِلِ العقيدة ، تحت كنفِ الله ورحمته ، وإتباع نهجه ، والسيرِ على سَنن النبي - صلى الله عليه وسلم - 
لحياةٌ تحفّها الراحة ، تغشاها السكينة ، يتلبسها الوقار !

وما في العبادات كُلها عبادةٌ تُزلف العبد إلى الله ، فيتفيء بها نعيم قربه ، وخُشوع القلب له ، وإستشعارهُ بأنه عبدًا له 
كما الحالُ في الصلاة ! 

وإن العبدَ ليُصيبه الغمُّ والحَزن ، والكَربُ والشَجن ، فما يرفع أسجافه، ولا يُبدد ألامه ! 
إلا الصلاة ! 

وإنكَ لو أفنيتَ العمر كُله تتنقل بين أفياء الأرض ، تسيرُ من المشرقِ إلى المغرب إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها ! 
والله ما وجدتَ الراحة ، ولا السكينة ، ولا الطمأنينة ، ولا الروحانية التي تجدها في الصلاة ! 

" أرحنا بها يا بلال " ! 

أتخالُها أتت من فراغ ؟ 
أتخالُها جاءت من فيّ أحدٍ لا يعرفُ عظمتها ومكانتها عند الله ؟ 
أتخالُها تمرُّ مرور العابرينَ على الآذان ؟! 

لا وربي الذي نفسي بيده ! 
وإنها لمربع أُنسٍ ، وميدانٌ يُستدرُ به الدمع ، تخضغ فيه القلوب وتخشع ! 
وحسبُنا منها أنها الصلة بيننا وبين الله . 

وإن كنا قد فقدنا تلك اللذة فمن ذنبٍ أصبناه ! 

وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنبِ يُصيبه .. وإن العبد إذا آثر شهوته على الله حرمه الله لذة مناجاته ! 

والله المستعان ! 

مما يُشجي الفؤاد ، ويورث الآلام ، ويُبدد الحسرات .. 
ما نفعله نحنُ اليوم مع الصلوات ! 

فتجد أحدُنا يمكثُ بالساعات أمامَ الشاشات ، يُقلّبُ في الصور والآفات ، وتمضي الدقائقُ والأوقات .. 
حتى يردُ مسمعه .. 

الله أكبر .. الله أكبر ! 

فلا يُلقِ له بالًا مثقال ذرة ، ويشعر بالثقل والنفرة .. 
فتقومُ الصلاة ويذهبُ وقتها وهو منغمسٌ في أشلاء التقنية الحديثة .. ولا يقومُ لها إلا كسولًا .. حتى إذا ما بدأها تراهُ ينقرها نقرَ الغراب ! 

وآخرٌ .. يمشي في السوقِ - الذي هو أبغض الأماكن إلى الله - يقطع الأميالَ والمسافات ، وهو والله عليه هيّن ! 
حتى إذا رُفع الأذان ونُوديَ للصلاة ، أتاه الكسل من حيثُ لا يحتسب ! 

وآخرٌ .. يسيرُ مع صَحبهِ في رحلةٍ بحرية ، في وسطِ جُندٍ من جنودِ الله ! 
وتأذنُ الشمسُ بالمغيب ، ولا يتوانونَ بالعودة ، ولا يُكلّفون أنفسهم عناء هذا ! 

وآخرٌ .. يمتطي رِكاب مُذاكرته ، فيغوصُ في بحارها وآفاقها .. 
ويمضي الوقتُ وما أعطى الصلاة حقها ، ظنًا منه أنها تأخذُ جزءًا من وقته ! 

والضروبُ كثيرة ، والقلبُ يفتُّ من حسرته ، وفرطَ تقصيره ! 

أولم يعلم هؤلاء أن الصلاة في وقتها من أحبِّ الأعمال إلى الله ؟ 
أولم يعيي هؤلاء أن الله لو أرادَ أن يُميتهم على حالهم هذا لفعل - لكنه حليمٌ غفّار - ؟! 
أولم يتفكّر هؤلاء أن الصلاة أول ما يُحاسب عليها العبد في قبره ؟! 

إلى متى ونحنُ نُشغلُ بالدُنى ، ونطفِقُ نواري بالآخرة ! 
إلى متى ونحنُ نتناسى رِكاب الموت ، وما بعده ! 

وبمثلِ هذا يعلمُ المرء البونَ الشاسع بين السلفِ والخلف ! 
وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير مثالٍ يُحتذى به .. 

رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، امتطوا رِكاب الدين ولم ينسوا نصيبهم من الدنيا
جَاوزوا الجوزاء ، واعتلوا العَلياء ، وخاضوا مفارقَ الفراقد .. 
وتاللهِ .. وباللهِ .. وواللهِ .. ما فازوا بشيءٍ أعظم من هذا ، وما امتازوا علينا إلا بصدقهم مع الله .. 
وتلك والله تجارةٌ لن تبور ! 

فهذا الصديقُ - رضي الله عنه وأرضاه - كان يُصلي فيبكي من شِدة خشوعه ، ولا يسمع الناس قراءته ! 
فكانت النتيجة : " مُروا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناس " 
وصيةُ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته ! 

وهذا الفاروق - رضي الله عنه وأرضاه - يُطعن من أبي اللؤلؤة المجوسي ، فينزفُ دمًا حتى يُغشى عليه ! 
ويهزُّه الصحابة ويوقظوه فما يفيقُ إلا على : الصلاة يا أمير المؤمنين ! 
فيفيقُ من غشيته ويُمسك بابنِ العباس ليقول : هل صلى الناس ؟! 
فيطمئن عليهم ثم يُصلي هو وجرحه ينزف دمًا ! 

وهذا ابنُ الزبير - رضي الله عنه وأرضاه - إذا ركعَ نزلت العصافير على ظهره ، تحسبه جذعًا أو حائطًا أو خشبة منصوبة ليسَ إلا من فرط خشوعه ! 

وهذا علي بن الحسين - رضي الله عنهما وأرضاهما - إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين وضوئه وصلاته، أخذته رعدةٌ ونفضةٌ !
فعندما سُئل عنها كان الجواب : "ويحكم، أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي؟".

وهذا مسلم بن يسار - رضي الله عنه وأرضاه - لا يلتفت في صلاته، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع لها أهل السوق فما التفت.
وكان إذا دخل منزله سكت أهل بيته، فإذا قام يصلي تكلموا، أو ضحكوا، علمًا منهم بأن قلبه مشغول عنهم، وكان يقول: "إلهي، متى ألقاك وأنت راضٍ" ! 

وهذا ابن العباس - رضي الله عنه وأرضاه - سافر تاركًا زوجه وابنته التي تساوي عنده الدنيا بمن فيها ، فلما رجع أول ما دخل المدينة ، سمع رجلٌ يقول : يا ابن عباس عظم الله أجرك في ابنتك ! 
وعلى شدةِ الصدمة والفاجعة ، تولّى عنهم وفرَّ إلى الصلاة ! 
فلما انتهى سأله الناس عن سبب فعله ، فأجاب : قال الله : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين ) ! 

وهذا عروة بن الزبير وقعت الأكلة في قدمهِ فاحتيج إلى قطعها حتى لا يدب المرض في جسده ، فقال له الأطباء : ألا نسقيك مُرقدًا حتى يذهب عقلك منه فلا تحسُّ بألم النشر؟
فقال: "لا والله، ولكن إن كنتم لابد فاعلين فاقطعوها وأنا في الصلاة، فإني لا أحسُّ بذلك، ولا أشعر به"
فقام الأطباء بقطع رجله وهو يصلي فما تضوّر ولا صاح ولا اختلج ، حتى أُغشي عليه ! 

ولو توسعتّم لذُهلتم ، وحسبكم من القلادة ما أحاطَ بالعُنق ! 
واللهِ مواقفٌ لو أُنزلت على الجبالِ الراسيات لدكتها دكًا فأهبطتها ، ولو فَتقت الحديد لما رتقته ! 
فكيف بجسدِ عبدٍ ضعيف ؟! 

أفتعجبون ؟ أفتنكرون ؟! 
واللهِ لا عجبَ ولا نُكران !
وإنها والله لقلوب وَفت بعهدها مع الله ، فصدقها الله وثبتها ..

ومن أوفى بعهدهِ من الله ! .. ومن أصدقُ من الله حديثًا ! 

قال تعالى : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) 

وقِسَ على سياقِ هذا ! 

أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تعصيَ الله ، وإذا ما خلوتَ انتهكتَ حُرماته ! 

أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تقل لوالديكَ أُفٍ وتنهرهما ، ولا تقل لهما قولًا كريما ! 

أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تقهر اليتيم ، وتنهر السائل ، ولا تؤتِ المسكينَ وابن السبيل وذا القربى حقه ! 

أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تجزع وتسخط إذا ما أصابتك مصيبة ، فتطفقُ تُسيء لنفسك ودينك ! 

أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟! 
أن تسرق ، وتُرشي ، وتعمل بالربا ! 

أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ ؟!
أن تشتم ، وتغتاب ، وتتجسس ! 

كلا والله لا تأمر بكل هذا ، لكن القلب إذا ما أحسنَ في صلاته واتقى ! 
كان حريٌ ألا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر والبغي ! 

وإذا أحسنَ فيها ، وصلاها كما أمر الله ، وصلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - 
فسيجدُ نفسه غيرَ التي كانت تُصلي صلاة كنقرِ الغراب ! 

ومصداقُ ذلك في قوله تعالى : 
( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )

..

إن أولَ ما يرتقي به العبد سلالم المجد .. إحسانه لصلاته ، وسدُ الخلل ما أمكن فيها ! 

وهذه ثمة وصايا - عسى الله أن ينفعني بها وإياكم - للصلاة : 

1/ 
إذا سمعتَ النداء يُنادي .. فردد خلفه ، حتى إذا ما فرغ قُل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : 
اللهم ربَّ هذه الدعوةِ التامة والصلاة القائمة آتِ محمدٍ الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته .. 
ثم ادعُ بما شِئت بين الأذان والإقامة . 

عن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
" إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " 

2/ 
أحسن الوضوء ، واحتسب الأجر فيه .. 
ابدأه بـ : بسم الله .. 
واختمه بـ : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله .. 
اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين .. 

عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
" من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره " 

3/ 
كلما همّت نفسُك بالسُرعة لإنتهاءِ الصلاة ، فتذكر أن لا ثمة شيء أعظم من الله ! 
وأن الأمور كلها سِواه تفنى ، وإن تعذرتَ بواجبٍ مُهم ، أو محادثةٍ لا تستطيع تركها ... إلخ ! 

وتذكر أن بمقدار تفريطك في صلاتك فإنها تدعُ عليكَ : ضيعكَ الله كما ضيعتني ! 

4/ 
إياكَ والغرور والكِبر والعُجب ، وأعلم أن كل ما تحمله من خشوعٍ وخضوع .. 
لم يكن لولا أن الله تفضل عليكَ وأكرمك .. 

وإن العُجب ليُذهب أجر العمل ! 

5/ 
[ من تعمَّد اللهو واللعب حتى مضى وقتُ صلاة مفروضة ولم يصلها ، أخفُ ذنبًا عند الله ممن صلاها لأجل الناس ] ! 
ابن حَزم الأندلسي . 

6/
إذا فرغت من الصلاة ، فلا تقم من مقعدك إلا بعد أن تسير على سَنن النبي - صلى الله عليه وسلم - 
تُسبح الله خمسًا وعشرين ، وتحمده خمسًا وعشرين ، وتكبره خمسًا وعشرين ! 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : 
" الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يُحدث ، تقول : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه " 

7/ 
تأخيرُك عن الصلاة ، وتهاونُ الأمر في قلبك .. 
يُسلب منك مهابتها ، ويهون عليكَ فيما بعد تركها وتأخيرها ! 

وإن حدث فتُب لله توبة نصوحًا .. 
وللهِ أشد فرحًا بتوبةِ أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها ! 

8/ 
مُحافظتك على السُنن الرواتب تزيدُك زلفى إلى الله .. 

قال صلى الله عليه وسلم : 
" مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ له بيتًا في الجنة "

9/ 
مهما شعرتَ بالضيق والتعب والألم .. لا تتوانى عن قيامِ الليل وتُفرّط فيها ! 
وكلما همّت نفسك بالتكاسل فذكّرها : 

قال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ) 

قال صلى الله عليه وسلم : 
" اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا " 

10/
لا تنمْ إلا وأنتَ متوضأً ، ذاكرًا لربك في مقعدكِ ومرقدك ! 
فذلك أقربُ لأن تقوم لصلاة الفجر .. 

تلكَ عشرةٌ كاملة .. 
تفضّل الله بها علينا ، وألهمنا الرصف بها ! 
فله الحمدُ والمنّة .. على كل نعمة .. 

شعور المرء بعظمِ تقصيره ، وفرطَ سياطِ ما يُلاقيه منه ، يُخجله من أن يرقم مقالًا فيه نصحٌ وتوجيه ! 
لكن إذا علم العبدُ أن ثمَة ما ينفع الناس فليُبادر ولا يتوانى .. 
( ولأن يهدي الله بكَ رجلًا واحدًا خيرٌ لكَ من حمر النعم ) !
- نسألُ الله من فضله - 

وما المواعظ والتوجيهات بنافعة ، ما لم تبدأ أنتَ بالتغيير في نفسك .. 
ولن يُغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ! 

وما المرء منفوعًا بتجريبِ واعظٍ 
إذا لم تعظه نفسُه وتجاربُه ! 

ألا إنها تذكرةٌ * فمن شاء ذكره !

أسألُ الله أن ينفع بها ويُنفع ، وأن يهدي بنا ويهدينا ، وأن يُعيد للأمة فسائلَ عِلمها بالآي والسنة .. 
والتطبيق بما فيهما .. 

وأن يرزقني خلوصَ الكَلِم وقبوله ، وألا يجعل لأحدٍ فيه حظًا ولا نصيب ! 

من ينشرُ المقال للهِ ، مُحتسبًا به أجرًا .. 
أسألُ الله أن يُبارك عمره ومسيرته ، وأن يهديه لأحسنِ الأفعال وأبلغ الأقوال ، وأن يعصمه من الفتن ما ظهر منها وما بطن .. 
وأن يجزيه عني خيرَ ما جازى به ربنا عباده الصالحين ، وأن يجعله ممن يستمع القول فيتبع أحسنه . 

سبحانَ ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين ! 

أمجاد محمد

  • 2
  • 0
  • 3,522

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً