ليالي رمضان ليالي الخير والإحسان

منذ 2015-07-06

من بركات الليالي الرمضانية تعجيل الفطر الذي هو سنة نبوية وسمة إسلامية، نخالف بها أهل الكتاب، وفي هذا من ترسيخ للهوية الإسلامية وفضيلة اتباع السنة المحمدية ما لا يُحد خيره ولا تُحصى بركته، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور».

بسم الله الرحمن الرحيم..

ليالي رمضان ليال ذات أجواء إيمانية خاصة، مفعمة بالبركة والروحانية العالية، ليال تقترب فيها القلوب المؤمنة من السماء، وتحلق الأرواح الزكية في جنان الطاعة، وتستشعر النفوس الصائمة الصلة برحمة الله تعالى وجوده وكرمة الذي يفيض على عباده في هذا الشهر الفضيل.

قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهنّم، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وينادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» (الترمذي).

تبدأ الليلة الرمضانية بالفرحة عند انطلاق أذان المغرب وإفطار الصائم، تلك الفرحة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه» (مسلم).

قال ابن رجب رحمه الله: "أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصًا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعًا"

وقال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "وفيه الإشارة إلى أن الصائم إذا قارب فطره، وحصلت له هذه الفرحة، فإنها تقابل ما مر عليها في نهاره من مشقة ترك الشهوات، فهي من باب التنشيط، وإنهاض الهمم على الخير".

ومن بركات الليالي الرمضانية تعجيل الفطر الذي هو سنة نبوية وسمة إسلامية، نخالف بها أهل الكتاب، وفي هذا من ترسيخ للهوية الإسلامية وفضيلة اتباع السنة المحمدية ما لا يُحد خيره ولا تُحصى بركته، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» (البخاري).

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهرًا» وظهور الدين مستلزم لدوام الخير كما قال ابن حجر العسقلاني، وقال أيضًا: "امتثالا للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها"، زاد أبو هريرة في حديثه: «لأن اليهود والنصارى يؤخرون» (أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما). 

وتأخير أهل الكتاب له أمد، وهو ظهور النجم، وقد روى ابن حبان والحاكم من حديث سهل أيضًا بلفظ: «لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم»، وفيه بيان العلة في ذلك، قال المهلب: "والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل، ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة" (فتح الباري).

قال شيخ الإسلام: "وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى، وإذا كان مخالفتهم سببًا لظهور الدين فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة".

ومن بركة الاتباع في هذه الليالي الفطر وفقًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في سنن أبي داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاء»، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه: «كَانَ لَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاء» (الحاكم في المستدرك).

قال أهل العلم: "يجب على كلِّ مسلم أن يدرك فضل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ السعادة إنَّما تنال باتباعه والسير على نهجه، فلم يبعث الله تعالى الرسل إلا ليُتَّبعوا ولتقتفى آثارهم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64] وفضل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المتقررة والأصول المتأكدة، فلا دين إلا بالاتباع، ولا سعادة ولا فلاح في الدنيا والآخرة إلا به".

وما كان الناس بحاجة إلى أن تعقد الفصول وتؤلف المؤلفات في بيان فضل اتباعه، ولكن لمَّا عمت في الناس الأهواء وكثرت البدع والآراء، وفشت الضلالات احتاج أهل العلم إلى تأليف الكتب وعقد الفصول، وكتابة الرسائل وجمع الأدلة في بيان فضل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والتحذير من الأهواء وأهلها، حتى تستبين الجادة وتتضح الطريق، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]

ثم تأتي صلاة التراويح بعد فريضة العشاء وهي من العبادات التي تحمل الكثير من الذكريات الرمضانية الجميلة، حيث الاجتماع والوحدة وسماع القرآن بأصوات ندية، والدعاء والتضرع والقنوت، وكثير من العبادات الروحانية والإيمانية الرائعة.

وسميّ قيام الليل في رمضان بصلاة التراويح لأنّ السّلف رحمهم الله كانوا إذا صلّوها استراحوا بعد كلّ ركعتين أو أربع من اجتهادهم في تطويل الصلاة اغتناما لموسم الأجر العظيم وحرصًا على الأجر المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (رواه البخاري).

وعن عمرو بن مرة الجهني قال: "جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء» (رواه البزار بإسناد حسن).

وقيام رَمضان شاملٌ للصلاة في أوَّله وآخِره، والتراويح من قيام رَمضان، ففي السنن وغيرها عن أبي ذر رضِي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قام مع الإمام حتى ينصَرِف كُتِبَ له قيامُ ليلة».

وفي ليالي رمضان تكون ليلة القدر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (رواه البخاري). قوله: «إيمانًا واحتسابًا» أي مصدقًا بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسبًا مريدًا بذلك وجه الله، بريئًا من الرياء والسمعة، راجيًا عليه ثوابه.

ولهذا كان من سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الاعتِكافُ في العشر الأواخر من رمضان، بغية الاجتِهاد في العِبادة، وبذل الوسع في تحرِّي تلك الليلة المباركة، فينقَطِع في المسجد تلك المدَّة عن كلِّ الخلائق، مشتَغِلًا بطاعة الخالق، قد حبَس نفسَه على طاعته، وشغل لسانه بدعائه وذكره، وتخلَّى عن جميع ما يشغله، وعكف بقلبه على ربِّه وما يُقرِّبه منه، فما بقي له سوى الله، وما شغل نفسه إلا بما فيه رِضاه.

وليالي رمضان ليال عامرة بتلاوة القرآن، فقد كان جبريل عليه السلام يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من ليالي رمضان فيدارسه القرآن، لذا كان هم الصالحون تلاوة كتاب ربهم آناء الليل وأطراف النهار، ليكون شفيعًا لهم يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» (أحمد).

والسحور من خواتيم الليالي الرمضانية، وهو من السنن المستحبة، لقوله عليه الصلاة والسلام:
- «إن السحور بركة أعطاكموها الله فلا تدعوها» (أحمد والنسائي).
- «إن الله تعالى جعل البركة في السحور والكيل» (صحيح الجامع: 1735).
- «البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور» (الطبراني، صحيح الجامع).

- «عليكم بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك» (أحمد والنسائي).
- «تسحروا فإن في السحور بركة» (البخاري).
- «إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» (ابن حبان والطبراني).
- «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» (مسلم).

ويبدأ وقت السحور بعد منتصف الليل، لكن من السنة النبوية تعجيل الإفطار وتأخير السحور، وبذلك سمي السحور لأنه يقع في وقت السحر وهو آخر الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «بكروا بالإفطار، وأخروا السحور» (صحيح الجامع:2835).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة» (الطبراني، صحيح الجامع)، وفي التأخير ضمان لأداء صلاة الفجر، وإدارك ثلث الليل الآخر، وهو من الأوقات الشريفة التي تستجاب فيها الدعوات، فضلًا ارتباط السحور ببداية الصوم مما يؤخر الشعور بالجوع والعطش.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 2
  • 0
  • 9,732

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً