الإعلام المصري وصناعة الرأي العام

منذ 2015-07-05

لا يكاد الشعب المصري ينتهي من قضية اجتماعية أو ثقافية بطلها الإعلام، إلا وتبدأ الفضائيات في عرض أخرى أكثر تأثيراً ووقعاً في نفوس المصريين، فتدخل تلك الفضائيات التي صنعت الحدث في جدال سياسي وديني وثقافي ينتهي بقضية جديدة هي من صنع الإعلام الذي تحول دورة من نشر الوعي واستعراض هموم الناس والدفاع عنها، إلى صناعة الأحداث لجذب الرأي العام نحو قضايا أخرى تشتت تفكيرهم وتصرفهم عن أوجاعهم اليومية المتزايدة بفعل غياب الأمن وتراجع الاقتصاد بسبب عبث السياسة.

لا يكاد الشعب المصري ينتهي من قضية اجتماعية أو ثقافية بطلها الإعلام، إلا وتبدأ الفضائيات في عرض أخرى أكثر تأثيراً ووقعاً في نفوس المصريين، فتدخل تلك الفضائيات التي صنعت الحدث في جدال سياسي وديني وثقافي ينتهي بقضية جديدة هي من صنع الإعلام الذي تحول دورة من نشر الوعي واستعراض هموم الناس والدفاع عنها، إلى صناعة الأحداث لجذب الرأي العام نحو قضايا أخرى تشتت تفكيرهم وتصرفهم عن أوجاعهم اليومية المتزايدة بفعل غياب الأمن وتراجع الاقتصاد بسبب عبث السياسة.

تجاهل القضايا المصيرية

الملاحظ أن الفضائيات المصرية والكثير من الصحف اليومية قد خصصت الجزء الأكبر للقضايا التي لا تهم المواطن المصري، وركزت اهتماماتها على قضايا تمس القيم الدينية والثقافية المصرية، لكنها لا تعبر ولا تلامس هموم المواطن الذي يبحث عن أي حل لمشكلاته الاقتصادية، ويتمنى أن يشعر بالأمن الذي طال انتظاره طويلاً بعد فشل النظام السياسي في تحقيقه لأسباب لها علاقة بحالة الانقسام السياسي التي تسود البلاد.

وهنا أزعُم أن قضية تجديد الخطاب الديني التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مطلع العام الجاري، قد حازت على النصيب الأكبر في وسائل الإعلام المصرية بكافة أشكالها، لكن تلك التصريحات ربما فُهمت أو تم تلقفها إعلامياً وعرضها بطرق وأشكال مختلفة لا تخدم مقاصد الرئيس المصري، فالأخير تطرق للحديث عن هذا الموضوع في سياق الصراع مع تيار الإسلام السياسي، بينما ما يتم عرضه في الفضائيات ربما يمثل إساءة للمنظومة الإعلامية والقائمين عليها.

فتحول الأمر إلى تخصيص برامج تلفزيونية أبرزها للإعلامي المثير للجدل "إسلام بحيري" الذي وجه الكثير من الانتقادات والشتائم والألفاظ الخارجة للمفكرين والأئمة، وقد أوغل في طرح تفسير جديد للدين الاسلامي، إلى أن وصل الأمر لمناظرة مع علماء دين آخرين أظهروا المستوى الحقيقي لهذا الإعلامي الذي تم وقف برنامجه، لكن ما أن انتهت هذه المهزلة وغيرها في فضائيات أخرى، بدأت قضية مليونية خلع الحجاب، والدعوة التي أطلقها الكاتب المصري شريف الشوباشي، وكان لها صدى واسع في الفضائيات المصرية، لكنها في نفس الوقت قوبلت بحالة من الاستهجان الشديد للرأي العام المصري، الذي عبر عن رفضه لمثل هذه الأفكار جملةً وتفصيلاً.

يضاف لمثل هذه القضايا المثارة جملة من الفتاوى الدينية التي يطلقها بعض الدعاة والمشايخ، وما أثارته من سخط واستهجان في أوساط الرأي العام المصري، كونها أقرب إلى الخرافات والأساطير، وقد تميز الشيخ "على جمعة" بفتاوى أقرب ما تكون إلى الخيال أو حديث الجاهلية الأولى، ولعل أبرزها "الأرواح تتحدث مع زائريها بالستاليت" و " مشاهد المحرمات والرذيلة في الأفلام جائزة"، وغيرها من الفتاوى الغريبة.

ولا شك أن القضايا الاقتصادية والأمنية تثقل كاهل النظام المصري وكذلك المواطن، لكن مع ذلك ظل التركيز الإعلامي على قضايا مصطنعة، بالتأكيد لها معاني كثيرة سنأتي على ذكرها لاحقاً.

إلهاء الشعب المصري

وهنا أبدأ من حيث انتهيت، وأطرح السؤال التالي، لماذا يتم طرح قضايا ثانوية ومصطنعة والخوض في مسائل بعيدة عن هموم المواطن المصري، وعدم إعطاء الحيز الكافي للقضايا الرئيسية المتعلقة بالاقتصاد والأمن في الإعلام المصري؟

للإجابة على هذا السؤال لابد من العودة قليلاً لزمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي اعتمد أسلوب مشابه في التغطية على الواقع والأزمات الحقيقية التي تعصف بالنظام، لأن الأنظمة السياسية عندما تصل إلى مرحلة الشيخوخة تبدأ بالبحث عن وسائل تمكنها من الاستمرار لأطول فترة ممكنة والهروب من مواجهة الشعب، فكان نظام مبارك قد أعتمد في سنواته الأخيرة على أدوات أخرى أبرزها كرة القدم، فقدم لها دعم سياسي وإعلامي، وجعل منها واحده من أهم الأحداث التي يمكن أن تشغل الرأي العام المصري، فكانت مباريات منتخبات مصر الخارجية عبارة عن مهمات قومية تستدعي رجال السياسية وأبناء مبارك أنفسهم اللذين لم يفوتوا أي فوز لكرة القدم المصرية إلا وكانوا جزءا منها.

لكن بما أن تلك الأداة الثمينة التي افتقدها النظام الحالي بسبب تراجع الرياضة المصرية بفعل غياب الأمن، جعلته يبحث عن أدوات أخرى أكثر سهولة وأقل ثمناً، فكان الإعلام يداً طيعة يمكن الاعتماد عليها في أقسى الظروف للخروج من أزمات سياسية مزمنة بات من الصعب على السياسيين الوصول إلى وصفة سحرية للفكاك منها.

الإعلام أداة في يد النظام

إذا كان الإعلام المصري قد لعب دور كبير ومهم في إسقاط الرئيس السابق محمد مرسي، فإنه بدأ يلعب دور معكوس في عهد السيسي، فما كان مطلوباً من توسيع للحريات والعدالة الاجتماعية، أصبح أخر ما يمكن أن تركز عليه وسائل الإعلام المصرية، وما كان مشروعاً في عهد نظام مرسي، أصبح محرماً في عهد النظام  السياسي الحالي.

لكن سرعان ما انعكس ذلك على المنظومة الإعلامية المصرية التي تشهد تراجع ملحوظ، نتيجة غياب ثقة الرأي العام المحلي والعربي والدولي، وبالتالي غياب الرعاة والمعلنين، ما أدى إلى تفاقم مديونية تلك القنوات، حيث وصل حجم مديونيتها لمدينة الإنتاج الإعلامي إلى 500 مليون جنية.

كما أن سيطرة النظام على الفضائيات المصرية وتوجيهها بالشكل والمضمون الذي يريد جعل منها مجرد منابر لبعض الشخصيات المحسوبين على النظام، مما أفقدهم عامل المصداقية، فإلغاء الكثير من برامج التوك شو الشهيرة، وتسريح المئات من الإعلاميين والصحفيين في القنوات الخاصة والرسمية وكذلك الصحف المصرية المختلفة، جاء تعبيراً عن تراجع تلك المنظومة الإعلامية المترهلة، التي فقدت مهنيتها وبالتالي الجزء الأكبر من مصداقيتها.

ولعل هروبها من طرح القضايا الهامة وابتعادها عن تلك التي تسبب إحراج للنظام السياسي، لاسيما حادثة حرق الكتب في بعض المدارس بحجة القضاء على التطرف، وعدم التركيز على القضايا الاقتصادية المزمنة، قد جعلها هي الأخرى أمام تحديات من نوع آخر أوصلتها إلى مستوى الاندثار، لأن الأزمة الاقتصادية لم تصيب قطاعات بعينها بل تضرب المنظومة الاقتصادية بشكل عام، فكان الإعلام أحد هذه الضحايا، كونه عانى هو الأخر من غياب الرعاة والإعلانات التي طالما لعبت دور الرئة التي تتنفس منها الفضائيات، وقد وصل الأمر إلى إغلاق الكثير منها.

فكان تركيز الإعلام على مواد صحفية وإعلامية لإلهاء الشعب عن مآسي الساسة نقمة أصابت تلك المنظومة عقاباً لها عن دورها في تشتيت وتظليل الرأي العام المصري.


مجلة البيان
إياد جبر

  • 4
  • 0
  • 2,753

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً