إحياء - (346) سُنَّة إعتزال المسجد لمن ساءت رائحته

منذ 2015-06-08

كان رسول الله حريصًا على توفير أفضل ظروف يُحافِظ فيها المؤمن على خشوعه أثناء صلاته بالمسجد، وكان يحرص على كل ما يدفع المسلمين إلى صلاة الجماعة.

كان رسول الله صلى الله عليه وسم حريصًا على توفير أفضل ظروف يُحافِظ فيها المؤمن على خشوعه أثناء صلاته بالمسجد، وكان يحرص على كل ما يدفع المسلمين إلى صلاة الجماعة، ولهذا كان من سُنَّته صلى الله عليه وسم أن يمنع مَنْ ساءت رائحتُه من المسلمين من حضور صلاة الجماعة، وذلك حتى تذهب رائحته الكريهة، فتفويت صلاة الجماعة على واحد أو اثنين أفضل من الذهاب بخشوع جميع المصلين، والرائحة الكريهة تأتي من بعض المأكولات، وأهمها الثوم، والبصل، والكراث.

فقد روى البخاري عن عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسم: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلاَ يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا» قُلْتُ: "مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلَّا نِيئَهُ".

وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسم، عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا، فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى، مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ»".

وفي الرواية الأخيرة ذَكَرَ رسول الله صلى الله عليه وسم بُعْدًا جديدًا في منعه لمن أكل هذه الأطعمة من دخول المسجد، وهو إيذاء الملائكة، فهي -مثل بني آدم- تتأذى من الرائحة الكريهة، وليس معنى هذا المنع أن أكل هذه الأطعمة حرام، بل هي حلال بلا ريب، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: "لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسم فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسم الرِّيحَ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ»، فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسم فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا»".

وأخيرًا فإن العِلَّة في اعتزال المسجد هي وجود الرائحة الكريهة، فإن ذهبت الرائحة جاز دخول المسجد، فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ قُرَّةَ بنِ إياسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسم نَهَى عَنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ.

وَقَالَ: «مَنْ أَكَلَهُمَا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا»، وَقَالَ: «إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ آكِلِيهِمَا فَأَمِيتُوهُمَا طَبْخًا» قَالَ: "يَعْنِي الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لأن الطبخ الشديد سيذهب غالبًا بالرائحة"، فلنحرص على هذه السُّنَّة الراقية، ولنعلم أن الذي يؤذينا يؤذي الناسَ كذلك، وأنه كما نحب الرائحة الطيبة فإن الناس كذلك تفعل،

ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 7
  • 0
  • 5,301
المقال السابق
(345) سُنَّة قراءة الإخلاص كل ليلة
المقال التالي
(347) سُنَّة عدم الانتصار للنفس

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً