الشعارات السياسية و الدعوات الجديدة و مكانها في الوعي الإسلامي

منذ 2015-07-26

أن أي محتال أو صاحب ضلالة لا يروج لكذبه وخداعه أو ضلاله معلنًا أنه كاذب أو ضال أو جاهل، بل عادة ما يرفع شعارًا جميلًا ويقدم دعوى جذابة ليجذب له مريدين وليحسن صورته أمام العالم حوله، بالضبط كما فعل إبليس مع أبينا آدم، وكما قال (جد الخوارج) لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "اتق الله يا محمد واعدل"، وقال أحفاده للإمام علي كرم الله وجهه: "لا حكم إلا لله.. أتحكم الرجال في كتاب الله"، ثم كفروا علي وأصحابه من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أحد أهم المشاكل التي تعترض تكوين الوعي الصحيح لدى المسلمين في كل عصر ومصر هي: التمييز بين الشعارات الصادقة والمعبرة عن جوهر دعوتها، والشعارات الخادعة التي تستخدم للخداع والتحايل على البشر للإيقاع بهم واستغلالهم.. وهذه المشكلة قديمة وتعترض كل البشر منذ أسجد الله الملائكة لأبينا آدم وحتى الآن.

وسبب ذلك أنه يسيطر على عقول أكثر الناس الميل لتصديق أي شعار جذاب، دون النظر والبحث في صدقه ومطابقته لحقائق الواقع، خاصة إذا كان الشعار الجاذب يدغدغ رغبة ما في نفس المتلقي للشعار، ويبدو أن هذه هي طبيعة البشر لأن أبينا آدم وأمنا حواء قد فعلا هذا مع إبليس، إذ أكد الله عز وجل لآدم وحواء أن إبليس عدو لهما وسوف يسعى لإخراجهما من الجنة، وأن هذا سيسبب لهما الشقاء، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى . فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى . إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى . وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه:116-119]. 

وبذا فحقيقة الشجرة التي نهى الله آدم وحواء عن الأكل منها أنها شجرة الشقاء، ولكن إبليس سعى للإيقاع بآدم وحواء، ودفعهما لعصيان الله تعالى، فألف شعارًا كاذبًا ولكنه جذاب كي يخدعهما، فدعاهما للأكل من شجرة الشقاء تحت اسم هذا الشعار الكاذب فقال إبليس: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه:120]، فسمى إبليس الشجرة المحرمة (شجرة الخلد) وشجرة (الملك الخالد)، ونسى آدم وحواء تحذير ربهما من إبليس ومن الشجرة، ونسيا أنها شجرة الشقاء، وصدقا أنها شجرة الخلد والملك الخالد، لما في نفسهما من رغبة في الخلد والملك الخالد.

وهكذا نجد أن البشر في كل زمان ومكان يميلون لتصديق الشعارات والإشاعات، التي تلبي رغباتهم أو تمنياتهم أو توقعاتهم المأمولة، وهذه الأخيرة هي في الحقيقة مجرد آمال ولكنها بسبب سيطرتها علي عقولهم فإنهم يظنون أنها أمر متوقع، وهذا الأمر لا يقتصر على مجرد تلقي الشعارات والدعوات العامة، بل يمتد ليشمل طرق تعاملنا مع المعلومات التي تتدفق على عقولنا عبر سمعنا وبصرنا.. 

ومثال ذلك أنه عندما وصل المسلمون موقع معركة بدر جرت القصة التالية:
"ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا، ووردت عليهم روايا قريش، وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه: فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم أنا أخبركم هذا أبو سفيان، فهنا تركوه.. 

وسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في أناس، فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف وقال: «والذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم» (أ.هـ )، (رواه مسلم والإمام أحمد في مسنده). 

فهؤلاء هم الصحابة لا يريدون أن يكون من سيواجهوه هو جيش قريش بقيادة أبي جهل، ويريدون أن يكون من سيجدوه في بدر هو قافلة تجارة قريش بما فيها من مال وليس فيها مسلحون إلا قليل، كما قال تعالى واصفًا حالهم: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال من الآية:7]. 

ولذلك فالأسير يذكر لهم الحقيقة وأن من سيواجههم هو جيش قريش لا تجارتها فيضربونه ويكذبوه، وإذا كذب وذكر لهم ما يحبونه ويرغبون فيه وهو: أن الموجود هو عير قريش بقيادة أبي سفيان (قافلة تجارة قريش) فإنهم يصدقوه ويتوقفوا عن ضربه، حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحقيقة.

ولذلك أمر الله أن ترد الأمور إلى النبي وأولي الأمر أولي العلم؛ ليميزوا ما بها من خطأ وصواب قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83].

ومن ذلك كله نخلص إلى التالي:
أن أي محتال أو صاحب ضلالة لا يروج لكذبه وخداعه أو ضلاله معلنًا أنه كاذب أو ضال أو جاهل، بل عادة ما يرفع شعارًا جميلًا ويقدم دعوى جذابة ليجذب له مريدين وليحسن صورته أمام العالم حوله، بالضبط كما فعل إبليس مع أبينا آدم، وكما قال (جد الخوارج) لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "اتق الله يا محمد واعدل"، وقال أحفاده للإمام علي كرم الله وجهه: "لا حكم إلا لله.. أتحكم الرجال في كتاب الله"، ثم كفروا علي وأصحابه من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إن البشر يميلون لتصديق أي شعار أو دعوى تدغدغ آمالهم وأمانيهم ورغباتهم، إن لم يلجموا هذا الميول بفهم وفقه عميق وعزيمة قوية، إن الحل الأهم لمواجهة هذه الإشكالية هو: العمل على تحصيل الفهم والفقه لحقائق الواقع من ناحية.. ومن ناحية أخرى رد الأمور والمعلومات لأهل الفهم والفقه لتمحيصها، وفهم مراميها وأبعادها وتقدير عواقبها.

وقد يظن البعض أن كلامنا هذا بشأن الشعارات والدعوات إنما ينطبق على غير الإسلاميين، ولكن هذا غير صحيح فما أوردناه هو أمر عام يشمل جميع الدعوات والمعلومات والشعارات، ومن هذا المنطلق يجب أن نفهم شعارات السلمية وشعارات الجهاد المسلح، وشعارات إقامة الخلافة وشعارات الموقف من الشيعة أو من أمريكا، أو من حلف الناتو أو أي معلومة مهما كان مصدرها، ولنردد دائمًا قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83].

ولكن في عصرنا هذا تظل عندنا إشكالية تحتاج لحل سريع وواسع النطاق، وهي أن الرؤوس الذين قد يرجع لهم الناس لفهم حقيقة الأمور صار كثير منهم جهالاً يفتون بغير علم فيَضلوا ويُضلون الناس..
وقد اقترحنا سابقًا حلاً لهذا الأمر، فننصح بمراجعته ومناقشته.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 3
  • 0
  • 2,301

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً