وصف الجنة لابن القيم
ولله برد العيش بين خيامها *** وروضاتها والثغر في الروض يبسم
وما ذاك إلا غيرة أن ينالها *** سوى كفئها والرب بالخلق أعلم
وإن حجبت عنا بكل كريهة *** وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم
فلله ما في حشوها من مسرة *** وأصناف لذات بها يتنعم
ولله برد العيش بين خيامها *** وروضاتها والثغر في الروض يبسم
ولله واديها الذي هو موعد المزيد *** لوفد الحب لو كنت منهم
بذيالك الوادي يهيم صبابة *** محب يرى أن الصبابة مغنم
ولله أفراح المحبين عندما *** يخاطبهم من فوقهم ويسلم
ولله أبصار تري الله جهرة *** فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم
فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة *** أمن بعدها يسلو المحب المتيم
ولله كم من خيرة إن تبسمت *** أضاء لها نور من الفجر أعظم
فيا لذة الأبصار أن هي أقبلت *** ويالذة الأسماع حين تكلم
ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت *** ويا خجلة الفجرين حين تبسم
فإن كنت ذا قلب عليل بحبها *** فلم يبق إلا وصلها لك مرهم
ولا سيما في لثمها عند ضمها *** وقد صارمنها تحت جيدك معصم
تراه إذا أبدت له حسن وجهها *** يلذ به قبل الوصال وينعم
تفكه منها العين عند اجتلائها *** فواكه شتى طلعها ليس يعدم
عناقيد من كرم وتفاح جنة *** ورمان أغصان به القلب مغرم
وللورد ما قد ألبسته خدودها *** وللخمر ما قد ضمه الريق والفم
تقسم منها الحسن في جمع واحد *** فيا عجبًا من واحد يتقسم
لها فرق شتى من الحسن أجمعت *** بجملتها إن السلو محرم
تذكر بالرحمن من هو ناظر *** فينطق بالتسبيح لا يتلعثم
إذا قابلت جيش الهموم بوجهها *** تولى على أعقابه الجيش يهزم
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبًا *** فهذا زمان المهر فهو المقدم
ولما جرى ماء الشباب بغصنها *** تيقن حقًا أنه ليس يهرم
وكن مبغضًا للخائنات لحبها *** فتحظى بها من دونهن وتنعم
وكن أيما ممن سواها فإنها *** لمثلك في جنات عدن تايم
وصم يومك الأدنى لعلك في غد *** تفوز بعيد الفطر والناس صوم
وأقدم ولا تقنع بعيش منغص *** فما فاز باللذات من ليس يقدم
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها *** ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحي على جنات عدن فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبى العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن العدو إذا نأى *** وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنا التي *** لها أضحت الأعداء فينا تحكم
وحي على السوق الذي فيه يلتقيا *** محبون ذاك السوق للقوم يعلم
فما شئت خذ منه بلا ثمن له *** فقد أسلف التجار فيه وأسلموا
وحي على يوم المزيد الذي به *** زيارة رب العرش فاليوم موسم
وحي على واد هنالك أفيح *** وتربته من إذفر المسك أعظم
منابر من نور هناك وفضة *** ومن خالص القيان لا تتقصم
وكثبان مسك قد جعلن مقاعدًا *** لمن دون أصحاب المنابر يعلم
فبينا همو في عيشهم وسرورهم *** وأرزاقهم تجري عليهم وتقسم
إذا هم بنور ساطع أشرقت له *** بأقطارها الجنات لا يتوهم
تجلى لهم رب السماوات جهرة *** فيضحك فوق العرش ثم يكلم
سلام عليكم يسمعون جميعهم *** بآذانهم تسليمه إذ يسلم
يقول سلوني ما اشتهيتم فكل ما *** تريدون عندي أنني أنا أرحم
فقالوا جميعًا نحن نسألك الرضا *** فأنت الذي تولي الجميل وترحم
فيعطيهمو هذا ويشهد جمعهم *** عليه تعالى الله فالله أكرم
فيا بائعًا هذا ببخس معجل *** كأنك لا تدري؛ بلى سوف تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
- التصنيف:
- المصدر: