رمضان بين الأمس واليوم
رمضان الآن ومنذ عقود طويلة فهو ذا سمات أخرى تختلف كل الاختلاف عن رمضان في زمن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فرمضان عصرنا هو رمضان التقصير في العمل وعدم إتقانه بحجة الصيام، وهو الجهالة وسوء الخلق في التعامل مع الآخرين بحجة ضيق الصدر بسبب الصيام وبسبب الامتناع عن التدخين، ورمضان في عصرنا هو شهر الانغماس من القدم وحتى الأذن في ألوان التسالي من برامج تليفزيونية وأفلام ومسلسلات...
هل كان رمضان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هو حال رمضان في عصرنا؟
وتحديدًا هل كان سلوك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع رمضان هو نفس سلوكنا الحالي؟
وما هو السلوك الذي حبذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين أن يسلكوه في رمضان؟
يقول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:183-185].
فرمضان والصيام هدفهما تزويدنا بصفة التقوى، لذا فالصيام خير لنا، وما أراد الله لنا بهذا الصيام سوى اليسر.
ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « -أي وقاية-، -أي رائحة- » (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: « ».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: « » (متفق عليه)، كما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « » (متفق عليه).
وفضل صوم رمضان ورد صريحًا في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « » (متفق عليه)، ولا شك أن الصوم الذي سيغفر الله به كل ما تقدم من الذنوب ليس مجرد امتناع عن طعام وشراب فقط، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « » (صحيح البخاري:6057)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا: « » (صحيح الجامع:3488)، أي لا أجر له، وورد أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « -أي من قضى معظم ليله أو فترة طويلة من ليله مصليًا لله- » (رواه البخاري وغيره).
فهذه النصوص كلها توضح ما هية السلوك الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في رمضان من صيام حقيقي قائم على تقوى حقيقية من ترك لكافة المحرمات ليلاً ونهارًا، ثم قيام لليل بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن.
أما عن سلوك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان فيقول الإمام ابن القيم:
"وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف، وكان يخصه من العبادات بما لا يخص به غيره، حتى أنه ليواصل فيه أحيانًا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة"، أي يواصل الصيام فلا يفطر وهذا غير جائز لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: « » (رواه البخاري وغيره)، وسلوك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس خاصًا به لأننا مأمورون بالتأسي به، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]، فأفعال النبي نبراس ومنار لنا ينبغي أن نستنير بها في كل حياتنا لا أن نعرض عنها وكأنها لم تكن، وهكذا كان رمضان وكان الصيام في هدي النبي وسلوكه صلى الله عليه وآله وسلم.
أما رمضان الآن ومنذ عقود طويلة فهو ذا سمات أخرى تختلف كل الاختلاف عن رمضان في زمن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فرمضان عصرنا هو رمضان التقصير في العمل وعدم إتقانه بحجة الصيام، وهو الجهالة وسوء الخلق في التعامل مع الآخرين بحجة ضيق الصدر بسبب الصيام وبسبب الامتناع عن التدخين، ورمضان في عصرنا هو شهر الانغماس من القدم وحتى الأذن في ألوان التسالي من برامج تليفزيونية وأفلام ومسلسلات ومسابقات، ورمضان في عصرنا هو النهم وإفساح المجال لأقصى مدى لشهوات الطعام والشراب والولع بها حتى الثمالة، مما يثقل عن أي ذكر أو دعاء أو صلاة ليل أو تلاوة للقرآن.
فشتان شتان بين رمضان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين رمضاننا اليوم.
- التصنيف: