ثلاثون وقفة مع عاشوراء

منذ 2015-09-29

يوم عاشوراء حدث تاريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية تصومه.

تمر الأمة الإسلامية هذه الأيام بحدث عظيم يرجع إلى الأمم الماضية، وهو يوم عاشوراء، فأحببت في هذه العجالة أن أذكر أهم الوقفات من وجهة نظري، والتي استنبطتها من السنة النبوية تجاه هذا اليوم:

1ـ يوم عاشوراء حدث تاريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية تصومه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "أن قريش كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية"، بل حتى الأمة الكتابية كانت تصوم هذا اليوم، وتتخذه عيداً كما ثبت في الصحيحين.

2 ـ يوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان.

3ـ يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهم، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التاريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى عليه السلام من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر.

4ـ يوم عاشوراء يدل على أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض كما في رواية "أنا أولى بموسى منكم"، وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة.

5ـ صيام يوم عاشوراء يدل أن هذه الأمة أولى بأنبياء الأمم السابقة من قومهم الذين كذبوهم، ويدل لذلك رواية الصحيحين «أنتم أحق بموسى منهم» (صحيح البخاري [4680])، وهذا من مميزات الأمة المحمدية عند الله، ولذلك يكونون شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم يوم القيامة.

6ـ يوم عاشوراء يربي المسلم على أخوة الدين فقط، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «أنتم أحق بموسى منهم» (صحيح البخاري [4680])، وما ذلك إلا لرابطة الدين التي بيننا، و إلا فإن أهل الكتاب أقرب لموسى من حيث النسب.

7ـ يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها.

8ـ يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.

9ـ يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق.

10ـ يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة، ويدل لهذه المخالفة ما يلي:

- لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى اتخذوه عيداً"، قال: «صوموه أنتم» (صحيح مسلم [3313]).

ـ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصام يوم قبله أو يوم بعده.

11ـ من تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر متقرر عند الصحابة، ويدل لذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم" فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟

12ـ يوم عاشوراء دليل على أن اتخاذ المناسبات أعياداً عادة لليهود خاصة منذ القديم، ولذلك اتخذوا يوم عاشوراء عيداً كما في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "كان أهل خيبر يصومون عاشوراء ويتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" (رواه مسلم)، وأما هذه الأمة فجعل الله لها عيدين لا ثالث لهما.

13ـ يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة اليهود والنصارى، حيث كانوا يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في ملتهم، وإنما اقتداء بموسى عليه السلام وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما يتعلق بأصل الدين وعبادة الله واتباع رسوله.

14ـ يوم عاشوراء دليل على أن الواجبات في الشريعة لا يعدلها شيء من حيث الفضل والمنزلة، ولذلك لما شرع الله لهذه الأمة صيام رمضان جعل الأمر في يوم عاشوراء اختيارياً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه» (متفق عليه).

15ـ يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها فوق بعض، وبيان ذلك:
أن من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده، ومن صام يوم عاشوراء كفر عنه سنة قبله؛ فالمؤمن يسعى للأفضل والأكمل.

16ـ صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فمن شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يترك فليتركه» (متفق عليه) .

17ـ صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله سبحانه، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.

18ـ صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في شريعة هذه الأمة المحمدية قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه كان واجباً ثم نسخ إلى الاستحباب.

19ـ إثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره من الأحكام دليل على حكمة الله وأنه يمحو ما يشاء ويثبت، ويخلق ما يشاء ويختار.

20ـ صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون بالفعل كما هو بالقول حتى عند الأمم السابقة، فقد صامه موسى عليه السلام شكراً لربه سبحانه، وهذا منهج الأنبياء كما فعل داود عليه السلام، وختاماً بالنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل، فلما سئل عنها قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً» (صحيح البخاري [6471]).

21ـ من تأمل الأحاديث تبين له أنه لا ينكر على من تركه، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يترك صيامه إلا إن وافق عادته في الصيام، ومع ذلك لم ينكر عليه بقية الصحابة.

22ـ صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجع إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره.

23ـ صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه مندوحة في الاختلاف، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة بعضهم البعض أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره.

24ـ صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله ولرسوله في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن: «من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل» (صحيح البخاري [1924])، فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل، وعلى هذا يجب أن يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله.

25ـ كان الصحابة رضي الله عنهم يربون صبيانهم على صيامه كما في حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: "فكنا نصومه ونصوم صبياننا".

26ـ في تعويد الصحابة صبيانهم على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله.

27ـ التربية الجادة على التحمل والصبر، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: "فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن".

28ـ يوم عاشوراء دليل علة قبول خبر أهل الكتاب ما لم ينفه شرعنا، ويدل لذلك أن يوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى من الغرق إنما هو خبر أهل الكتاب، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه يصدقهم، وفي ذلك من العدل حتى مع الأعداء ما لا يخفى.

29 ـ نحن أحق بموسى من أهل الكتاب الذين كذبوه من عدة أوجه:

ـ أننا صدقنا به وآمنا به ولو لم نره، بخلاف من كذبه من قومه.

ـ أنه دعا لتوحيد الله كما دعا إليه نبينا، بل لا يختلف عنه شيئاً في هذه الجهة.

ـ أننا نشهد أنه بلغ دين الله وأدى حق الرسالة.

ـ أننا لا نؤذيه بسب أو قدح، بخلاف من قال موسى آدر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب:69].

ـ أننا نشهد أنه لو كان حياً زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا اتباع النبي.

ـ أننا نؤمن بما جاء به عليه السلام في باب العقيدة ولو لم نقرؤه أو نطلع عليه.

ـ أن نشهد أن كل من كان من أمته ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام منه براء.

ـ أن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي جاء به موسى عليه السلام يخرج من مشكاة واحدة كما قال النجاشي.

هذه بعض الفوائد والوقفات أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يتولانا بحفظه، وأن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

عقيل بن سالم الشمّري

المصدر: موقع طريق التوبة
  • 1
  • 0
  • 5,812

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً