خطورة الأطروحات المتطرفة.. مرقص عزيز نموذجاً
علينا أن لا ندخل في هذا الحصر الوهمي. علينا أن نتحدث أننا محكومون بالشريعة الإسلامية، ولا يسعنا شيء لم يأمر به ربنا، وأن ما يحدث الآن من الأقباط وضع استثنائي يذهب بعد قليل، وأن متطرفهم بغيض، ومعتدلهم عليه أن يكون واقعي يتحدث بما يتناسب وحجمه الحقيقي على أرض الواقع.
لبعضهم يبدو مرقص عزيز متشنجاً إقصائياً، في سجالاته الفكرية وفي تطلعاته الواقعية، فهو لا يرى غير دينه ديناً، ولا يريد أحداً غير النصارى في مصر، وعلانية يحضُّ شباب الأقباط للاستعداد لقتالٍ داخلي يسميه (عصر استشهاد جديد)، حتى يتم السيطرة على البلد (مصر)، و(تحريرها) من المسلمين (المحتلين)، على حد تعبيره في تعليقٍ له مصور على أحداث المسرحية التي استفزوا بها المسلمين في الإسكندرية.
وهذه ليست لهجة مرقص عزيز وحده، بل غير قليل منهم يتحدثون بهذا الكلام وخاصة الذين بالخارج من النصارى (ما يعرف بأقباط المهجر). والمتحدثون بهذه اللهجة يوماً بعد يومٍ يتكاثرون ويشتدون، ولا تجد حرجاً في وصف هذا الخطاب المتشدد بالظاهرة.
ما المراد؟ ولم يسكت عنهم مَن بالداخل ولو شاءوا أسكتوهم، أو بثوا خطاباً آخر لرعاياهم يضاد هذا الخطاب المتشنج؟.
ولا تحدثني أن منهم معتدلون يتحدثون (بالأخوة الوطنية)، وأن شخصيات كنسية رسمية تتحدث بأن الكنيسة لا علاقة لها بهؤلاء. لا تحدثني بهذا، ولا تصغي لهؤلاء إن حدثوك.
مخرجات مرقص عزيز -الكتب تحديداً- تحمل أسماء شخصيات رسمية ذات مناصب عالية فيهم، وفي مكتباتهم وبإشرافهم توزع كتابات مرقص عزيز وأمثاله، وفعاليات مرقص عزيز –القناة- يثني عليها شخصيات رسمية في الكنيسة كالقمص عبد المسيح بسيط. على هؤلاء أن يكونوا جادين في موقفهم مما يتحدث به المتشددون منهم، وعلى هؤلاء أن يتوجهوا بالحديث لعامتهم ولا يكتفون بالحديث لنا نحن.
يعود السؤال: ما المراد من تصعيد الخطاب المتشدد؟
الخطاب المتشدد لا يراد لذاته في الغالب، وإنما يراد لإعطاء (وسطية) لطرحٍ آخر أقل منه حدِّة.
يدخلوننا في حصر وهمي. يعرضون علينا خيارات متفاوتة فيما بينها، فنختار منها. ولو تدبرنا لعلمنا أن كل هذه الخيارات ظالمة ومرفوضة.
فمثلاً: رعايا كنيسة الإسكندرية الأرثوذكسية أقلية لا تتجاوز (5%) من سكان مصر حسب تعداد المراكز الأمريكية المتخصصة. وما كان لهذه النسبة الضئيلة أن تطمع في الظهور على سطح الحدث، وها هي اليوم ظهرت واستقرت؛ وراحت تملي علينا خيارات، بعضها يطالب برحيل المسلمين من مصر وتصبح مصر نصرانية يحكمها النصارى، وبعضها يطالب بمساواة تامة بين الأقلية التي لا تساوي (5%) من السكان وبين الغالبية التي تمثل (95%) من السكان، وبعض هذه الخيارات يبدو هين لين يطالب بنسبة ثابتة (كوتة) في الحكم، واستقلال تام في الشئون الداخلية (حكم ذاتي)!!
هذا الخيار الذي يبدو هيناً ليناً لو عرض من خمسين سنة فقط لما وجد من يسمعه، ولكنه الآن صار مقبولاً عند كثيرين لوجود مطالب أخرى متشددة بجواره!!
والعاقل لا يختار من كل ما يعرض عليه، بل يناقش ما يعرض عليه، وينظر في الأسباب ولسان الحال والمقال وينظر في المآلات، ويعطي هو خيارات، ويعي جيداً أن كل ما يريدون لا يحق لهم. فلا كانت مصر يحكمها الأقباط يوماً ما، إذ أن المسلمين الأُول (عمرو بن العاص والصحابة -رضوان الله عليهم-) قاتلوا الرومان وصالحوا الرومان وأخرجوا الرومان، وحرروا الأقباط من ظلم الرومان. فما كان لهؤلاء يوماً دولة يطالبون بها، ولا أن كل المسلمين على ظهر مصر من أصل عربي جاءوا مع الفاتحين. ولا يحق للقلة تتحكم في الأكثرية. هذا منطقنا وهو منطق عاقل جداً وعادل جداً.
قصدي أن الطرح المتطرف لا يراد منه السيطرة على الواقع تبعاً لنظريته فهذا بعيد. بعيد أن يُخرج الأقباطُ المسلمين من مصر، بعيد أن تقام (كنيسة الرب) على أرض مصر وما جاورها من قبل هذه الحفنة من الأقباط التي لا تملك عدداً ولا عتاداً ولا أرضاً، وإنما فقط يراد من هذا الطرح المتطرف إعطاء شرعية للأطروحات الأخرى التي كانت متطرفة بالأمس وتبدو اليوم وسطية معتدلة.
علينا أن لا ندخل في هذا الحصر الوهمي. علينا أن نتحدث أننا محكومون بالشريعة الإسلامية، ولا يسعنا شيء لم يأمر به ربنا، وأن ما يحدث الآن من الأقباط وضع استثنائي يذهب بعد قليل، وأن متطرفهم بغيض، ومعتدلهم عليه أن يكون واقعي يتحدث بما يتناسب وحجمه الحقيقي على أرض الواقع.
- التصنيف:
- المصدر: