التدافع الدولي نحو (القرن الإفريقي)
أسهمت طبيعة التفاعلات الداخلية والخارجية المرتبطة بالتطور الجيوإستراتيجي، لمنطقة القرن الإفريقي في إعادة صياغتها وتركيبها أكثر من مرة؛ فالحروب الأهلية والصراعات العنيفة على السلطة، وانهيار مشروع الدولة الوطنية، والكوارث الطبيعية، والتنافس الدولي على الثروة والنفوذ، أسهمت في صياغة وتشكيل هذا الإقليم المضطرب.
أسهمت طبيعة التفاعلات الداخلية والخارجية المرتبطة بالتطور الجيوإستراتيجي، لمنطقة القرن الإفريقي في إعادة صياغتها وتركيبها أكثر من مرة؛ فالحروب الأهلية والصراعات العنيفة على السلطة، وانهيار مشروع الدولة الوطنية، والكوارث الطبيعية، والتنافس الدولي على الثروة والنفوذ، أسهمت في صياغة وتشكيل هذا الإقليم المضطرب.
وقد أعيدت صياغة خريطة منطقة القرن الإفريقي مرة أخرى، بعد انتهاء الحرب الباردة؛ لتعكس حقيقة سياسات الهيمنة والنفوذ للقوى الأجنبية الفعّالة في المنطقة، وقد تمَّ في هذا السياق صك مفهوم القرن الإفريقي الكبير؛ ليعبر عن المصالح السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والإستراتيجية للدول الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية، في شمال شرق إفريقيا، بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى.
وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001م دفعت الاعتبارات الأمنية ببعض أدبيات التفكير الإستراتيجي الغربية إلى التوسع في استخدام مفهوم القرن الإفريقي ليشمل اليمن.
الواقع إن التنافس بين القوى الدولية في منطقة القرن الإفريقي انتقل إلى حلقة جديدة، وهي الصراع فيما بين هذه القوى عليها، ذلك أنه ينطوي على عنصر النفط وأولوية تأمين الإمدادات من الطاقة، والتي تُعدُّ واحداً من الاعتبارات الرئيسة التي تصوغ بها الدول سياساتها وعلاقاتها الخارجية.
وفي ظل التطورات المتلاحقة على أطراف النظام الإقليمي العربي في امتداداته الإفريقية، والتي تبشر بإعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي في المنطقة، وربما يكون ذلك في غير مصلحة النظام الإقليمي العربي وينذر بوجود تهديدات خطيرة لمنظومة الأمن القومي العربي، وهنا يطرح سؤال نفسه ألا وهو: ما طبيعة التنافس الدولي في منطقة القرن الإفريقي؟ وما موقع العرب من هذا الاستقطاب المحموم عليها؟ وما تأثير التدافع الدولي نحو المنطقة على منظومة الأمن القومي العربي؟ وهو ما تحاول المقالة الإجابة عنه من خلال المحاور التالية:
أولاً: "القرن الإفريقي" بين مصالح القوى الإقليمية والاهتمام العالمي:
تتسم منطقة القرن الإفريقي بخصائص ثقافية، واقتصادية، وسياسية، تسببت في خلق العديد من الأزمات التي عادة ما تكون نتاجاً لتشابكات العوامل الداخلية والخارجية، ومن أبرزها التعددية الثقافية، وحداثة الدولة الإفريقية، وسوء إدارة الدولة.[1]
وتتسم مصالح القوى الإقليمية في المنطقة بالتشابك والتعقد، بين الأطراف المكونة للإقليم من ناحية، والقوى الخارجية سواء أكانت إقليمية أم دولية من ناحية أخرى، ولكنها تتجه في مجملها نحو تحفيز الصراع واستمراره، خاصة في الصومال و السودان؛ بل وتعدُّ المحدد الرئيس لمستقبل التفاعلات في الإقليم.[2]
عوامل ومتغيرات استمرار اهتمام القوى الكبرى في النظام العالمي بالقرن الإفريقي:
وثمة مجموعة من العوامل والمتغيرات كانت سبباً في استمرار اهتمام القوى الكبرى في النظام العالمي بالقرن الإفريقي، تتمثل في:
-الموقع الجغرافي وأثره على التطور السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي للمنطقة، حيث يمثل القرن الإفريقي ممراً وبوابة للبحر الأحمر و خليج عدن، بالإضافة إلى الخليج العربي و المحيط الهندي، الأمر الذي جعله محطَّ اهتمام القوى الدولية المسيطرة.
-قرب القرن الإفريقي من مصادر النفط في الخليج العربي، وهو ما دفع الولايات المتحدة والدول الغربية إلى محاولة الدفاع عن هذه المصادر، وتأمين الوصول إليها، ومن أبرز الأدوات التي استخدمت في ذلك إقامة القواعد العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول المنطقة.
-الأهمية الاقتصادية للقرن الإفريقي؛ حيث إن اكتشاف النفط، والذهب، والغاز الطبيعي، في المنطقة قد أضاف بُعداً جديداً للتنافس الدولي، ودخول قوى أخرى جديدة فاعلة بجانب القوى الاستعمارية السابقة مثل الولايات المتحدة و الصين و الهند و البرازيل.
-تأثيرات الحرب الباردة وما بعدها، فقد شكَّل التنافس بين القوى الدولية الكبرى على القرن الإفريقي طبيعة النظم الأمنية والسياسة السائدة في الإقليم، فالتأثيرات الإيديولوجية للحرب الباردة أدت إلى تأسيس نظم سياسية متباينة، بما في ذلك نظم الاستبداد العسكرية، كما تمت إقامة قواعد عسكرية أجنبية، وشبكات اتصال استخبارتية في المنطقة.[3]
وقد حولت الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي إلى منطقة نفوذ غربي جعلتها دائماً محل تنافس بين الدول الكبرى في مرحلة الحرب الباردة.
ومع بداية النظام العالمي الجديد في التسعينيات من القرن الماضي، تصاعدت حدة هذه المنافسة وتعددت أطرافها، ولكنها ظلت ملعباً للدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، و فرنسا، والمملكة المتحدة.
حيث سعت القوى الكبرى المسيطرة في النظام الدولي إلى التدافع عليه من أجل كسب مناطق نفوذ لها هناك، إمَّا سلماً من خلال العلاقات الوثيقة مع نظم الحكم في المنطقة، وإمَّا كرهاً من خلال استخدام القوة المادية.
ثانياً: التدافع الدولي نحو “القرن الإفريقي”... وحلقة جديد من الصراع:
الواقع أن التنافس بين القوى الدولية في منطقة القرن الإفريقي انتقل إلى حلقة جديدة وهي الصراع فيما بين هذه القوى عليها، حيث يبدو التنافس الصيني الأمريكي في القرن الإفريقي الأصعب والأكثر شراسة، ذلك أنه ينطوي على عنصر النفط الذي يُعدُّ أولوية لدى الطرفين ويؤثر بشكل أساسي ورئيس على الأمن القومي لهما، كل من زاوية أوضاعه الداخلية الخاصة أو مكانته ومكانة اقتصاده.
إذ تتطلع الولايات المتحدة إلى المزيد من الاعتماد على هذا النفط ممَّا يجعلها تسعى للسيطرة على المخزون العالمي منه، وهذا ما دعاها إلى محاصرة النفوذ الأوروبي في القرن الإفريقي، ومواجهة التحرك الصيني.[4]
وتحتل هذه المنطقة موقعاً مهماً في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م في إطار (الحرب على الإرهاب)، وإعادة طرح مشروع القرن الإفريقي الجديد الذي يهدف إلى: تأمين الممرات المائية العالمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي بما يخدم المصالح الأمريكية، فضلاً عن تأمين الوصول إلى منابع النفط والمواد الخام.
وعليه، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من الأدوات الدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية، من أجل تأمين النفط الإفريقي، وضمان تدفقه إليها دون أية عقبات أو مشاكل، منها:
التواجد العسكري المباشر في المنطقة: وذلك لتدريب الجيش الإثيوبي، وتوفير المساعدات الاستخباراتية واللوجيستية لإثيوبيا، وانطلاق بعض قوات التدخل السريع من قاعدة جيبوتي لتأمين منطقة الساحل الإفريقي.
الاعتماد على بعض دول الأركان الإقليمية: فإثيوبيا أصبحت تمثل الذراع العسكري للولايات المتحدة في القرن الإفريقي الكبير، حيث تمتلك واحداً من أكبر الجيوش الإفريقية سواء أمِنْ حيث العدد أم العدة، كما توجد في جيبوتي القاعدة العسكرية الأمريكية في المنطقة التي توفر قوات التدخل السريع لأية عمليات عسكرية قد تشارك فيها الولايات المتحدة.[5]
كما ان التكالب الجديد على إفريقيا ارتبط أساساً بالدور الصيني تحديداً منذ أعوام التسعينيات، وسعيها الدؤوب للحصول على النفط الخام وفتح أسواق جديدة، فالتحرك الصيني الجديد في القارة، والذي يعتمد على فكرة (التغيير الناعم)، أخذ ينحي جانباً عوامل السياسة والأيدولوجيا، وذلك مقابل هيمنة الاقتصاد والمصالح النفعية البحتة.[6]
حيث اعتمدت لنفسها إستراتيجية جديدة تمثلت في (تنويع مصادر النفط)، مع إعطاء إفريقيا أولوية جيوبوليتيكية في هذه الإستراتيجية، وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية لها مظهر اقتصادي، إلا أنها تتمتع بقيمة أخرى من الناحية الإستراتيجية، ذلك أن التوجه الصيني نحو الطاقة الإفريقية إنما يتم في إطار إستراتيجية أكبر وهي إستراتيجية المساعدات مقابل النفط (Aid – For – Oil)، ونظراً لوجود احتياطيات نفطية مهمة في إفريقيا فإن الصين لم تألُ جهداً في تجنيد مواردها الدبلوماسية والسياسية، والاقتصادية والعسكرية، بهدف ضمان السيطرة على الموارد النفطية الجديدة في القارة، حيث تحصل الصين على 25% من واردتها النفطية من إفريقيا.[7]
وقد شجّعت الصين محاولات تحقيق تنمية اقتصادية داخل منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة، وإعفاء بعض الدول من الديون، ووضع تعريفات جمركية تفصيلية، وإقامة مشروعات لتحسين البنية الأساسية مثل الطرق والكباري ومحطات المياه والكهرباء وشبكات الري والاتصالات.
وعلى الجانب الآخر، كانت الصين مصدرًا مهماً للأسلحة التي حصلت عليها بعض دول القرن الإفريقي مثل الصومال، و إريتريا، و إثيوبيا.
كما حرصت الصين على تعميق التعاون العسكري بينها وبين جيبوتي، خاصة بعد إقامة قاعدة عسكرية أمريكية داخلها.
وربما يمثل الاهتمام الأمريكي والصيني المتزايد بالقارة الإفريقية تدخلاً بالطبع في مناطق النفوذ الأوروبية التقليدية، خاصة النفوذ الفرنسي [8]، ففي منطقة القرن الإفريقي، بدا هذا الأمر جلياً في حال التنافس الأمريكي الفرنسي حول دولة جيبوتي ذات الأهمية الإستراتيجية، نظراً لاحتلالها موقعاً متقدماً في منطقة بحرية يمر عبرها ربع إنتاج العالم من النفط، بالإضافة إلى وجودها على الشريط الإستراتيجي بين الساحل والقرن الإفريقي الذي تسعى واشنطن إلى فرض الأمن فيه.
وعلى الرغم من احتفاظ فرنسا بقاعدتها العسكرية الأساسية هناك (كامب لموان)، فإن النفوذ الأمريكي في جيبوتي في تنام مستمر.[9]
لكن يمكن القول: إن هناك عوامل عديدة من شأنها أن تحكم وتيرة هذا التنافس ومدى حدته أهمها القوّة العسكرية وهي عنصر فعّال في تحديد مصير التنافس على النفط، إذ لا يجب أن ننسى أن الولايات المتحدة وعلى الرغم من الأزمات التي تمر بها والمشاكل التي تعاني منها، إلا أنها ما تزال ا(لدولة الأكثر قوّة في العالم)، وهي موجودة في معظم أماكن إنتاج النفط المهمة والحيوية العالمية، كما وتسيطر على معظم طرق الإمدادات والنقل العالمية؛ البحرية والبرية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكبح إمكانية تحول سياسة الصين في إفريقيا ومناطق أخرى من العالم إلى سياسة هجومية متشددة تهدد المصالح الأمريكية بشكل فج.
ثالثاً: موقع العرب في ظل التدافع الدولي نحو "القرن الإفريقي":
على الرغم من بؤر التوتر والصراع التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي، فإن عام 2011م يبشر بإعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي في المنطقة، وربما يكون ذلك في غير مصلحة النظام الإقليمي العربي إذ تقاطع المصالح القومية للدول العربية المطلة على البحر الأحمر ودول القرن الإفريقي، ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى أمرين مهمين:
أولهما: التعامل مع جمهورية أرض الصومال بمنطق الاعتراف الواقعي بوصفها بديلاً عن الدولة الأم.
ثانيهما: ظهور دولة جنوب السودان المستقلة لكونها فاعلاً جديداً في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما يعني تغير وتبدل طبيعة الأدوار الإقليمية.
إذ تصبح دولة جنوب السودان بتوجهها الإفريقي أقرب إلى إثيوبيا و كينيا، وهو ما يجعلها ذات تأثير بالغ على معادلة توزيع مياه نهر النيل.
فالجدير بالذكر أن السياسة المصرية عملت دوماً على إقامة توازن إقليمي لمواجهة إثيوبيا نظراً لحال العداوة التقليدية بين إريتريا وإثيوبيا، حيث حظيت مصر دوماً بدعم السودان.
وهو ما يعني أن وجود دولة جنوب السودان في هذه المعادلة سيؤدي إلى إعادة النظر في طبيعة التحالفات القائمة.
وبعد، فإن ما يحدث من تطورات متلاحقة على أطراف النظام الإقليمي العربي في امتداداته الإفريقية ينذر بوجود تهديدات خطيرة لمنظومة الأمن القومي العربي، وذلك نتيجة الانفلات الأمني وانتشار التطرف وظاهرة القرصنة، والتي فتحت المنطقة أمام وجود عسكري دولي دائم يحد من حرية حركة الجوار العربي، وإنها ستؤثر يقيناً في أمن البحر الأحمر وتدفق مياة النيل إلى كل من السودان ومصر.
فلقد تم انفصال جنوب السودان برعاية دولية وإفريقية، وغياب عربي واضح، وتقوم أوغندا وبوروندي بعملية حفظ السلام في الصومال، كما باتت دول إفريقية كبرى مثل إثيوبيا وجنوب إفريقيا والسنغال من أبرز المؤيدين لجمهورية أرض الصومال داخل الاتحاد الإفريقي.
ويبدو أن الولايات المتحدة والدول الغربية أضحت تفضل الحل الإفريقي على الحل العربي بالنسبة إلى مناطق التوتر والتأزم على خط التماس العربي الإفريقي.
لذا فإن ما يحدث في منطقة القرن الإفريقي من تفاعلات وتجاذبات سيفضي لا محالة إلى إعادة تشكيله وصياغته من الناحية الجيوستراتيجية، حيث يعكس طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة، وإن هذا التغير سيكون معادياً للمد العربي والإسلامي في المنطقة.[10]
ومع قيام موجة التغيير بثورات الربيع العربي، بدا أن إعادة التفكير في خريطة المصالح الإستراتيجية العربية أمر مهم، لتسليط الضوء على واحدة من المناطق التي أهملت أو حيدت في العقود الماضية، وهي منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل.
والذي أكد على تأثير الغياب العربي في عزل الدول الإفروعربية عن المنطقة وحرمانها من أي نفوذ أو مبادرة لحل الصراعات التي تنشب في الإقليم كما يحدث في السودان والصومال.
وهو ما أدى إلى ترك المنطقة إلى النظام الدولي والإقليمي، الذي لم يعمل على حل مشاكل منطقة القرن الإفريقي؛ بل عمقاها بحروب الوكالة وبالتشجيع على قيام دولة جنوب السودان والذي سيؤثر سلبياً في التوازن الإستراتيجي في المنطقة إذا ما سادت علاقات التوتر مع السودان بدلاً من التعاون، فيما حيد العرب تمامًا طوال العقدين الماضيين عن التأثير في مجريات الأمور هناك، أو حتى المساهمة في حفظ أمن الممرات البحرية المهمة التي تسيطر عليها المنطقة في خليج عدن وباب المندب.
كما أدى هذا الغياب إلى زيادة التغلغل الإسرائيلي والإيراني، في المنطقة، الذي لم يقتصر على الشق الإفريقي؛ بل كان هناك تاريخ إسرائيلي من التغلغل في السودان وإثيوبيا واليمن في زمن حكم الإمام، إلى أن استقر اليوم بنفوذ إسرائيلي في كينيا وإثيوبيا وأوغندا.
فبالنسبة إلى إسرائيل، تُعدُّ منطقة القرن الإفريقي مسرحاً إستراتيجياً حيوياً في إدراة صراعها وعلاقاتها مع الدول العربية، ويهدف هذا التواجد إلى استمرار مصادر النزاع عبر دعم قوى التوتر في كل من الصومال والسودان (بشكل غير مباشر من خلال إريتريا)، ودعم علاقاتها بكل من إثيوبيا وكينيا وإريتريا، ضمن منظومة من المصالح الأمنية والعسكرية، لتأمين تواجدها الإستراتيجي في المنطقة، والذي يحمل أهدافاً عسكرية في المقام الأول.
كما كانت مهمته هو الحصول على الاعتراف الدبلوماسي من جانب الدول الإفريقية، وذلك في إطار سعيها الدؤوب إلى تثبيت وضعها كدولة طبيعية في المجتمع الدولي، من خلال برامج المساعدات الخارجية، وتطوير التعاون الاقتصادي مع هذه الدول.[11]
ومما لاشك فيه أن تزايد النشاطات الإيرانية في منطقة القرن الإفريقي تُلقي بظلالها وانعكاساتها السلبية على الأمن القومي العربي ككل، وتهديد نظم الأمن الوطنية لبعض الدول العربية.
فيشكل كثافة النفوذ الإيراني في العمق الإفريقي، وفى ضوء التراجع وسلبية الأداء العربي، خصماً موضوعياً من الوجود والمصالح العربية.
وعلى الرغم من أنه توجد جاليات عربية مؤثرة في بعض الدول الإفريقية خاصة في الغرب، فإنها لا تمارس دوراً سياسياً فاعلاً في خدمة المصالح العربية؛ بل في الاتجاه المعاكس في خدمة المصالح والأهداف الإيرانية.
كما حاولت تفجير مناطق الأطراف للنظام الإقليمي العربي، فلم تكن بمنأى عن النيات والتحركات الإسرائيلية، ليس من زاوية التطابق الكلي في الأهداف المرجوة، ولكن لعدم ترك هذه الساحة بالمطلق؛ بل ربما لتوظيف كثافة الوجود والنفوذ الإيراني ضمن الأوراق الضاغطة والمهمة في أي مقايضات سياسية محتملة، أو لدرء أخطار متوقعة.[12]
رؤية مستقبلية... للأمن القومي العربي في ظل التدافع الدولي نحو "القرن الإفريقي":
يتوقع مراقبون للشأن الإفريقي أن تشهد العلاقات الإفريقية العربية تنامياً في شتى المجالات التجارية والاقتصادية والسياسية من أوسع الأبواب، خاصة بعد الربيع العربي الذي يطوف بغالبية البلدان العربية، في الوقت الذي تحولت فيه غالبية البلاد الإفريقية للمسار الديمقراطي في العقود الأخيرة.
وأياً كان الأمر، فإن تدعيم الأمن القومي العربي يتطلب الاعتماد على عدد من الركائز الواقعية والموضوعية لتغيير الواقع السلبي في العلاقات بين العرب وشعوب منطقة القرن الإفريقي، من بينها: إعادة التفكير مجدداً في الأمن القومي العربي ومجاله الحيوي كنقطة انطلاق للعمل على بناء علاقات تعاون إستراتيجي سياسي واقتصادي وأمني ومائي مع هذه المنطقة بما يصبُّ في مصلحة الأجيال العربية المقبلة.
ومعالجة آثار الفترة الماضية بالاستفادة المأمولة من الثورات العربية، والتي سيكون لها انعكاس على السياسة الخارجية العربية، لوضع حد لسياسة تهميش العرب في هذه المنطقة من أطراف إقليمية ودولية على حد سواء.
نجلاء مرعي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (د. إجلال رأفت، (العوامل الداخلية وأزمة الدولة في القرن الإفريقي)، السياسة الدولية، يوليو 2009م، ص [168-169]).
[2] (لمزيد من التفاصيل عن مصالح القوى الإقليمية في القرن الإفريقي يمكن الرجوع إلى: نجلاء محمد مرعي، (تأثير البترول في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011م)، دراسة حالية: السودان، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2011م، ص [122-126]).
[3] (د. حمدي عبد الرحمن حسن (التنافس الدولي في القرن الإفريقي)، السياسة الدولية، يوليو 2009م، ص [172-173]).
[4] (نجلاء محمد مرعي، (السياسة الأمريكية تجاه السودان خلال الفترة 1989م-2002م)، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2006م).
[5] (د. نجلاء مرعي (النفط والدماء: الإستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا السودان أنموذجاً)، القاهرة: المركز العربي للدراسات الإنسانية، 2012م).
[6] (محمد جمال عرفة (الصين و التغيير الناعم في إفريقيا)، (العولمة الجديدة!)، قراءات افريقية، يوليو – سبتمبر 2011م، ص [66-76]).
Brooks, Peter China & influence in Africa :Implications For the united states) [7] backgrounder Washington :The heritage Foundation, 2006 No 1916 p)
[8] (نجلاء محمد مرعي، (تأثير البترول في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011م)، دراسة حال: السودان).
[9] (جورج ثروت فهمي (أوروبا وإفريقيا إستراتيجية جديدة للتنافس)، السياسة الدولية، ع [163]، يناير 2006)
[10] (د. حمدي عبد الرحمن (القرن الإفريقي إعادة تشكيل وصياغة جيوإستراتيجية وتحالفات إقليمية ودولية جديدة)، http : / / www aleqt com / 2011 / 01 / 21 / article_494309 html).
[11] (أحمد إبراهيم محمود (الحروب الأهلية في إفريقيا)، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، 2001م).
[12] (م. إبراهيم أحمد عرفات (مصالح القوى الإقليمية في القرن الإفريقي)، السياسة الدولية، ع [177]، يوليو 2009م).
- التصنيف: