العادات السبع لكبار الناجحين
إن من عادة الناجحين أن يقوموا بالأمور التي لا يحب المخفقون القيام بها، وهذا لا يعني بالضرورة أن الناجحين يحبون دائمًا كل ما يفعلون، لكنهم يجعلون مشاعرهم تابعة لقوة إرادتهم لا مسيطرة عليها.
وقع في يدي تلخيص مركز جدًا لكتاب ستيفن كوفي الشهير: (العادات السبع للأشخاص ذوي التأثير العالي) بقلم مؤلف الكتاب، فقمت بترجمة هذا الملخص بتصرف يسير لأنه يعطي فكرة جيدة عن الكتاب الذي ترجم إلى العديد من اللغات. وقد رأيت له ترجمتين عربيتين وجدت في إحداهما أخطاءً فادحة، وكنت -خلال قراءتي في الترجمة- إذا لم أفهم فكرةً بشكل جيد، رجعتُ إلى الأصل الإنجليزي حتى ينجلي لي معناها! [*]
وجها النجاح:
يروي ستيفن كوفي قصة مزارع عنده وزة. وذات صباح ذهب لتفقدها فوجد في جوارها بيضةً من ذهب. أخذ البيضة إلى بيته وهو لا يكاد يصدق عينيه، وبعد فحصها تأكد أنها من الذهب الخالص! وخلال مدة قصيرة أصبح المزارع من كبار الأثرياء، فأصيب بداء الجشع الذي دفعه لاستعجال النهاية؛ فذبح الوزة ليأخذ كل ما في جوفها من البيض الذهبي، فلم يجد شيئًا! و(من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه).
وببراعة يوظف كوفي الحكاية توظيفًا معاصرًا فيقول: إن الكثيرين منا يسلكون طريقة المزارع الأحمق، فيسعون إلى الحصول على نتائج سريعة (البيض الذهبي) على حساب النجاح المستمر المستقر الذي يأتي على المدى الطويل (الوزة). فنحن -فيما يبدو- نفضل أن نقوم (بالعمل بشكل صحيح) عوضًا عن القيام (بالعمل الصحيح)؛ أي نفضل الكفاية، أو المهارة، على الفاعلية. فالمزارع في محاولته ليكون كفيًا، ماهرًا، (أو شاطرًا كما يقال بالعامية) فقد قدرته على تحقيق آماله.
إن من عادة الناجحين أن يقوموا بالأمور التي لا يحب المخفقون القيام بها، وهذا لا يعني بالضرورة أن الناجحين يحبون دائمًا كل ما يفعلون، لكنهم يجعلون مشاعرهم تابعة لقوة إرادتهم لا مسيطرة عليها. فالعمل المفيد الذي يجب إنجازه يقومون به سواءٌ كانوا يحبونه أم لا.
العادات:
تتكون العادات في نظر كوفي من ثلاثة عناصر متداخلة:
1- المعرفة.
2- المهارات.
3- الموقف (أو الشعور تجاه أمر ما).
وبما أن هذه العناصر الثلاثة ليست وراثية، بل يمكن اكتسابها وتعلمها، لذا فإن العادات تشكل الطبيعة (الثانية) للإنسان، لا الطبيعة (الأولى). فـ(نحن) شيءٌ و(عاداتنا) شيء آخر، لذا علينا أن لا (نحدد) أنفسنا بالقول: إننا نتكون من مجموع عاداتنا وصفاتنا وميولنا، وهي أمر لا نملك تغييره. فالعادات الإيجابية يمكن (التحلي) بها، والعادات السلبية يمكن (التخلي) عنها، ويخطئ من يقيد نفسه بقيود وهمية من الأفكار والتصورات.
أقول: وهذا ما عبر عنه الشاعر أحمد شوقي بقوله:
وهمٌ يقيد بعضنا بعضًا به *** وقيود هذا العالم الأوهام
إن الناجحين هم قومٌ استطاعوا أن يجعلوا العادات الإيجابية المفيدة (عادات الفاعلية والتأثير) جزءًا من حياتهم اليومية. إنهم قومٌ يحركهم شعور داخلي قوي نحو تحقيق أهدافهم وغايتهم. لقد تحكموا بمشاعر إعراضهم عن القيام ببعض الأعمال، وعدم محبتهم لها، وبذلك اكتسبوا (العادات السبع) التي سنتحدث عنها، واستطاعوا أن ينظموا حياتهم على أساسها.
إن (العادات السبع) للناجحين عادات مترابطة بشكل عضوي، تعتمد إحداها على الأخرى، ويتلو بعضها بعضًا بصورة طبيعية: فالعادات الثلاث الأولى مرتبطة بالشخصية، وهي تساعد صاحبها على تحقيق (أهدافه اليومية)، مما يحقق له (الاستقلالية)، والاعتماد على النفس. والعادات الثلاث التي تليها هي التعبير الخارجي الظاهر عن الشخصية، وهي توصل صاحبها إلى تحقيق (المنفعة المشتركة). أما العادة السابعة فهي تساعد على مواصلة عملية التقدم والنمو، والمحافظة عليها.
العادة الأولى: كن مبادرًا
بادر ولا تنتظر. إن هذه العادة تعني أن تتحمل مسؤولية مواقفك وأعمالك. إن الناجحين قومٌ مبادرون، ينمّون في أنفسهم القدرة على (اختيار ردود أفعالهم) تجاه المواقف والأحداث، ويجعلونها ثمرة للقيم التي يحملونها، والقرارات التي يتخذونها، لا تابعة لأمزجتهم وأوضاعهم. إنهم يتمتعون بـ(الحرية) في اختيار مواقفهم حيال أي وضع داخل أنفسهم أو خارجها.
إنك كلما مارست حريتك في اختيار مواقفك واستجاباتك وردود أفعالك أصبحت أكثر مبادرة وإيجابية. وسبيل ذلك:
أ- أن تكون هاديًا لا قاضيًا.
ب- أن تكون مثالًا يحتذى لا ناقدًا.
ج- أن تكون مبرمجًا لا برنامجًا.
د- أن تغذي الفرص وتجيع المشكلات.
ه- أن تحافظ على الوعود لا أن تختلق الأعذار.
و- أن تركز على الدائرة الضيقة للتأثير الممكن، لا على الدائرة الأوسع للأمور التي تهمك، ولا سيطرة لك عليها.
تطبيقات العادة الأولى:
1- حاول لمدة ثلاثين يومًا أن تعمل في دائرة التأثير، أي: في حدود إمكانيتك واستطاعتك. حافظ على مواعيدك. كن جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة.
2- تذكر موقفًا حدث لك في الماضي تصرفت فيه بشكل انفعالي يعتمد على رد الفعل، وقرر مسبقًا أنك ستتصرف في مواقف مماثلة بشكل حكيم يعتمد على المبادرة والإيجابية.
3- انتبه إلى أسلوبك في الكلام: هل تستعمل عبارات انفعالية تعتمد على ردود الفعل، مثل: لا أستطيع، يجب علي...، لو أني فعلت كذا وكذا ... إلخ، وبذلك تحمل مسؤولية مشاعرك وتصرفاتك شخصًا آخر، أو تلقيها على الظروف؟ إن كانت هذه هي الحال فابدأ باستعمال أسلوب أكثر مبادرة وإيجابية، تعبر فيه عن مقدرتك على اختيار مواقفك وردود أفعالك، وعلى إيجاد حلول أخرى.
4- حدد ما يقع في دائرة إمكانك، أي: ما تستطيع فعله، وركز اهتمامك وجهودك عليه لمدة أسبوع، ولاحظ نتيجة ذلك في عملك. أقول: وتذكر قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وقول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئًا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع
العادة الثانية: ابدأ والنهاية أمام عينيك، أي: ليكن هدفك واضحًا منذ البداية
هذه عادة القادة الناجحين. ابدأ يومك بأهداف واضحة تريد تحقيقها، وأعمال محددة تسعى لإنجازها. إن (الناجحين) يعلمون أن الأشياء توجد في (الذهن) قبل أن توجد في (الواقع)، لذلك فهم (يكتبون) أهدافهم ويجعلونها (مرجعًا) عند اتخاذ قراراتهم المستقبلية. إنهم يحددون بدقة وعناية (أولوياتهم) قبل الانطلاق لتحديد أهدافهم.
أما (المخفقون) فيسمحون لعاداتهم القديمة، ولأناس آخرين، وللظروف المحيطة بهم أن تملي عليهم أهدافهم، أو تؤثر في أولوياتهم. إنهم يتبنون القيم والأهداف السائدة في مجتمعهم، وتقاليدهم، وثقافتهم، دون فحصها للتأكد من صحتها، أو مناسباتها لهم، ويشرعون في تسلق (سلم النجاح) الذي يتخيلونه، فإذا وصلوا إلى آخر درجة فيه، اكتشفوا أنه مستند على غير الجدار المطلوب!
إن (التصور الثاني)، أي: الوجود الفعلي المادي، يتبع (التصور الأول)، أي: الوجود الذهني، كما يتبع إنشاءُ مبنى على الأرض وجود (مخطط) البناء. فإذا كان المخطط صحيحًا كان البناء صحيحًا، وإذا كان ممتازًا، وتم التنفيذ بالشكل المطلوب كان البناء ممتازًا.
تطبيقات العادة الثانية:
1- تأمل الفرق بين (القيادة) و(الإدارة)، واعزم على الاتجاه الذي تريد المضي فيه، والغايات التي تريد الوصول إليها في حياتك.
2- تخيل أنك متّ بعد ثلاثة أعوام من الآن، وقام للحديث عنك أربعة أشخاص: واحد من أفراد أسرتك، وآخر صديق لك حميم، والثالث زميل في عملك، والرابع إمام المسجد الذي تصلي فيه (التصرف الأخير هذا من عندي، لأن المؤلف قال: راعي الكنيسة). اكتب ما تود أن يقوله عنك كل واحد من هؤلاء، واجعل ما كتبته من ضمن أهدافك.
3- حدد مشروعًا عليك القيام به في المستقبل القريب. طبق مبدأ (التصور، أو الوجود الذهني)، واكتب النتائج التي تود الوصول إليها، والخطوات التي ينبغي سلوكها لتحقيق تلك النتائج.
العادة الثالثة: قدم الأهم على المهم: (رتب أولوياتك)
تتصل هذه العادة اتصالًا وثيقًا بـ(إدارة الوقت)، وبترتيب الأمور المشار إليها في العادة الثانية، التي ينبغي عليك القيام بها بحسب أهميتها.
لقد تبين من الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن (80) بالمائة من النتائج المرجوة هي حصيلة (20) في المائة من الجهود المركزة المبذولة في سبيل تحقيقها. لذلك علينا -إذا أردنا استثمار وقتنا بالشكل الأمثل- أن نقلل من اهتمامنا بالأمور المستعجلة القليلة الأهمية، وأن نخصص وقتًا أطول للأمور المهمة التي قد لا تكون بالضرورة مستعجلة.
إن الأمور المستعجلة الطارئة تتطلب منا اتخاذ إجراء مستعجل حيالها مما يضيع علينا الوقت اللازم للقيام بالأمور الحيوية المهمة، التي هي بطبيعتها غير مستعجلة، ويمكن تأخيرها قليلًا دون حصول ضرر يذكر من هذا التأخير.
لذا علنيا أن نكون (مبادرين) في إنجاز الأمور المهمة غير المستعجلة. وعندما نستطيع أن نقول: (لا) لغير المهم نستطيع أن نقول: (نعم) للمهم. وإذا لم نفعل هذا فإن الأمور الطارئة العاجلة ستملأ علينا وقتنا، وقد تفسِدُ في المآل حياتنا، وهذا ما يؤدي إليه التخطيط اليومي دون التخطيط الأسبوعي أو الشهري، لأن التخطيط اليومي يتعامل مع القضايا والمشكلات التي تتطلب حلولًا سريعة، دون أن يكون لها نفع في تحقيق الأهداف الكبرى على المدى البعيد. أقول: فكيف بمن لا يخطط حتى ليوم واحد، وما أكثرهم بيننا!!
ولمزيد من الإيضاح لا بأس أن نرسم ما يمكن أن يُسمّى (المربعات الأربعة) لإدارة الوقت وحسن الاستفادة منه، ونلاحظ أن الجهد الأكبر، والوقت الأوفر، والعناية الأكثر يجب أن تعطى للمربع رقم (2):
(1) مهم ومستعجل، مثل:
- إيصال الأولاد للمدرسة.
- أخذ الولد إلى الطبيب.
- تسليم تقرير في موعده.
- حضور جنازة صديق ... إلخ.
(2) مهم وغير مستعجل، مثل:
التخطيط- ممارسة الرياضة البدنية- التعود على الغذاء الصحي- قراءة وردٍ يومي من القرآن الكريم- الكشف الدوري على الجسم، أو الأسنان... إلخ.
(3) غير مستعجل وغير مهم، مثل:
- بعض المكالمات الهاتفية.
- أكثر المجاملات الاجتماعية.
- أكثر البرامج التلفزيونية... إلخ.
(4) مستعجل وغير مهم، مثل:
- بعض المكالمات الهاتفية.
- بعض الاجتماعات في العمل.
- بعض البريد الوارد.
- كثير من النشرات الإخبارية... إلخ.
تطبيقات العادة الثالثة:
1- اكتب عملًا واحدًا مُهمًّا يحسن القيام به في حياتك الشخصية (كممارسة الرياضة البدنية إذا لم تكن ممارسًا لها، وكالإقلاع عن التدخين إذا كنت مُدخنًا) وآخر في عملك الوظيفي (كالوصول قبل بدء الدوام بربع ساعة مثلًا)، ثم ضع جدولًا للأسبوع القادم مبنيًا على أولوياتك.
2- ارسم (المربعات الأربعة) الخاصة بك، وقدّر كم من الوقت تنفقه في كل مربع، ثم سجل لمدة ثلاثة أيام (كل ساعةٍ) ما قمت به في المربع الذي يناسبه. راجع ما سجلت، وعدّل سلوكك ومخططاتك لينال المربع الثاني من وقتك النصيب الأوفى.
3- ابدأ بالتخطيط لحياتك على أساسٍ أسبوعي، واكتب أهدافك، وارسم الخطط لتحقيقها، وليكن ذلك كتابة أيضًا.
العادة الرابعة: فكر وفق قاعدة: (أربح ويربح الآخرون)، أو (الفائدة للجميع)
هذه الطريقة في التفكير هي أساس العلاقة الناجحة بين أي اثنين فأكثر، إذ هي علاقة التعاون الجماعي، لا الاستقلال الفردي: في الزواج، بين الأهل، بين الأصدقاء، في الجمعيات، في الشركات... إلخ. ونقطة البداية في هذه العادة أن يلتزم الإنسان بالبحث عن الحلول والبدائل التي تتحقق فيها الفائدة للجميع، ولا يرضى بالحلول التي تحقق النفع الفردي فقط. وهذا يتطلب ذهنًا متفتحًا، وتفكيرًا إبداعيًا ثريًا، واعتقادًا بإمكان ذلك. ولا يقدر على تبني هذه العادة، وتطبيق هذه النصيحة أصحاب الذهن المحدود الذين يعتقدون أن الفائدة متاحة للنخبة فقط، وهم الذين يفكرون وفق قاعدة: (أربح ويخسر الآخرون).
إن اتفاقية (أربح ويربح الآخرون) تقوم على خمسة عناصر واضحة:
(1) الأهداف المأمولة.
(2) الإرشادات اللازمة والخطوط العريضة الجلية.
(3) المصادر المتاحة.
(4) المسؤولية المحدودة.
(5) النتائج المترتبة.
تطبيقات العادة الرابعة:
1- ابحث عن مناسبة تسعى من خلالها إلى الوصول إلى اتفاقية ما، أو تتفاوض فيها حول قضيةٍ معينة، وحاول أن تجد الخيارات التي يستفيد منها جميع الأطراف، ثم طبق قاعدة (إما أربح ويربح الآخرون، أو البحث عن خيارٍ آخر).
2- حدد ثلاث علاقات مهمة في حياتك: (مثلًا: علاقتك بوالديك، علاقتك بزوجتك، علاقتك بأولادك، علاقتك بإخوتك وأَخَواتك... إلخ)، وتصور أن كل واحدة من هذه العلاقات شبيهة بـ(حساب مصرفة عاطفي). اكتب على ورق الطرق التي تعينك على (الإيداع) في تلك الحسابات ليزداد رصيدك فيها.
3- ابحث عن إنسان تعرفه (إما شخصيًا، وإما تاريخيًا) يمثل الأنموذج الذي يحتذى في تطبيق عادة: (أربح ويربح الآخرون)، وحاول أن تتعلم منه دروسًا تطبقها في حياتك اليومية.
(أقول: في التراث الإسلامي المتمثل أولًا في القرآن والسنة، ثم في الفهم المستنير لهما، والتطبيق الصحيح لهما عبر التاريخ ينابيعُ ثرّة تُغني هذه القاعدة! والحديث الشريف: « » خير تعبير عن المعنى الذي تدور حوله القاعدة).
العادة الخامسة: افهم جيدًا ما يقال ثم افهم جيدًا ما تقول
ونص المؤلف: "اسع أولًا إلى أن تفهم ثم إلى أن تفهم". هذه العادة هي عادة (التواصل والتفاهم)، وهي من أهم القواعد في حياة الناس، وهي كذلك مفتاح لبناء علاقة: (أربح ويربح الآخرون).
لا بد للطبيب من أن (يشخص) المرض قبل أن يصف الدواء، يعني: لا بد من أن يفهم أولًا. ولا بد للتاجر الناجح من أن يعرف حاجة السوق قبل عرض البضاعة المطلوبة، وتقديم الحلول للمشكلات الموجودة، إذ لا يمكن أن ينجح بمجرد إنزال البضاعة التي عنده إلى السوق، ما لم تكن هناك حاجة إلى شرائها من قبل المستهلكين.
إننا نرى العالم من خلال ذواتنا، ولا نراه كما هو بالفعل، ورؤيتنا تعتمد على الخبرات التي اكتسبناها، والتجارب التي مررنا بها، والتصورات المستقرة في أذهاننا، وعلى نوعية ثقافتنا ومداها.
إن أكثر المشكلات التي تتعلق بالمصداقية والثقة بين الناس ناجمة عن اختلاف في الإدراك والتصورات فيما بينهم. ولحل هذه المشكلات، وإزالة تلك الخلافات، واستعادة الثقة المتبادلة، على المرء أن يتحلى بالقدرة على التقدير الحقيقي الصادق لظروف الطرف الآخر، ومحاولة أن يضع نفسه مكانه، حتى يفهم وجهة نظره.
إن الإصغاء المتفهم هو علاج نفسي فعال، لأنه يتيح للمرء أن يفضي بمكنون نفسه لمن يصغي إليه باهتمام وتقدير، ويعيره أذنًا واعية. ومتى وجد الناس من يتفهم ظروفهم ويقدرها يتخلون عن موقف الدفاع عن أنفسهم، وتبرير تصرفاتهم.
تطبيقات العادة الخامسة:
1- عندما ترى في المستقبل شخصين يتحاوران، غط أذنيك لمدة دقائق وراقبهما بدقة. ما المشاعر المتبادلة بينهما التي لا يمكن التعبير عنها بمجرد اللغة؟ حاول في مقابلاتك القادمة أن تستشعر تلك المشاعر، واتخذ منها موقف التفهم والاحترام.
2- اختر علاقة ما بينك وبين شخص آخر تشعر أن (الرصيد العاطفي) فيها قد انتهى. حاول أن تتفهم وضع ذلك الشخص، وتسجل ملاحظاتك على ورقة كما تبدو من وجهة نظره هو، لا من وجهة نظرك. وفي مقابلتك التالية معه أصغ إليه باهتمام، وقارن ما يقوله بما سجلته. إلى أي درجة كنت مصيبًا في تقديرك؟ هل فهمت الآن وجهة نظره؟
3- عندما (تضبط نفسك متلبسًا) بعملية سبر مشاعر الآخرين، والحكم عليهم من خلالها، وتصنيفهم، وتأويل كلامهم وتصرفاتهم، اعترف بذلك بينك وبين نفسك، وإذا دعا الأمر اعتذر من الطرف الآخر، وابدأ بالإصغاء إليه بقصد التفهم التام لظروفه ومشاعره.
العادة السادسة: التعاون المبدع
هذه عادة التعاون والتآزر، والشعور (بالجسد الواحد)، والعمل بروح الفريق الذي يخفق إذا لم يتخل كل فرد فيه عن الأنانية، ويتحل بالإيثار. وتظهر نتائجها لأولئك الذين يؤمنون بسياسة: (أربح ويربح الآخرون)، ويتمتعون بعقلية متفتحة ذكية، ويتفهمون ظروف الآخرين ويقدرونها، ولا (يقوَمونهم) من خلال ذواتهم هم، وخبراتهم الخاصة. في هذه الحال يكون المجموع أكثر من آحاده، يصبح: 1+1=3!!
إن (التعاون المبدع) هو حصيلة تقدير الفروق الفردية بين الناس، والسعي لتقريب وجهات النظر بروح الاحترام المتبادل. وفي هذه الحال يشعر الأفراد بحرية البحث عن أفضل البدائل الممكنة، ولا يقيدون أنفسهم بما هو مطروح، بل ربما يأتون بحلول ناجعة لم تكن في الحسبان.
إن (التعاون المبدع) طريقة ناجحة لحل المشكلات بدلًا من طريقة (إرضاء كل الأطراف) أو (تهدئة الأوضاع).
إن (الخائفين) يسعون إلى أن يلقوا مسؤولية اتخاذ القرارات، واقتراح البدائل والحلول، على أكتاف الآخرين، ويحيطون أنفسهم بأشخاص يتفقون معهم في وجهات النظر، وطرائق التفكير، حتى يأمنوا من النقد والمعارضة، ويضمنوا التأييد والمعاضدة. إنهم لا يفرقون بين التماثل والوحدة، وبين التشاكل والاتحاد. فالتماثل بين أفراد يلبسون زيًا واحدًا، لا يعني أنهم على قلب رجل واحد، والتشاكل في المظهر لا يعني الاتفاق في المخبر.
تطبيقات العادة السادسة:
1- خُذْ شخصًا ينظر إلى الأمر بطريقة مغايرة لطريقتك، وتأملْ في الاختلاف بينكما: هل يمكن أن يؤدي إلى حلولٍ وبدائلَ لم تكن مطروحة؟ اطلب من هذا الشخص صراحة أن يقدم اقتراحات، ويبين وجهات نظره في حلّ مشكلة قائمة أو تنفيذ مشروع مقترح. أظهر اهتمامك بما يقول، وعبر عن رأيك بشجاعةٍ ولباقة.
2- ابحث عن مصادرَ حقيقيةٍ تحقق الشعور بالأمن لدى الجميع، وفكر في كيفية الاستفادة من هذه المصادر لتحقيق التعاون المنشود في علاقاتك مع الآخرين.
3- حدّد حالة ترغب أن تحصل فيها على تعاونٍ أكبر بين المشاركين، وعملٍ بروح الفريق. ما الشروط التي تحتاج إليها لتحقيق هذا التعاون؟ وماذا بإمكانك أن تفعل لتحقيق هذه الشروط؟
العادة السابعة: اشْحَذِ المنشار
هذه عادة تجديد الذات (أو: التجدد الذاتي). إن الدرس القاسي الذي تلقّاه المزارع الأحمق، صاحب الوزة، يعملنا أن للنجاح وجهين:
أ- (الوزة) التي تمثل (القدرة على الإنتاج).
ب- (البيض الذهبي) الذي يمثل (الإنتاج) أو الثمرة المرجوة. ومن الحكمة المحافظة على التوازن بين الوجهين. فأكثر الناس حينما يكونون مشغولين (بالإنتاج، أو العمل، أو عملية النشر) لا يهتمون (بشحذ المنشار) لأن (الصيانة) نادرًا ما تعطي أرباحًا كبيرة سريعة.
إن عملية (شحذ المنشار) تعني أن يكون لدى الإنسان برنامج متوازن لصقل نفسه، وقدراته، ومواهبه، وتجديد ذاته في النواحي الخمس التالية:
1- الناحية الروحية.
2- الناحية العاطفية.
3- الناحية الجسمية.
4- الناحية العقلية.
5- الناحية الاجتماعية.
وبدون هذا البرنامج تضعف هذه النواحي جميعًا، أو يضعف بعضها، ويذبل، ويفقد حيويته، وتتناقص قدرة المرء على العطاء.
إن العادة السابعة يمكن أن نطلق عليها: (قانون الحصاد)، فنحن نحصد ما نزرع، فإذا زرعنا في نفوسنا العادات التي تحدثنا عنها، وطبقناها في حياتنا، زرعنا النجاح، والسعادة، والفاعلية، بتوفيق الله سبحانه وتعالى.
تطبيقات العادة السابعة:
1- انهض من فراشك في وقت محدد كل يوم، ومارس الرياضة البدنية لمدة (30) دقيقة.
2- اقرأ شيئًا يغني روحك وينميها (أقول: لا يوجد خيرٌ من القرآن الكريم والحديث الشريف)، وتفكر فيما تقرأ، وحاول تطبيقه في حياتك العملية.
3- خصص كل أسبوع (ساعتين مثلًا) تقضيهما مع أفراد أسرتك وأقاربك، لتقوية صلتك بهم، وتحسين علاقاتك معهم. (أقول: وفي الحديث الشريف كنوز لا تنفد في: صلة الرحم، والإحسان إلى الأقارب والجيران والإخوان.. إلخ، وبناء علاقات إنسانية واجتماعية مثالية، لا يلتفت إليها أكثرنا مع الأسف).
-----------------------
بهذا -أيها القارئ الكريم- تنتهي ترجمة ملخص الكتاب، وقد حرصت قدر الطاقة على عدم التصرف في الترجمة، فنجحت أحيانًا، ولم أفلح في بعض الأحيان لأسباب منها: اختلاف الخصائص التعبيرية بين اللغتين، الأمر الذي يعرفه حق المعرفة العاملون في حقل الترجمة.
إن بعض أو جل ما جاء في الكتاب قد يكون ليس جديدًا علينا، وربما نستغرب من النجاح الكبير، والشهرة الواسعة التي حققها الكتاب والمؤلف، وأنا أعتقد أن جزءًا كبيرًا من هذه الشهرة سببه الأول: الدعاية الواسعة، والتسويق الناجح، وما أنفق في سبيلهما من المال!! ثم تأتي بعد ذلك قيمة الكتاب الذاتية، وقدرة المؤلف الكبيرة على حُسن التعبير بلغته، ومخاطبة قومه بما يفهمون، وما يحتاجون. ولو ظهر هذا الكتاب -أول ما ظهر- باللغة العربية، لما التفت إليه أحد، ولما ترجم إلى أي لغة أخرى! وهذه طبيعة الثقافة الغالبة والثقافة المغلوبة!! فعامة الناس لا يهتمون بما قيل، لا يهتمون بمن قال! وقيمة الكلام يأخذونها من قيمة صاحب الكلام، وكم أوقعنا هذا الخطأ التفكيري نحن المسلمين في مآسي دفعنا ثمنها أموالًا ودماءً.
ويبقى تعليق يناسب المقام: إن أعظم دواء لا ينفع المريض ما لم يستعمله بالشكل الصحيح، ما أكثر الحِكمَ التي نعرفها، وما أقلَّ ما نطبقه منها!!
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
[*] وقد نشرت هذه الترجمة على أربعة أسابيع في جريدة المدينة المنورة، ومع ذلك فقد أحببت أن أجمعها وأضعها بين يدي قراء المعرفة بعد تعديلات بسيطة اقتضتها طبيعة إعادة نشرها، راجيًا أن تزاد الفائدة منها.
- التصنيف:
- المصدر: