ظاهرة هوس استخدام الهاتف النقال
إذا ما نظرنا إليه من زاوية منعكساته الاجتماعية السلبية، وكيف يمكن أن تؤدي هذه الظاهرة بتراكم تداعياتها مع الزمن، إلى خلق جيل منعزل، ضعفت قدرته على التواصل الوجاهي المباشر مع الآخرين، مما يضعف العلاقات الاجتماعية البينية، التي اعتدنا أن نمارسها في حياتنا اليومية، في أجواء إنسانية طبيعية، في المجالس، والدواوين، والمحافل العامة، بل وحتى على قارعة الطريق في كثير من الأحيان، لكنه يظل وسيلة اتصال سريعة، ومريحة إذا ما أحسن التعامل معها باتزان.
لاشك إننا أصبحنا اليوم أسرع اتصالاً ببعضنا البعض، بفضل تقنيات هواتف الاتصال المتنقلة حيث ساعدتنا على تخطي صعوبات الابتعاد عن الأهل والأصدقاء، ومكنت الناس من مشاركتهم تجاربهم بعضهم البعض، عبر تقنيات الوسائط المتعددة لتبادل صورهم بتلك الوسائل، والدردشة بما أتاحته التقنية من قدرة عجيبة، وسرعة اتصال هائلة عابرة للقارات، من فوائد جمة في ثورة الاتصال، وهي وإن كانت نعمة ورفاهية اجتماعية تحسب لها في هذا العصر، بحيث أصبح الكثير من البشر اليوم يفضل التواصل عبر هذه التقنية، بدلاً من التواصل المباشر وجها لوجه، وما قد يكتفنه من معوقات.
وبغض النظر عما ينطوي عليه هذا الأمر من تحديات، إذا ما نظرنا إليه من زاوية منعكساته الاجتماعية السلبية، وكيف يمكن أن تؤدي هذه الظاهرة بتراكم تداعياتها مع الزمن، إلى خلق جيل منعزل، ضعفت قدرته على التواصل الوجاهي المباشر مع الآخرين، مما يضعف العلاقات الاجتماعية البينية، التي اعتدنا أن نمارسها في حياتنا اليومية، في أجواء إنسانية طبيعية، في المجالس، والدواوين، والمحافل العامة، بل وحتى على قارعة الطريق في كثير من الأحيان، لكنه يظل وسيلة اتصال سريعة، ومريحة إذا ما أحسن التعامل معها باتزان.
ومع كل الايجابيات التي أفرزتها، إلا أنها في ذات الوقت وسائل ذات تأثير اجتماعي سلبي، بما أفرزته من ظاهرة العزلة بين الجيل، والانغماس الشديد في الواقع الافتراضي، والتفاعل معه، كبديل للواقع الحقيقي، فبدأنا نفقد تدريجيا دفء العاطفة في المناسبات الاجتماعية، ونخسر التواصل الوجاهي المباشر فيها، والذي كان معززا بالمعانقة، والمصافحة، والقبلة، ليتم اكتفاءنا اليوم برسالة بريد الكتروني، أو رسالة جوال نصية قصيرة، نصوغها بعبارات جامدة مقولبة بنص نمطي، يفتقر لروح المناسبة، لنرسلها بضغطة زر، لكل من هو مسجل في قائمة اتصالنا المخزونة في الحاسوب، أو الهاتف النقال، دون تمييز لذائقة من نرسلها لهم، فصرنا نتفاعل مع عالم لا يسعد بوجودنا..ولا يحزن لفراقنا، ولا يتحسس مشاعرنا.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو ما هذا الهوس المريع بالاستخدام المفرط لجهاز الهاتف النقال، والإدمان على التعاطي الزائد عن اللازم معه؟
فحيثما نظرنا حولنا نجد الكل يحمل بين يديه هذه الجهاز ليتواصل من خلاله مع من يريد، ولا مشاحة في ذلك من حيث المبدأ، لكن الملفت للنظر، هو هوس الإدمان على التعاطي معه بطريقة يقطع بها ما كان موصولاً مع عالمه الحقيقي، ليستغرق في عالم افتراضي زائف.
اعتاد أن يتجالس معه عن بعد وبيده جهازه، ويغرد بالرسائل النصية، حيث فقَدَ الكثيرون روحهم الاجتماعية الاعتيادية، وأصبحوا أجزاء صماء من مكونات الهاتف المعدنية، وبذلك فقدوا قدرتهم على الاستمتاع بالوجود الاجتماعي، وفقدوا دفء تعبيرات الوجود الإنساني الحقيقي، ولم يعد يهمهم ذلك الوجود كثيراً، فنسوا إنهم بشر مخلوقون في الأصل ليتكلموا بلسانهم حياً مع الغير، لا أن يغردوا، ويدردشوا مع الآخر بهواتفهم، فتحولوا إلى ما يشبه الروبوتات الآلية، الخالية من المشاعر والعواطف..
نايف عبوش
- التصنيف:
- المصدر: