رمضانك ربيعك - (6) كيف تخطط لعباداتك؟

منذ 2015-06-22

صفّي وقتك وفكرك من المشتتات والملهيات سواء متابعة التلفاز والمسلسلات والأفلام، أو كثرة الخروجات الاجتماعية أو حتى التواصل الافتراضي، وكذلك تخفف من العادات التي تثقلك وتكسلك كما سبق في ضبط النوم والأكل، واذكر أن الله تعالى يذم من يسمع التذكرة ثم يعرض عنها ويسوّفها: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا}.

ماذا، لماذا، كم، متى، كيف، ركز، اصبر.

1- ماذا؟ 
حدد المحاور التعبدية: (الصلاة، القرآن (تلاوة وحفظًا)، الدعاء، الذكر، المعاملات، الفقه) والفقه هنا لا يقصد به الجانب الشرعي للأحكام والحلال والحرام، بل المقصود منه تدارس جانب معين في الدين تتمكن منه في هذه الفترة، كـ(السنن والهدي النبوي، العقيدة، الأسماء الحسنى).

2- لماذا؟ 
حدد مقصدك من كل محور أو هدف، فكلما كنت واعيًا بما تقدم عليك ازداد استشعارك لأثره الإيماني ومداومتك عليه، كذلك لا تشعر بالذنب لإدراج أو عدم إدراج هدف معين، فمن طبع أجوائه الأسرية في هذا الشهر التزاور والتراحم، ينبغي أن يحوّل هذا لمحور واعٍ بدل أن ينظر إليه على أنه إكراه يشغله عن الخلو بنفسه، ثم يقسم أوقات الخلوة تبعًا لذلك، ومن هو في سعة من تأجيل التزاورات في العيد ورؤيته التعبدية لهذا العام تشمل جانبًا أولى عنده، فالتأجيل في حقه أولى لذلك نؤكد على ما ذكرناه في الحلقة الأولى أن رمضانك هو رمضانك أنت.

3- كم؟
ويقصد به الكم القدري والزمني بالتفصيل، فإذا أردت مثلاً أن تختم ختمتين بتلاوة واعية، تحديد الكم يكون على النحو التالي: (ج60 ÷ 30يوم= جزئين يوميًا)، (الجزء= 20 وجه= 40 وجه يوميًا)، وإذا كان لك ورد قراءة يومي، إما أن يكون بالساعات أي (ساعتين يوميًا)، أو بعدد الصفحات أي (10 صفحات يوميًا)، لكن لا يحبذ تحديد كليهما معًا حرصًا على جودة الأداء، ويدخل في ذلك إعداد قوائم بأدعية معينة لأمور تشغلك تثابر عليها، ولو قائمة كل أسبوع أو كل 10 أيام، واختيارها من المأثور من دعاء الكتاب والسنة، ففيها الكفاية وجوامع الكلم بدل التأليفات والتوليفات، وكذلك تحديد كم من الذكر المطلق من تسبيحات وغيرها تلتزم به.

4- متى؟
وهذا الورد الدروي الذي ستتم فيه الكم المحدد في الخطوة السابقة، ويشترط له أن يكون دوريًا (يومي، أسبوعي..)، وثابتًا (في ميقات أو مواقيت محددة)، 40 وجه يوميًا، يمكن تقسيمها مثلا على النحو التالي: (10بعد الفجر، و10 بعد الظهر، و10 بعد العصر، و10 بعد التراويح)، وكذلك في ورد القراءة يمكنك وضعه في أوقات يقظتك، إما بعد الفجر أو ليلاً أو ظهرًا أو عصرًا، العبرة بالدوام على الكم المحدد، ومواطن الدعاء في السجود ودبر الصلوات، والثلث الأخير وبين الأذان والإقامة.. إلخ.

5- كيف؟
لابد من منهجية لإتمام العمل المحدد في ميقاته المعين، وذلك هو خير حافظ لجودة الأداء وقوة البناء، فكلنا يتلو القرآن لكن قليل منا من يضع خطوات منهجية لتكون تلاوة تدبر وهداية، مثلاً تبدأ بالوضوء والدعاء والصلاة على النبي، وفي ذلك من التهيئة القلبية ما يخفى، ثم تحدد لنفسك مقدار الجهر، وهل تتلو ثم تستمع لقارئ يتلو نفس المقطع فتكون ختمتان معًا، وتفيد تصحيح قراءات في ذات الوقت؟ وهل تطلع على مقاصد الجزء والسورة قبل الشروع في تلاوتها؛ ليكون أعون على فهمها؟ وهل تدوّن ما يفتح الله من خواطر حول آيات معينة أجابت عن تساؤل أو نبهت لأمر؟

كذلك لو أن في خطتك حفظ سورة أو جزءا معينًا، كيف ستحفظ وتراجع؟
أهمية الكيف تكمن في إيقاظ دوافعك الداخلية للتفاعل مع العمل، فالعبرة ليست بالإكثار من الحركات والأعمال، ولكن بكيفية أدائك لها ومردود هذه الكيفية على وجدانك إذا كنا نتحدث عن الرقي بالإيمان، هذه اليقظة لدواخلك وبواعثك هي خير مضاد حيوي لروتينية الأداء وتشتت الشعور، فاحرص على تجويد كيفية قيامك بالعبادات التي لا مفر من الاستمرار عليها، فالفجر والعشاء في جماعة بيقظة وانتباه أوجب من السهر طوال الليل ولو في طاعة، ثم الترنح على وقت الفريضة.

واستكثر حيث يمكنك الاختيار مما تجد روحك ميسرة مائلة إليه، وباب الطاعات والنوافل المطلقة مفتوح على مصراعيه لا يطلب إلا منتقيًا بحرص ووعي، فمن حرص على العشاء والفجر في جماعة فهو في الأجر كمن قام الليل كله، ومن حرص على أذكار ما بعد الفجر وقد صلاها في جماعة كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، ولو جمع لذلك قيامًا قبل الفجر بما ييسر الله له به في الثلث الأخير فهو خير كثير وفضل ونعمة، وهكذا بالتركيز مع العبادات الكيفية يمكنك أن تجمع ثوابًا وقربى خير من الاستكثار الصوري من العدد والحركة.

6- ركز
إذا حان وقت مهمة انقطع لها تمامًا حتى تنجزها، وانصرف عن كل الشواغل من هاتف وتراسل وتلفاز.

7- ثابر وصابر: 
فإنك تأخذ من نفسك لنفسك، فإذا مللت من نفسك فمن لك؟
وإن الله وعد أن النصر مع الصبر، فالصبر قِوام هذا الدين {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7].

8- مرونة الإنجاز: استراتيجية دسم ونصف دسم.
هنالك أعمال دسمة لو قمت بها كتلة واحدة صارت ثقيلة على نفسك، خاصة لو تتطلب تكرار، هذا النوع طالما يمكن تقسيمه فالتقسيم فيه خير وأبقى، كما في تقسيم أوجه القرآن الأربعين على حوالي (30ق 4 مرات = ساعتين) بدل تكتل الساعتين يوميًا تمضي نصفها شاردًا والآخر غافيًا! هذه منهجية تخفيف الدسم.

وأما الأعمال التي هي دورية على فترات متباعدة أو مرة واحدة، فيفضل أن تحفظها لأوقات نشاطك دفعة واحدة، لذلك كن منتبهًا في يومك لأوقات الدسم خاصة التي تكون بعد نوم، ويمكنك الإنجاز فيها بقوة ولو كنت صائمًا كالقراءة والتلاوة والدراسة، وأوقات نصف الدسم لما يمكن تقسيمه أو لا يتطلب تركيزًا عاليًا، بالذات التواصل الاجتماعي الواجب أو الاستماع لدرس مسجل.

9- جفف منابع الغفلة واللهو أولاً لتستيقظ قوى الذكر..
فصفّي وقتك وفكرك من المشتتات والملهيات سواء متابعة التلفاز والمسلسلات والأفلام، أو كثرة الخروجات الاجتماعية أو حتى التواصل الافتراضي، وكذلك تخفف من العادات التي تثقلك وتكسلك كما سبق في ضبط النوم والأكل، واذكر أن الله تعالى يذم من يسمع التذكرة ثم يعرض عنها ويسوّفها: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة من الآية:22]، وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
والله تعالى الموفق والمستعان.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

هدى عبد الرحمن النمر

كاتبة وأديبة ومترجمة ومحاضِرة ، في مجالات اللغة والأدب والفكر والتعليم مدونة الكاتبة : https://hmisk.wordpress.com/

  • 2
  • 0
  • 1,700
المقال السابق
(5) كيف تدير أكلك وتبني لياقتك؟
المقال التالي
(7) التقوى مفتاح الفوز

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً