مواقف العدالة في غزوة بدر

منذ 2015-02-21

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثتْ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثتْ فيه بقِلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها"، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقَّ لها رقة شديدة، وقال: «إن رأيتم أن تُطلِقوا لها أسيرَها، وتَرُدوا عليها الذي لها، فافعلوا»، فقالوا: "نعم يا رسول الله"، فأطلقوه ورَدُّوا عليها الذي لها.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

إنَ العدل من الأخلاق الإسلامية الأساسية، التي أمر الشرعُ بإقامتها في كلِّ الأحوال ومع جميع الأشخاص، والسيرة النبويَّة قدَّمت نماذجَ فريدة للعدل في السِّلم والحرب.

ومن أمثلة العدل في غزوة بدر: وقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يُعدِّل الصفوفَ بقَدَح في يديه قبل بَدء المعركة، وكان سَوَّادُ بن غزية مُستنصِلاً من الصفِّ، فطعنه الرسول في بطنه قائلاً: «استوِ يا سواد»، فقال سواد: "يا رسول الله، أوجعتَني، وقد بعثك الله بالحق والعدل؛ فأقِدني"، فكشف عن بطنه وقال: «استَقِدْ»، فاعتنقه سواد وقبَّل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟»، قال: "يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يَمَسَّ جلدي جلدك"[1].

فحين طالب سواد بحقه في القَوَد والقِصاص، لم يتردَّد القائد الأعلى للجيش ورسول رب العالمين في منْحهِ فرصة الاقتصاص، وإن لم يكن يَقصِد إيذاءه وإيجاعه من البداية؛ ليَضرِب بذلك مثلاً رائعًا للعدالة في الإسلام.

ومن مواقف العدالة السامية: نَهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن قَتْل من خرج مع قريش مُكْرَهًا؛ حيث قال: «إني قد عرفتُ أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرِجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدًا من بني هاشم، فلا يقتله، ومَن لقي أبا البحتري، فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب، فلا يقتله؛ فإنه إنما خرج مُستكرَهًا»[2].

وإن تَرْك قتال المكره في هذا المقام الصعب فيه تحقيق لأسمى معاني العدل والإنصاف.

ومن مواقف العدل: رفض الرسول صلى الله عليه وسلم إعفاء عمه من دفْع الفدية ومساواته بالأسرى، رغم أنه كان مسلمًا ويُخفي إسلامه؛ فعن أنس رضي الله عنه أن رجالاً من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، فقال: «لا تَدَعون منه درهمًا»[3].

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثتْ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثتْ فيه بقِلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها"، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقَّ لها رقة شديدة، وقال: «إن رأيتم أن تُطلِقوا لها أسيرَها، وتَرُدوا عليها الذي لها، فافعلوا»، فقالوا: "نعم يا رسول الله"، فأطلقوه ورَدُّوا عليها الذي لها[4].

إن هذا الموقف يُوضِّح عدالة النبي صلى الله عليه وسلم التي وقفت في مواجهة مشاعر الأبوة الصادقة، فلم يَحكُم النبي بشيء يُميِّز به ابنته، ولم يقطع أمرًا دون صحابته، وكان بإمكانه أن يحكم، ولن يَرُد أحدٌ حُكمَه، ولكنه العدل النبوي قد مُزِج بمشاعر الأبوة الصادقة، فبلغ الكمال في الجهتين.

إيهاب كمال أحمد
----------------------
[1] (السيرة النبوية لابن هشام [2/607-608]، والبداية والنهاية [3/23]).

[2] (تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك [2/34]، دار الكتب العلمية - بيروت). 

[3] (أخرجه البخاري [2352]).

[4] (تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك [2/43]). 

  • 5
  • 1
  • 9,707

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً