حوارات أهل القراءات - (1) المقرئ عدنان العُرْضي
ضيف هذه الحلقة من هذه السلسلة هو الشيخ المقرئ المتقن العالم الشيخ عدنان بن عبد الرحمن العُرْضي المرصفي من بلاد مصر المحروسة، من المقرئين الذين نفع الله بهم في هذا العصر لاسيما في مدينة الرياض، جُلُّ وقته في الإقراء والتدريس، تولَّى مشيخة الإقراء بمقرأة جامع الملك خالد بأم الحمَّام بالرِّياض، وتخرَّج عليه جمع من الطلبة في القرآن الكريم والقراءات.
نرحب بكم ضيفاً على قسم القراءات بملتقى أهل التفسير.
الشيخ: حياكم الله، وبارك في جهودكم، ونفع بكم.
س1: فضيلتكم شخصية معروفة بجهودها في مجال الإقراء، لكنَّ متابعي ملتقى أهل التفسير بحاجة إلى مزيد معرفة عن شخصكم الكريم؟
الشيخ: الاسم: أبو عبد الرحمن، عدنان بن عبد الرحمن بن محمَّد العُرْضي ثم المرصفي، نسبة إلى قرية مرصفا مركز بنها، محافظة القليوبية بمصر المحروسة.
تاريخ الميلاد: 29/ 12/ 1963م، الموافق: 8/13 / 1383 هـ.
الحالة الاجتماعية: متزوج وعندي -ولله الحمد- سبعة أولاد، أربعة من الذكور، وثلاث من الإناث.
الشهادات الدراسية: كلية التربية عام 1985م / كلية الآداب عام 1988م قسم اللغة الإنجليزية.
وحصلتُ -ولله الحمد- على العديد من الإجازات القرآنية في القراءات مفردة ومجتمعة.
س2: فضيلتكم منشغل بالقرآن الكريم تلاوة وإقراء وتدريساً، متى كانت بدايتكم مع القرآن الكريم وقراءاته؟ وما دور الوالدين في ذلك؟
الشيخ: كانت البداية منذ نعومة أظفاري في المرحلة الابتدائية و(الكُتَّاب)، ولكن وصلت فقط إلى سورة (ص) ثم تركتُ الكُتَّاب، وانشغلتُ بالدراسة المدنية حيناً من الدهر إلى أن أنعم الله عليَّ بالهمَّة في استئناف الحفظ، وذلك في نهاية العام الدراسي 83/ 1984 م من أواخر عامي الثالث بالجامعة على الأرجح، وكانت هناك محاولات سابقة لكن لم تكلل بالنجاح، إلى أن وفَّقني الله للقراءة على شيخنا عبد الرحمن كسَّاب رحمه الله، حتى ختمتُ وجودتُ على فضيلته في إجازة صيفية عام 1984 م.
س3: علم القراءات قائم على التلقي والمشافهة، فأين كانت دراستكم لهذا العلم، ومن هم أبرز مشايخكم فيه؟ ومن تراه أثَّر فيكم من مشايخكم وانتفعتم به أكثر من غيره؟
الشيخ: دراستي لهذا العلم الشريف كانت في مجملها على المشايخ الذين تلقيتُ عنهم القراءات إفراداً وجمعاً.
إضافة إلى مطالعاتي الكثيرة في الكتب وسماعي لتسجيلات ودروس بعض المشايخ الكبار.
وأبرز مشايخي:
شيخنا الأول: عبد الرحمن كسَّاب المرصفي رحمه الله كان له أكبر الأثر في ضبط وإتقان التجويد، وله قصة طويلة معي.
شيخنا عبد العزيز بن فتحي السيِّد ندا هو أول من دفعني وشجعني وحبَّب إليَّ القراءات، وقرأتُ عليه قراءات: عاصم، وابن كثير، وأبي عمرو البصري.
شيخنا أحمد فهمي عبد الصمد الدمياطي رحمه الله كان له بعد الله تعالى الفضل الأكبر في انطلاقي في القراءات، حيث قرأتُ عليه العشر الصغرى.
شيخنا الصَّالح بكري الطرابيشي الدمشقي رحمه الله قرأتُ عليه ختمة كاملة بقراءة عاصم الكوفي.
شيخنا العلامة المحقق المدقق عبد الرافع رضوان بن علي الشرقاوي، قرأتُ عليه رواية حفص من طريق المصباح والروضة.
شيخنا العلامة المعمر محمد بن عبد الحميد السكندري، شيخ مقارئ الإسكندرية، وأعلى قراء الطيبة سنداً الآن، قرأت عليه قراءات: عاصم، وابن عامر، والكسائي، من الشاطبية، ثم جمعتُ عليه القراءات العشر الكبرى.
شيخنا مصباح علي ودن، قرأتُ عليه بعضاً من القرآن بالقراءات العشر الصغرى، وأجازني بها وبالقرآن كاملاً بالعشر.
شيخنا عبد الفتاح مذكور، قرأتُ عليه بعض القرآن برواية حفص، وأجازني بكلِّ القرآن بالرواية المذكورة.
وشرَّفني الله بقراءة بعض القرآن على بعض المشايخ كالشيخ إبراهيم شحاذة السمنودي، والشيخ محمد كريم راجح الدمشقي، والشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف، والشيخ منير المظفر الصفاقسي التونسي، والشيخ عبد الباسط هاشم.
وقرأت بعض متون القراءات والتجويد على عدَّة أعلام، وهم: الشيخ محمد عبد الحميد السكندري، والشيخ عبد الفتاح مذكور، والشيخ عبد الباسط حامد، الشهير بعبد الباسط هاشم، على تفصيل في ذلك.
س4: إذا ذكرت مقرأة جامع الملك خالد، ذكر اسمكم معها، فمتى كان قدومكم إلى الرياض؟ وما هو أبرز نشاطكم في الرياض في مجال الإقراء وتعليم القرآن الكريم؟
الشيخ: كان سفري إلى الرياض عام 1415هـ، ولكن لم يكن لي في البداية اشتغال بالتجويد أو القراءات، حيث كنتُ أعمل معلِّماً للغة الإنجليزية في مدارس الرواد، ثم في مدارس رياض الصالحين، وكان من توفيق الله لي أن عرض عليَّ أحد زملائي بالمدارس -رياض الصالحين- أن أقرأ عليه، وهو شيخنا الأول في القراءات المفضال الأستاذ: عبد العزيز بن فتحي السيد ندا.
ثم قرأتُ على المشايخ الذين ذكرتُ سابقاً، وجلستُ للإقراء، وقرأ عليَّ عدد كبير جداً من الطلاب -ولله الحمد- بالقراءات المفردة، وكذلك بجمع القراءات السبع والعشر، وتخرَّج منهم عدد كبير، خاصة بعد افتتاح مقرأة الملك خالد عام 1426هـ، فتخرَّج:
بالعشر ثلاثة طلاب.
وبالسبع خمسة.
وأجيز بعاصم أحد عشر طالباً وطالبة.
وبرواية حفص ستة طلاب.
وبروايات مختلفة عشرة طلاب.
هذا غير الذين تخرَّجوا عليَّ قبل مقرأة الملك خالد.
وتخرَّج عليَّ نحو ستة طلاب في مقرأة صالح الراجحي بحي الملك فهد بالرياض.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وقد وفقنا الله لإقامة بعض الدورات لتطوير المعلمين بجامع سليمان الرَّاجحي بحي الصفا، وقدَّمتُ بعض الدَّورات في معهد إعداد المعلمين بحي الورود بالرياض، كما أقامت مقرأة جامع الملك خالد عشرة ملتقيات قرآنية استفاد منها مجموعة كبيرة من طلاب هذا العلم الشريف.
س5: الناس مع التأليف أصناف وأنواع، ومع طول حياتكم مع القرآن الكريم لم نرَ لفضيلتكم شيئاً من المؤلفات والتحقيقات في علم التجويد والقراءات، فما نظرتكم حول هذا؟
الشيخ: هذه من المنح والنعم التي يفيضها الله على من يشاء من عباده، فمنهم من يشتغل بالتعليم والإقراء والتدريس، ومنهم من يشتغل بالتصنيف، ويفتح الله عليه في ذلك، ومنهم من يوفقه الله في كلِّ ذلك، فأنا -ولله الحمد- أقرئ جلَّ وقتي، وأحياناً أدرِّس بعض المتون والكتب لطلابي، وقد قمتُ -ولله الحمد- بشرح الشاطبية كاملة، وشرح المقدمة الجزرية، وكذا شرح القسم الأول من كتاب: سمير الطالبين في الرسم والضبط، والتعليق على كتاب: مختصر بلوغ الأمنية في التحريرات، وكذلك شرح كتاب: الإضاءة للشيخ الضَّبَّاع.
وكلها -عدا شرح الشاطبية- موجود على الانترنت -ولله الحمد-، وكان لي أيضاً مشاركة ببحث في المؤتمر العالمي الأول للقراءات بمراكش، منذ شهرين تقريباً.
س6: القراء لهم مناهج في الإقراء تشدداً وتساهلاً وتوسطاً في موضوع الإجازة، فما هو المنهج الوسط في نظركم في إجازة الطالب في القرآن الكريم أو القراءات ؟ وماذا عن من يصف منهجكم بالتشدد في الإقراء؟
الشيخ: صحَّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "اقرؤوا كما علمتم"، ورد عن بعض السلف: "اقرؤوا كما قرأ أولوكم"، وصحَّ عن كثير من أئمة السلف (القراءة سنة متبعة)، فنحن نتبع ولا نبتدع، نقرأ كما أقرأنا مشايخنا، أسأل الله أن يجزيهم عنَّا خير الجزاء، ولو رجعنا إلى كتابات أئمتنا الأوائل: أبي عمرو الداني، وعبد الوهاب القرطبي، ومكي بن أبي طالب، وغيرهم، سنجد أنَّ -أمثالنا- ممن يوصفون بالتشديد قد يكونون متساهلين جداً في هذا الأمر، نسأل الله العافية والسلامة، والأمر لا يعدو كونه حرصاً على كتاب الله، وقياماً بالأمانة.
س 7: يقولون: أنَّ الشيخ قد يستفيد من بعض تلاميذه ما ليس عنده، فهل حصل معكم شيء مع تلاميذكم من هذا الأمر؟
الشيخ: نعم استفدتُ من بعض طلابي في مدارسة ومناقشة بعض المسائل العلمية في القراءات والتجويد والوقف والابتداء والتفسير وغيرها.
واستفدتُ من بعضهم من سلوكهم وأخلاقهم وعبادتهم، وأدبهم.
وأستفيد كذلك من كثير منهم في التشاور في بعض مشروعات المقرأة، حتى إنَّ القريب منهم أشاوره في بعض أموري الشخصية.
س8: الناظر في واقع الحلقات القرآنية بالمساجد يرى ضعفاً شديداً في المخرجات مع وجود الإمكانيات في كثير من هذه الحلقات، في نظركم ما هو سبب هذا الضعف الواقع الملموس؟
الشيخ: الضعف في نظري يعود في الأساس إلى ضعف القائمين على الجمعيات الخيرية عموماً، لأنَّ أكثرهم -للأسف- في نظري القاصر -موظفون-، وهناك البعض ممن عندهم الغيرة والحماس لكن تنقصهم الخبرة والخطط، ونتج عن ذلك أمور كثيرة جداً تجعل المنتج النهائي ضعيفاً جداً، إذا ما قورن بالإمكانات الضخمة المتاحة.
ويمكنني أن أوجز أهم الآثار الناتجة عن السبب الأساسي الذي ذكرته، وهو ضعف الإدارة:
1) عدم وضوح الرؤية.
2) ضعف التخطيط.
3) عدم وضوح الاستراتيجات الطويلة، وأساليب تحقيق هذه الاستراتيجات.
4) عدم ترتيب الأولويات، فأهمل جانب المعلِّم وتطويره وتحسين وضعه المعيشي والمهني.
5) عدم وجود كوادر تربوية وفنية على مستوى عالٍ من المهارة والحرفية لإدارة الجمعيات والمراكز ناهيك عن الحلقات.
س9: عرف عنكم إشرافكم ومتابعتكم المباشرة على مشروع (اتساق)، فهل من لمحة مختصرة عن هذا المشروع؟
الشيخ: مشروع (اتساق) هو التحقيق الصوتي لمسائل التجويد والقراءات، وتسجيلها صوتاً وصورة من أفواه كبار القراء المتصدرين في أمصار العالم الإسلامي.
بحيث تتوفر مرجعية صوتية موثوقة على أعلى درجات ومقاييس الإتقان الأدائي لهذا الجيل وما بعده من القراء والمقرئين والمشتغلين بالدراسات القرآنية.
س10: علم الرسم وعلم عد الآي من العلوم المتعلقة بعلم القراءات، والناظر في واقع كثير من المتصدرين للإقراء الجهل بهما، أو عدم تدريسهما، فما وجهة نظركم حول هذين العلمين؟
الشيخ: جهل كثير من القراء والمقرئين بهذين العلمين الشريفين واقع مشاهد ولا يمكن إنكاره، وهذا نقص في التكوين العلمي للقارئ والمقرئ، وعليه أن يدرس ولو مختصراً في علم الرسم كاللؤلؤ المنظوم للمتولي، والفواصل كالفرائد الحسان للقاضي، فهذا أقل ما يقبل لرفع الجهل في هذين العلمين عن المقرئ المبتدئ.
س11: علم القراءات قائم على الرواية والدراية، وبعض الطلبة يغرق في الرواية على حساب الدراية، أو العكس؟ فما توجيهكم في هذا الأمر؟
الشيخ: الأصل في علم القراءات هو الرواية والتمكن فيها، وحسن الأداء والتلاوة، فهذا هو حجر الزاوية، لكن على القارئ أن يحرص كذلك على الإحاطة بعلوم الدراية كتوجيه القراءات، وتاريخ القراءات، والرسم، والفواصل، وعلم الأسانيد، وأصول علم القراءات، وكلها في غاية الاهتمام للمقرئ والمتصدِّر.
س12: ملتقى أهل التفسير من الملتقيات العلمية المتخصصة على الشبكة العنكبوتية، فهل لكم متابعة له مباشرة أو عن طريق تلاميذكم؟ وما توجيهاتكم لإدارة الملتقى؟ وكلمة أخيرة لأعضاء الملتقى ومتابعيه؟
الشيخ: للأسف، أنا لا أتابع ما ينشر على الشبكة عموماً لسببين:
أولهما: كثرة المشاغل.
ثانيهما: قلة مهارتي في استعمال الحاسوب.
كلمتي لمتابعي الملتقى: إنَّ العلوم الشرعية تتكامل، فأهل التجويد والقراءات يعنون بجانب الرواية وشيئاً من علوم الدراية، وأهل التفسير يعنون بمعاني القرآن، وآدابه، وأحكامه، وقصصه، وغير ذلك، وقل مثل ذلك عن المحدِّثين والفقهاء، وكلٌّ في ثغر، فليحرص كل منهم على أن لا يؤتى الإسلام من قبله، وليتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى، وليتحابوا وليتواخوا، وليدعوا لبعضهم بعضاً، وفَّق الله الجميع لما يحبُ ويرضى. والحمد لله أولاً وآخراً.
حاوره تلميذه:
محمد بن سعيد بكران
رمضان 1434 هـ
- التصنيف: