في وفاة الشيخ أحمد فهمي رحمه الله

منذ 2015-10-06

بقلوب مؤمنة بقضاء الله تعالى وقدره رغم مايعتصرها من الألم ،ويغمرها من الحزن، ودعنا شيخنا الحبيب فضيلة المقرئ الجامع أَحْمَدَ بن فَهْمِي بن سَلامَةَ بن عَبْدِ الصَّمَدِ الدِّمْيَاطِيّ المِصْرِي صباح السبت 25/12/1433هـ، الموافق 10/11/2012م.

وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون.

بقلوب مؤمنة بقضاء الله تعالى وقدره رغم مايعتصرها من الألم ،ويغمرها من الحزن، ودعنا شيخنا الحبيب فضيلة المقرئ الجامع أَحْمَدَ بن فَهْمِي بن سَلامَةَ بن عَبْدِ الصَّمَدِ الدِّمْيَاطِيّ المِصْرِي صباح السبت 25/12/1433هـ، الموافق 10/11/2012م.

ولعلي أعرض في هذه السطور القليلة تعريفاً بشيخنا المفضال، أسأل الله أن يسكنه في الفردوس الأعلى بما قدم لخدمة القرآن الكريم، كما أعرج على بعض ذكرياتي الشخصية مع فضيلته، رحمه الله رحمة واسعة.

وُلِدَ شيخنا في 10/2/1365هـ الموافق 13/1/1946م بمحافظة دمياط بمصر ، تخرَّج في كلية الهندسة جامعة القاهرة ، وكان على صلة بالقرآن الكريم ومقارئ كبار المقرئين، فكان يتردَّد كثيرًا على مقرأة الشيخ عامر السيد عثمان رحمه الله، ثم ارتحل للعمل بمدينة الرياض بالسعودية حيث قضى أكثر عمره -أربعاً وثلاثين سنة- وهناك أكمل حفظ القرآن الكريم. أتم شيخنا رحمه الله حفظ القرآن الكريم وهو قد جاوز الأربعين فيما يترجح لي من القرائن، ولم يمنعه السن الذي يتعذر به الكثيرون بأنهم إذا تجاوزوا الأربعين فلا سبيل إلى التحصيل أو طلب العلم. وهنا لطيفة ينبغي أن ينتبه لها كل من لم يتيسر له في بداية حياته طلب العلم أو حفظ القرآن، إذ إن الهمة العالية تقهر -بفضل الله تعالى- الصعاب وتمكن صاحبها من بلوغ المراد. فبعد أن حفظ شيخنا القرآن وأتقنه شرع في طلب شرف الإسناد إلى من أُنٌزِلَ عليه الكتاب صلى الله عليه وسلم – فشرع يقرأ على كوكبة من مقرئي مدينة الرياض المشهورين فتلقَّى القرآن الكريم برواية حفص ، ثم باللعشر الصغرى وغير ذلك.

فمن شيوخه : الشيخ عباس مصطفى أنور المصري (حفص من الشاطبية ثم من الطيبة)، الشيخ محمد متولي جبر (حفص)، الشيخ محمد عيد عابدين (العشر الصغرى) رحمهم الله، الشيخ محمد عبد الحميد السكندري حفظه الله (الأصبهاني عن ورش من الطيبة)، وغيرهم من المقرئين ، كما استدعى له بعضُهم إجازةَ الرواية العامة من بعض المسندين: كالشيخ علي توفيق النحاس، والشيخ عبد الرحمن بن شيخ الحبشي الحضرمي، والشيخ أحمد بن قاسم اليقيني الضحوي، والشيخ محمد إسرائيل الندوي السلفي، والشيخ غلام الله بن رحمة الله الكاكَري حفظهم الله، وقد كان رحمه الله كثير الثناء على شيخه محمد عيد عابدين والدعاء له، فما أن يذكر المشايخ إلا ويتمثل شيخه ويدعو له بل ويحث الحاضرين على ذلك وخاصة عند ختمة أحد القراء عليه أو على غيره. وهذا من الوفاء الذي قل وجوده للأسف الشديد في هذا الزمان!!

وقد روى لي أنه شرع في القراءة على الشيخ محمد عيد عابدين بالعشراالصغرى ثم لم يلبث الشيخ أن غادر الديار السعودية عائداً إلى مصر كان شيخنا يرتب مع الشيخ في الإجازات الصيفية التي يسافر فيها إلى مصر ليقرأ عليه ماتيسر من الختمة حتى أتم عليه في ثلاث سنوات.

وكان حريصًا على تحصيل العلم الشرعي فالتحق بقسم الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود وحصل فيها على درجة الماجستير في الدعوة والاحتساب ، كما كان من المؤسسين لجامعة الحمد التي يشرف عليها الدكتور توفيق علوان حفظه الله بالرياض ، فدرَّس فيها التجويد وعلوم القرآن.

أما الإقراء في الرياض فهو علم من أعلامه البارزة، ومنارة من مناراته السامقة. وأحد القلائل الذين نذروا أنفسهم لخدمة القرآن الكريم حسبة لله تعالى، ورجاء ماعنده من الأجر والمثوبة نحسبه كذلك ، ولانزكي على الله أحدًا فقد كان الشيخ يخصص جل وقت فراغه للإقراء. فبعد أن يعود من عمله في وزارة الإسكان، ويأخذ قسطاً من الراحة يبدأ عقيب المغرب وأحيانًا قبلها حتى يخلد إلى النوم لا يكل ولا يمل. وهو يختار من طلابه النجباء ليقرؤوا عليه في منزله، أما سائر الطلاب فقد كانت له ثلاث مقارئ عامة: أولاها وأشهرها: بجامع الدغيثر بحي منفوحة بمدينة الرياض، وكانت حلقة عامرة وافرة حافلة بالقراء وذلك مساء كل خميس. ولم يكن رحمه الله ينقطع عنها مطلقًا إلا لعذر قاهر. ثانيتها: مقرأة بجامع عتيقة بالرياض من قبل صلاة الجمعة بساعة وتمتد إلى قبيل صلاة العصر. وكانت له مقرأة ثالثة مساء السبت بأحد مساجد حي عتيقة بالرياض، كل ذلك الوقت يبذله خدمة للقرآن الكريم وحسبة لله تعالى، لم يتقاض درهماً أو ديناراً مطلقا على إقرائه، ولم يتوصل بذلك إلى منصب أو جاه. أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناته وأن يجزل له الأجر و المثوبة ويرفع درجاته في عليين.

أما تجربتي مع الشيخ رحمه الله فقد شرعت في قراءة ختمة للإمام الكسائي على فضيلته عام 1419 هـ بجامع الدغيثر بالرياض فقرأت في أول جلسة ربعاً واحداً، وفي الثانية قرأت ثلاثة أرباع، وفي الثالثة حزباً كاملاً، وبعدها حدد لى مواعيد للقراءة عليه في مقرأة عتيقة وفي بيته تفضلاً وتكرمً منه، قال لي ذات مرة: ماذا تنوي أن تقرأ بعد الكسائي؟ فقلت له: قراءة ابن عامر. قال: لا، اقرأ حمزة. وعهد بي إلى أحد طلابه لأتدرب على قراءة حمزة، فقرأت عليه إلى آخر سورة النساء، ثم حان موعد سفره في إجازة طويلة نسبياً إلى مصر في أواخر رمضان 1419هـ، وكان قد وعدني بأن أتم الختمة -قراة الكسائي- قبل سفره، فلما كلمته في ذلك قال: لك عندي مفاجأة! قلت: وما هي؟ قال: ستقرأ العشرة بعد عودتي من مصر، وحيث إن الإجازة طويلة فحاول أن تتدرب خلالها على القراءات التي لم تقرأها من قبل [ابن عامر ، الثلاث المتممة]. قلت: يا مولانا قراءة العشر تحتاج إلى وقت طويل. قال:سأعطيك وقتاً لكن اجتهد خلال هذه المدة (شهرين ونصف تقريبا) فى ضبط كل القراءات إفراداً. وأرشدنى رحمه الله إلى طريقة الجمع بالآية وتدربت عليها قبل سفره، وقد قمت بتنفيذ توجيهات الشيخ حرفياً، وكنت قبل عودته مستعدا تماما للقراءة على فضيلته، حتى إنى دونت بخط يدي جمع القراءات العشر من الفاتحة حتى الآية 87 من سورة النساء.

وعند عودته في 17/12/1419 هـ كانت هناك مفاجأة صادمة لي! حيث قال الشيخ إنه لن يجدد عقده بالمملكة السعودية لأن أسرته بحاجة إليه في مصر، والمتبقي له حوال ثمانية أشهر يسافر بعدها نهائيا إلى مصر، وطرح علي خيارين: إما أن أكمل قراءة الكسائي ثم أشرع في قراءة أخرى، أو أن نبدأ في العشر فنقرأ ما تيسر ثم أكمل عليه الختمة في الإجازات كما فعل هو مع شيخه محمد عيد عابدين -رحمهما الله تعالى-.فقلت بلا تردد : بل نبدأ بجمع العشر والله المستعان والموفق.

فما كان من شيخي رحمه الله إلا أن أفسح لي وقتًا كبيرًا حتى إنني كنت أقرأ عليه بشكل شبه يومي سواء في بيته أو المقارئ التي يُقرِئ بها، نقرأ بالقراءات العشر جمعا بالآية حتى نهاية سورة الروم وبعدها أكملنا الختمة بالقراءة بالجمع بالوقف على طريفة ابن الجزري رحمه الله. وقد وفقني الله لإكمال القراءات العشر عليه في الثاني من شهر شعبان عام 1420هـ أي قبل انتهاء عقده مع وزارة الإسكان، ويبدو أن ظروف الأسرة تحسنت فبقي الشيخ في الرياض إلى عام 1427هـ تقريبًا ثم ارتحل بعدها إلى مصر وظل يقرئ بها حتى داهمه المرض في شهررجب 1433 ثم اشتد عليه بشكل متسارع نسأل الله أن يكفر بذلك سيئاته ،وأن يضاعف حسناته ، وأن يرفع درجاته.


من أبرز ملامح منهجه في الإقراء:
· التفرس الصائب في طلابه.
· تشجيع المبتدئين والمتوسطين.
· رفع همة طلابه النابهين وتحفيزهم إلى جمع القراءات.
· الانضباط التام في المواعيد والالتزام بها وإلزام طلابه بذلك .
· حسن الإرشاد والتوجيه السديد للطلاب.
· تدريب طلابه النابهين على حفظ المتون ودراسة التجويد وخاصة في سنواته الأخيرة بالرياض.

وقد انتفع بالشيخ جمع غفير من طلاب القراءات في الرياض ثم في مصر.

ومن أبرز تلاميذه : عدنان العُرْضِي -كاتب هذه السطور-، عِصْمَت محمد السوداني، رائد محمد السهلي، حسنين محمد، صالح السيد محمد، حسن همام (ستتهم : جمعا بالعشر الصغرى) رائد السهلي (العشر الصغرى إفرادWا)- منصور أبو سريع، سُعُود عبدالعزيز، محمد الأَسْطَل (ثلاثتهم: السبع من الشاطبية) - السيد محمود سَنَد (ورش وابن كثير وأبو عمرو وغير ذلك)، محمد عوض الحَرْبَاوي- سيد إسماعيل (حفص من الشاطبية) ... وغيرهم كثير ممن قرأ بالقراءات المفردة.

ومن مؤلفاته: رسالة في الرسم العثماني اسمها (شكر الآلاء وحق الأداء في رسم إبراهيم بدون ياء في سورة البقرة الغرَّاء)، وأخرى في تحريرات البسملة بين السورتين واسمها: (قطاف الجنتين بتحرير البسملة بين السورتين). 

وكان للشيخ مشروع طموح لتسجيل القراءات العشر صوتياً بالجمع بالآية، وسجل بالفعل إلى سورة الكهف ثم داهمه المرض فتوقف المشروع، نسأل الله أن يقيض لهذا المشروع الرائد أحد المقرئين الضابطين لإتمامه وأن يجزي شيخنا خير الجزاء.

وكان رحمه الله كريم النفس، متواضعاً، رجاعاً إلى الحق، ومن تواضعه رحمه الله أنه ربما اتصل بأحد طلابه ليتأكد منهم من مسألة علمية، أو يستشيره في بعض أمور الإقراء، ولم يستنكف يوماً عن الرجوع إلى الحق إذا تبين له. وكان لطيف المعشر ويسأل عن طلابه ويتفقدهم ويدعو لهم، ويفرح باتصالهم وزيارتهم، ويحل مشاكلهم ويساعد محتاجهم، ومع ذلك فقد كانت تكسوه مهابة حاملي القرآن العاملين به.

نسأل الله أن يتغمد شيخنا بواسع رحمته، وأن يتجاوز عن زلاته ويرفع درجاته، وأن يرزقه منازل النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين، وأن يرزق أهله الصبر والسلوان وأن يخلف الأمة عنه خيراً.

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه
عدنان بن عبد الرحمن العرضي المرصفي
مقرئ القراءات العشر بجامع الملك خالد بالرياض
الرياض: 27 / ذو الحجة / 1433 هـ

المصدر: ملتقى أهل التفسير
  • 4
  • 0
  • 7,416

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً