الاستشراق وأثره على الأمة
فإن كان السيف والصاروخ قد رحلا عن بلاد المسلمين، فإن الوسائل غير العسكرية التي اتخذها الغزو الصليبي لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية، وصرف المسلمين عن دينهم، وما يتصل به من عقيدة وسلوك وأخلاق هو السلاح الذي حل محلهما في معظم ديار المسلمين.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإن كان السيف والصاروخ قد رحلا عن بلاد المسلمين، فإن الوسائل غير العسكرية التي اتخذها الغزو الصليبي لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية، وصرف المسلمين عن دينهم، وما يتصل به من عقيدة وسلوك وأخلاق هو السلاح الذي حل محلهما في معظم ديار المسلمين..
ويتصف ذلك الغزو الجديد بالنعومة وبراعة العرض وخلابة المنطق، وشدة الجدل ولدادة الخصومة وتحريف الكلم عن مواضعه، كما يتصف بالشمول، فهي حرب لا يحصرها ميدان، بل تمتد إلى الإنسانية جميعًا، وقد تسبق حرب السلاح أو تواكبها، ثم تستمر بعدها لتحقق ما عجز السلاح عن تحقيقه، فتحرك المستعمر بلا إرادة وعزيمة حتى يتلاشى ويستكين وينصهر في بوتقة العدو ويفخر بتبعيته لعدوه ويراها شرفًا وفخرًا فيكون كالضحية التي تحتفي بالجزار، وهي لا تدري أن نهايتها على يديه..
ولأن الأعداء علموا أن الإسلام هو مصدر القوة والثبات الذي يجمع الأمة بعد التفرق ويغذبها بروح الجهاد ويربيها على هوية متميزة، ترفض الخضوع لغيرها وتحرص على أن تكون نسيجًا متميزًا يقود ولا يُقاد، ولا يرضى بالدنية أو التبعية، كان الهدف الأسمى لأعداء الدين هو إبعاد المسلمين عن دينهم بكل الوسائل، لأن ذلك يجردهم من مصدر قوتهم وسبيل سعادتهم، فيسهل الغزو العسكري وهزيمتهم عند ذلك، وإليك أخي القارئ نماذج من أقوال بعض المستشرقين التي تؤكد ما نقول.
يقــول جلاد ستون رئيس وزراء بريطانيا السابق «ما دام القرآن في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان».
ويقول المستشرق جارونر: «إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا» ا. هـ.
ويقول لورنس براون: «إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي».
ويقول صموئيل زويمر للمبشرين: «إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها».
وتدرج هذا الغزو في نشأته، فبدأ في صورة استشراق، ثم تبشير، ثم انتقل إلى أساليب متعددة لتغريب المجتمعات الإسلامية تارة بالمكر والخديعة، وتارة بالقهر والإجبار، وحشد لهذا الهدف كتابًا وزعماءَ ودعاة ضلالة لترويجها في أوساط المسلمين، ثم زرعوا أتباعهم الذين تربوا على موائدهم وتغدوا من عصارتهم في بلاد المسلمين، وجعلوهم في مقام القيادة والقدوة للأمة، وأضفوا عليهم ألقاب الزعامة، فانخدع بهم العوام..
ونبدأ أولاً بالاستشراق الذي يعني «الدراسات الفكرية عن الشرق الإسلامي والتي شملت حضارته، وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته».
أما المستشرقون فهم الكفار الذين قاموا بدارسة الدين الإسلامي وأحوال المشرق الإسلامي من كافة النواحي، وكان هدفهم الغالب في ذلك إحلال الكفر والعادات الغربية في ديار المسلمين بدلاً من الإسلام وعلومه.
ونشأة الاستشراق بدأت منذ غزوتي مؤتة وتبوك، وذلك بالاحتكاك بين المسلمين والأوروبيين، ثم اتخذ شكلاً أوسع وأعمق من خلال الحروب المتتالية، لاسيما الحملات الصليبية، ثم أخذ صورة الاختلاط العلمي في فترة ازدهار الحضارة الإسلامية بالأندلس المصحوب بترجمة العلوم التي برع فيها المسلمون.
ولم يكن عمل المستشرقين منفصلاً عن عمل المبشرين، بل كانت مهمتهم واحدة، ويمكن القول إن المستشرقين كانوا طلائع للمبشرين يمهدون الطريق لهم لتشكيك المسلمين في عقائدهم وصرفهم عن دينهم ودعوتهم للنصرانية وللدور الذي يمارسه الاستشراق في محاولة إطفاء نور الله - عز وجل - «الإسلام» شارك اليهود أهل الفساد في الأرض في ذلك الميدان لتحقيق أهداف اليهود العالمية.
ومن أشهر الشبهات التي روج لها المستشرقون:
- التشكيك في صحة العقيدة الإسلامية، وكون الإسلام منزلاً من عند الله - تعالى -.
- التشكيـك في تلقـي الرســول وحيًا من عند الله.
- تشويه صورة الرسول بالغمز والتجريح لشخصه الكريم.
- تشويه صورة رجال الإسلام الأوائل، وإثارة الشكوك حول أفعالهم وأقوالهم.
- تشويه صورة التاريخ الإسلامي.
- نشر فرية أن الإسلام انتشر بالسيف.
- الإيمان بأن الإسلام أصبح شيئًا من تراث الماضي البعيد، وقد انقضى دوره في الحياة المعاصرة.
- القول بأن الإسلام دين رجعي جامد متأخر لا يصلح لزمننا ولا يساير الحياة الحديثة.
- تمييع فهم الإسلام وإبعاده عن الحكم، وادعاء أن الإسلام لا يضره أن يكون الحكم بغير ما جاء به.
- الإلحاح على فكرة أن المسلمين إن أرادوا التقدم فعليهم نبذ تعاليم الإسلام والأخذ بالحضارة الغربية بأكملها
وكان للاستشراق آثاره على بلاد المسلمين، وكان منها على سبيل المثال.
- صرف المسلمين عن الجهاد في سبيل الله ودفعهم إلى التصوف الذي فرغ الإسلام من ذروة سنامه.
- مدح المذاهب الهدامة المخالفة للإسلام وتصوير أصحابها بالقادة والمصلحين.
- الطعن في مراجع الدين وموروث الأمة الإسلامية من سلفها الصالح.
- تعظيم النظرة للمستشرقين باعتبارهم من الباحثين أصحاب المنهج العلمي في النقد والتحليل.
- إخضاع النصوص الشرعية لأهواء الرجال وآرائهم.
- بلبلة الأفكار وتشويه صورة الإسلام في عقول الكثير.
ولأجل تحقيق ذلك كان للمستشرقين أتباع من أبناء المسلمين يرددون مفترياتهم ويروجون لها، ومن هؤلاء الأبناء المخلصين للاستشراق على سبيل المثال طه حسين، وعلي حسن عبد القادر، وسلامة موسى، وزكي نجيب محمود، وعلي عبد الرازق، ومحمود عزمي، وغيرهم
فختامًا أخي القارئ؛ ليس الاستشراق حديث العهد، بل ردد المشركون من قبلهم: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}، {إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
والله من وراء القصد.
- التصنيف:
- المصدر: