لم لا نفكر؟؟

منذ 2008-10-08

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم... وبعد،،

فهذا مبحث أرجو أن يكون مبادرة موفقة لدعم مزيد من التفكير بمنهجية بعيدا عن الرتابة والتقليد فما كان من خير فهو من الله وحده، وما كان من شر فهو من نفسي والشيطان.

مقدمة
إن الفئة المسلمة بحاجة ماسة إلى العقول الناضجة المستنيرة القادرة على التفكير والإبداع؛ وعلى المربي أن يستشعر أهمية ذلك فيحي هذه الملكة في نفوس أتباعه، فلإن يقود أسودا متوثبة يقظة، خير له وأنفع من أن يقود قطيعا من الخرفان التي لا تعي ولا تدرك، ولن يقوى المربي على ذلك إلا إذا كان أسدا، فهل من أسود!!!!...

ويكاد المرء الناظر للواقع الإسلامي يقطع بأن من الأسباب الرئيسية للتخلف الفكري والمنهجي الذي تمر به الفئة المسلمة هو أننا جعلنا التفكير ورسم الخطط مهمة آحاد من الناس أما البقية فهم متفرجون لا يتجاوز دورهم تكثير السواد، ولعل من أبرز مقومات نجاح العمل الإسلامي أن تستحث تلك الطاقات الكامنة الخاملة إلى النظر والتأمل وفق الأسس والموازين الشرعية، فلإن تفكر الأمة بمائة عقل خير لها وأنفع من أن تفكر بعقل واحد ...!

- القرآن يدعو إلى التأمل والتفكير: -
إن الخطاب القرآني ليس خطابًا وعظياً مجرداً وإنما هو في أصله خطاب برهاني يعتمد على البيان التفصيلي الدقيق للحجج والبراهين {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة البقرة: 111].. وتتوالى النصوص الشرعية للتأكيد على ضرورة التعقل والتدبر والنظر في ملكوت السماوات والأرض، وتستحث العقل البشري على ضرورة البحث والمراجعة والتأمل وتنعي على المقلدة منهجهم وتذمهم على جمودهم وعجزهم وقصورهم، ويأتي اليوم الذي يتحسر فيه القوم ويندمون على مناهجهم وطريقتهم {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سورة الملك: 10].

- الرسول صلى الله عليه وسلم يربي تربية القادة لا تربية العبيد:-
حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه تربية القادة لا تربية العبيد، فالرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه ويدع رأيه لرأيهم ففي بدر يتكلم (الحباب بن المنذر) بشأن المكان الذين ينزلون فهي فينهض الرسول صلى الله عليه وسلم ويتحول إلى المكان الذي يسير به الحباب رضي الله عنه، وفي غزوة أحد إستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج لملاقاة العدو أو البقاء في المدينة، وكان رأي كثير من الصحابة ممن لم يكن لهم شرف حضور بدر الخروج لملاقاة العدو خارج المدينة، ولم يزل أصحاب هذا الرأي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وافقهم عليه ثم ندموا وقالوا: "يا نبي الله شأنك إذاً"، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» [الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 3/91- خلاصة الدرجة: إسناد رجاله ثقات على شرط مسلم لكن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه]، وفي غزوة الخندق قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشورة سلمان الفارسي بحفر الخندق وكان صلى الله عليه وسلم يعمل إلى جانب العاملين...

في كل هذه الأمثلة نرى تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وإعترافه برأيهم ورضاه بصراحتهم وجراءتهم في الحق، وهذه التربية تنتج قادة يحملون التبعات، لا أتباعاً يسيرون وراء كل ناعق، ومن أمثلة هذه المواقف موقف الصحابي أبي حذيفة حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «» [ من لقي منكم العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم - فلا يقتله فإنما أخرج مستكرهاً . فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: "أنقتل آباءنا وأبنائنا وعشائرنا ونترك العباس؟ والله لأن لاقيته لألجمنه بالسيف"، إنه لموقف يتجلى فيه الصدق والصراحة والجراءة...

ما كان الأصحاب ليقفوا مثل هذه المواقف لولا ما عهدوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن استقباله للقول الذي يندفع به صاحبه ما يدفعه إلا الصدق والإخلاص في القول. هكذا كانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم تربية لروح النقد والصراحة بالحق والجهر به تربية تهدف إلى إنشاء قادة يستطيعون أن يضطلعوا بأعباء القيادة حين تغيب القيادة وفي هذه التربية يشعر كل فرد بأنه مسئول عن الدعوة الإسلامية حتى ولو كان وحده، وكل فرد مسئول في وظيفته الخاصة في الجماعة كما هو مسئول عن سير الجماعة كلها، ولأدنى فرد في هذه الجماعة أن يقف أمام خليفة المسلمين ليدلي برأيه وليعارض أي رأي يجد فيه خطأ.

- عمر رضي الله عنه يطبق الميزان:-
تأمل حال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما يقول على المنبر:- "إذا أصبت فأعينوني، وإذا أخطأت فقوموني"، فقال له رجل من بين الناس: "إذا أخطأت قومناك بسيوفنا..!".

عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يرضى بتعبيد الناس للناس ومصادرة عقولهم، وتغييبهم عن الساحة، بل يطالبهم بالمشاركة والناس لا يرضون بالتبعية والعجز.. وهكذا تبنى الأمم.

- أسباب مرض الرتابة وعدم التفكير والاتكال على الغير في التفكير:-

(أ) تأثير العادات والأعراف:-
إن من أخطر العوامل المؤثرة سلباً على طريقة التفكير والتحليل بناء المعارف العلمية على العادات والأعراف التي ينشأ عليها الإنسان فهو يعتقد صحة المسألة لكثرة تكرارها وتداولها في بيئته التي نشأ فيها، فهي معارف مبينة على التقليد والمحاكاة وليس على التفكير والتدبر وكثيراً ما نعتقد صحة فكرة ما من الأفكار حتى تصبح مسلمة عندنا حتى إذا خرجنا إلى بيئة أخرى اكتشفنا بطلانها وخطأها وقديماً كان يقال: "لا يعرف الإنسان خطأ شيخه حتى يجلس عند شيوخ آخرين"....

إن الشعور بالسلامة المطلقة للبيئة التي يعيش فيها الإنسان واعتقاده بكمالها وخلوها من الأمراض يقوده إلى التبعية وحبس العقل عن التدبر والتأمل، وسوف يؤدي هذا إلى الضمور والتآكل، وأما الإحساس بضرورة النمو والتحسين وليس بالضرورة الخطأ - فإنه يقوده إلى الإبداع والتجديد وتطوير الطاقات، فالتفكير المبدع هو الذي يحول الركود والرتابة والتلقائية إلى حركة حية منتجة تتطلع دائماً إلى المزيد، وكما قال الفضل: "التفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك" (دار السعادة)، وقال بن القيم: "التفكر والتذكر بذار العلم، وسقية مطارحته، ومذاكرته تلقيحه" (دار السعادة)، فالتفكير الصحيح وسيلة من وسائل الإنفتاق من آثار العادة والإتكال على تفكير الآخرين ولهذا تضمنت دعوات الأنبياء جميعًا - عليهم الصلاة والسلام - دعوة للتفكر والنظر، والتخلص من إرث الآباء والأجداد. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} [سورة سبأ: 46].

(ب) التربية الحزبية:
لقد نجحت التربية الحزبية في صناعة الببغاوات والقطعان الهائمة التي لا تجيد إلا فن التصفيق والإشادة واجترار الشعارات ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في بناء العقول الحية المبصرة القادرة على بناء المواقف وصناعة الأحداث، فالتربية الحزبية أفضل طريقة لوأد العقل وإماتة البصائر هذه التربية التي تبنى على ضرورة التسليم والإنقياد دون النظر والتفكير "ومن قلد عالماً لقي الله سالماً"... هكذا هم يقولون... أخزى الله التبعية الصماء كم قتلت من الطاقات؟!، لذلك فإن العمل الإسلامي ينبغي أن يكون على هيئة "إطار عمل" وليس "إطار إنتماء".

(ج) الهزيمة النفسية:
أصيب كثيراً من المسلمين بمرض فتاك وهو الهزيمة النفسية ولهذا المرض شق يختص بموضوعنا وشق آخر يتعلق بالانقياد بالأعداد والتشبه بهم، أما فيما يتعلق بموضوعنا فنجد أن كثيراً من الطيبين على الساحة الإسلامية يقولون بذلنا ما في وسعنا لإمامة دولة الإسلام ولم تقم منذ كم ونحن ندعو ونربي ...؟! ألخ.

وتدعو هذه النفسية المنهزمة إلى الانغلاق على النفس والتفكير ببلاده بدلاً من أن يفكر في إيجاد حلول عملية إيجابية لترشيد الأخطاء وتصحيحها حتى يتم التمكين لهذا الدين وفق السنن الربانية في التغيير.

ومن مشاهد الهزيمة النفسية مشهد التقليد وعدم الابتكار فنجد كثير من المسلمين لا يفكر في قضية الابتكار والاختراع في النواحي العلمية ولا يفكر في يوم من الأيام أين يكون مخترعاً أو مفكراً أو مبتكراً فتجد أنه في كثير من الدول لا يستطيع حتى صناعة الأمور البسيطة من حاجياتها ولله الأمر من قبل ومن بعد...

وعلى إثر تحديد الداء يكون تحديد الدواء أيسر بإذن الله سبحانه وتعالى.

بـعــض الـحـلـــول:
1- الخروج من إطار القوقعة الفكرية وعدم الإقتصار على فرد بعينه بل يجب الإنفتاح على الأفكار الناضجة التي تثير ملكة العقل للتفكير والإبتكار.

2- التربية على علو الهمة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم التواني والكسل ويعملنا الدعاء: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال» [رواه البخاري]، فالمسلم يجب أن تكون عنده نفسية قوية فإذا أخطأ أو حدثت له مشكلة فيقول: "قدر الله وما شاء فعل"، ويبدأ من جديد ويعمل للمستقبل - فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يربي أحد أبناءه إلى التطلع للأحسن، فقد ورد عن علي بن أبي طالب أنه سأل إبنه: "تريد أن تكون مثل من؟"، فقال له أحد أبناءه: "أريد أن أكون مثلك"، فقال له: "لا بل قل إنك تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنك إذا كان هدفك أن تكون مثل علي فلعلك لا تصل إلى علي؟ ولو كان هدفك الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قدوتك، قد تكون أفضل من علي بن أبي طالب" [يقول المحقق أنه لم يجد له أصلاً].

3- الإبتعاد عن التشاؤم والمتشائمين لأنهم من الذين يثبطون الهمم، فهذا ابن عباس رضي الله عنه حبر الأمة يلتمس أخ له ليسلكا طريق العلم فيثبطه بمقولة: "فما جدوى ذلك والأمة الإسلامية مليئة بالعلماء أمثال ابن مسعود وغيره"، فيتركه ابن عباس رضي الله عنه حتى يكون له الباع في العلم ويفتتح جامعته الذي كان فيها مديرها وأستاذها فهكذا تصنع الهمم العالية بأصحابها.

والله المستعان وعليه التكلان،،

الـمـصـــادر
- مجلة البيان العدد (82) مقال للشيخ أحمد بن عبد الرحمن الصويان بعنوان (لما لا نفكر)
- الهزيمة النفسية عند المسلمين - د. عبد الله الخاطر
- سبيل الدعوة الإسلامية - د. محمد أمين المصري
- أرجع إلى مبحث (أزمة العقل المبدع) للباحث محمد المصري.

تم تخريج الأحاديث من موقع الدرر السنية








المصدر: طريق الإسلام

محمد المصري

معلم وباحث إسلامي مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية ،وله عديد من الدراسات في مجال الشريعة والعقيدة والتربية الإسلامية.

  • 2
  • 0
  • 9,979
  • sampharo

      منذ
    "تأمل حال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما يقول على المنبر:- "إذا أصبت فأعينوني، وإذا أخطأت فقوموني"، فقال له رجل من بين الناس: "إذا أخطأت قومناك بسيوفنا..!"." لم أجد أي أصل لهذا الأثر وكل العلماء والمشايخ الذي أصل إليهم يقولون عليه ليس له أي صحة ولا سند، هل لأحد فائدة؟
  • محمد إسماعيل جبر

      منذ
    [[أعجبني:]] كله والحمد لله .. وأحب أن أضيف هنا ثمرة من ثمرات التفكير .. ربما تعجبكم : إنه خير دليل استثمارى .. لكن من نوع آخر .. أهديه لكم. مع وافر الشكر والتقدير .. الاستثمار فى الموارد البشرية من أهم الاستثمارات طويلة الأجل المؤثرة مباشرة فى ربحية أى مشروع أيا كان نوعه .. وانتاجية الموظف تتأثر بشدة بأخلاقياته وعقيدته .. لذلك عنى الإسلام بها عناية فائقة عندما جعل النبى صلى الله عليه وسلم عقيدة الإحسان فوق درجة الإسلام بالتقليد وفوق درجة الإيمان .. فالإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه .. ويزيد عن الإيمان باستحضار الله القريب أمامك معك فى مكانك ومجال بصرك لتراقبه مراقبة الناظر للمنظور فالمجاز جاء فى الرؤية البصربة لاستحالة حصولها .. ولم يأت المجاز فى المعية والقرب لأنهما حقيقة واقعة لا مجاز فيها . من هنا كانت تنمية هذه العقيدة عند الموظفين والعاملين لها أثرها الإيجابى على الإنتاج بمفهومه الواسع .. وهذا هو البحث الشرعى الذى يؤكد حقيقة القرب لله عز وجل ، يمكن الاستفادة منه فى ترسيخ عقيدة الإحسان فى قلوب الأفراد : وأرجو من الإخوة الكرام التريث فى الحكم على البحث لما فيه من فوائد عظيمة لكل أفراد الأمة كل فى مجاله .. وأيضا فيه إحقاق للحق فى عقيدة الإحسان التى أهملناها طويلا .. والله ولى التوفيق والسداد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخوكم فى الله محمد إسماعيل جبر www.allah-1.com http://www.el-wasat.com/details.php?id=55534441 وجدت أحد الشباب ينادى بضرورة تصحيح ما بأنفسنا من أخطاء قبل أن ننتقد غيرنا .. فقلت له : أخى العزيز .. أنت على حق .. فعيوننا كلها متجهة لنقد أعدائنا أعداء الله .. الذين يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومتجهة لنقد خصومنا فى الرأى .. الذين يختلفون معنا فى تفسير آية من كتاب الله ، أو حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولم يبق من عيوننا شيء لينظر إلى ما بأنفسنا نحن من أخطاء !! نعم لا يجوز أن نغفل عن أعدائنا .. فلا بد أن نأخذ حذرنا .. ولا مانع أن نناقش من يخالفنا فى الرأى من إخواننا المؤمنين .. لا مانع من مجادلتهم بالتى هى أحسن .. كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم .. لكنه لا يجوز بأى حال من الأحوال أن ننسى أنفسنا !! .. لابد من محاسبة النفس ومراقبتها وتزكيتها باستمرار. ولقد بحثت طويلا عن أسباب انهيار المراقبة لله عند أكثر الناس ، فوجدت أنه ما من أخلاق أو سلوكيات إلا ومردها إلى عقيدة ترسخت فى القلب ، أو فهم معين سيطر على ذهن الإنسان فأصبح لا يرى الأمور إلا من خلاله .. ووجدت أن المراقبة عند الصحابة الأجلاء كانت على أعلى مستوى ، وكان مردها عندهم إلى عقيدة ( الإحسان ) ، التى معناها أن تعبد الله كأنك تراه ، وهى أعلى من درجة (الإسلام - أى التسليم والانقياد والتقليد ) ، وأعلى من درجة ( الإيمان - أى التصديق القولى والقلبى ) . فالإحسان يزيد عما سبق بشيء هام جدا.. ألا وهو استحضار الله أمامك فى خاطرك وعقلك وقلبك وكل كيانك وكل مكانك ، لتخاطبه مخاطبة القريب الذى تراه .. والله قريب بجميع معانى القرب الحقيقى ، ولا يبعد عنا شبرا واحدا ، ولكنه لا تدركه أبصارنا .. والذين جادلوا فى هذا القرب الحقيقى ، وحملوه على معنى علم الله بنا ، وقالوا هو بذاته فوق العرش ، لم يقولوا ذلك إلا لعدم قدرتهم على رؤية الله بأبصارهم قريبا فى أماكنهم التى يعيشون فيها يرتعون ويمرحون !! .. أيضا ساعدهم على هذا الظن تفسير بعض العلماء للاستواء على العرش بالإبتعاد عن السماء والأرض ، وإثباتهم الوجود الذاتى لله فوق العرش فقط !! .. وعلى الرغم من ثبوت وجود الله سبحانه بنفسه فوق العرش ، إلا أن ذلك لا يجوز أن يتعارض مع ثبوت وجوده بنفسه معنا وفى كل السماوات .. وعند استحضار المسلم المؤمن المحسن لله أمامه على الحقيقة ، فهو يجاهد نفسه جهادا كبيرا حتى يصل إلى هذه الدرجة من التعامل مع الله نفسه - لكن من وراء حجاب ، وهو حجاب عدم القدرة على رؤية الله بالبصر ، وعدم القدرة على سماع الله وهو يقول قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين .. فالحجاب بين العبد وربه ليس بُعْدا مكانيا ، ولكنه عدم امتلاك العبد لقدرة تمكنه من رؤية الله القريب معه حقيقة .. بالإضافة إلى عجز العقل البشرى عجزا كاملا عن رسم صورة لله فى ذهن الإنسان. فهذه حجب تحول بين الإنسان وبين بلوغ درجة الإحسان ، ولكنها حجب نوعية وكيفية مردها إلى حال الإنسان وتركيبته العاجزة ، وليست هى حجب مكانية مردها إلى انتقال الله بعيدا بعيدا عن أرضه وسماواته !!. وعندما يصل المسلم المؤمن المحسن إلى درجة الإحسان .. ويعبد الله كأنه يراه ، يثبته الله بأنواع من الرؤية التى هى أقرب إلى الرؤى المنامية الصادقة منها إلى الرؤية البصرية. والرؤيا القلبية المنامية الصادقة معترف بها فى الإسلام ، وثابتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال عنها النبى صلى الله عليه وسلم أنها جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة. فماذا يرى المؤمن المحسن من التثبيتات ؟! .. هذا أمر خاص به ، ولو تكلم عنه ربما لا يستطيع التعبير بدقة أو بكلمات دقيقة فى وصف ما يرى ، وغالبا ما يكذبه أكثر سامعيه !! لم أتكلم فى بحثى هذا الذى جاء فى كتابى بعنوان ( إن الله معنا حقا ) من منطلق التصوف المعروف ، ولست خبيرا بكل ما قاله المتصوفة ، ولو تشابهت النتائج التى توصلت إليها مع شيء من كلام المتصوفة فليس معنى ذلك أننى اقتفيت أثر أقدامهم أو أقوالهم . ولكن ما توصلت إليه من نتائج - وأهمها إثبات قرب الله نفسه معنا ، جاء مبنيا على القرآن والسنة وبعيدا عن تجوال الخواطر والظنون .. بل بأدلة شرعية قطعية الثبوت والدلالة ، ترتكز على صحيح اللغة العربية الأصيلة حين نزل بها القرآن الكريم وتحدث بها النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم . ولقد أمسكت بمنبت الافتراق عن أصول هذه اللغة عند المفسرين ، ووضعت يدى على أصل الافتراق ، وجليته للقارئ الواعى والباحث الجاد ، حينما فضحت اصطلاح ( الذات البعيدة المركبة ) ، وقطعت صلتها تماما بأصْلىْ أصول الإسلام - وهُما القرآن والسنة. إن إثبات المكان القريب والبعيد لله عز وجل نفسه ، لا يتعارض مع القرآن والسنة أدنى تعارض ، بل يسير مع ظاهر جميع النصوص فيهما سيرا يسيرا هادئا مستقرا ، وهذه العقيدة تنفع المسلمين فى جميع أحوالهم فى الدنيا والآخرة ، بل إننى استطعت بفضل الله أن أربط بين هذه العقيدة وبين جميع الإنجازات الضخمة التى تحققت للمسلمين بيد الله عز وجل - ولا أقول حققها المسلمون كما يقول علماء اليوم !! وعندما أنشر بحثى هذا أجده يصطدم بتأويلات وتفسيرات لبعض الفرق والمذاهب ، فيهرعون إلى إغلاق الأبواب وسد النوافذ !! وإذا ضيقت عليهم الخناق بالحجج التى لا مرد لها .. قالوا: تفرق معنا فى ماذا لو كان معنا الله بذاته ؟!! .. ولكنى أقول لهم: الفرق كبير جدا بين الإثبات وبين النفى لأى صفة من صفات الله عز وجل .. الفرق بينهما هو الفرق بين الإيمان وعدمه - إن كنتم تعلمون . وأقول لهم: إن علماء الإسلام جميعا تعلموا وعلمونا أن الإنسان يجب أن يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال .. فالمفروض أن نعرف الله سبحانه أولا من كلامه وكلام رسوله ، ثم نعرف أهل الله من خلال معرفتنا بالله .. وتعلموا وعلمونا أيضا أن كل البشر - كل البشر - يؤخذ منهم ويرد عليهم ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتعلموا وعلمونا كذلك أنه يجب علينا الاستدلال الصحيح أولا ثم الاعتقاد ، وليس الاعتقاد أولا ثم الاستدلال !! ولكن - للأسف الشديد - دأبت بعض المواقع (الإسلامية) على حجب بعض كتاباتى لديهم عن قرب الله !! .. ولأننى واثق تمام الثقة أننى أكتب حسب الأصول الشرعية العلمية المعتبرة ، أرجوا من السادة مديرى المواقع والمشرفين عليها مراجعة موقعى الشخصى www.allah-1.com ودراسة كتابى به (إن الله معنا حقا) الذى يحقق عقيدة المسلم فى القرآن والسنة ، أى القائمة على الكتاب والسنة فحسب ، بصرف النظر عن اختلافات الفرق الكلامية والمذاهب العقائدية .. لأن خلافاتهم قديما وحديثا تسببت فى تصدع الأمة إلى يومنا هذا . ولو أنهم توقفوا عن ( الكلام ) و ( التفسير ) كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووسعهم ما وسعهم ، لنجوا ونجونا جميعا . وليس من المقبول شرعا أو عقلا أن نترك دراسة القرآن والسنة إكراما للمتكلمين وآرائهم ، أو مخافة تجريحهم فى قبورهم !! .. وقد علمتم أن وجود الله معنا أو فى السماء أو فوق العرش ، لن يخضع للمعقول البشرى أو للإدراك البصرى ، فالكيف غير معقول والله لا تدركه الأبصار. ولكن الأين معلوم لنا جميعا من أرض وسماء وفوق العرش .. هذه أماكن معلومة لنا بالضرورة ، كترتيب جهات ومسافات - إجمالا لا تفصيلا - وعلمُنا الإجمالى هذا بها ، يكفى تماما لإقامة حجة الله علينا عند مخاطبتنا عنها وعن تعيين وجوده فيها ، فى القرآن والسنة . إخوانى الأعزاء - أكرمنا وأكرمكم الله بالغيرة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - إننى لا أكتب ما أكتب إلا تمسكا بكتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ، وتطبيقا وإعمالا لوصية النبى المطاع محمد صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا .. كتاب الله وسنتى . وأؤكد لكم بأنه جد عندى جديد من قديم - لم يفطن إليه كثير ممن كانوا قبلنا - هذا الجديد القديم قد حسم الأمر لصالح قرب الله نفسه معنا حقيقة ، بلا تفسير ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل .. وقد تعلمون أنه لا يجوز صرف القرآن عن ظاهره إلا لاستحالة شرعية مؤكدة .. وقد أذهبْتُ الاستح

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً